(الصفحة 631)
ا لـثانيـة: الأخبار الـدالّـة على الطهارة الواردة في خصوص الانقلاب با لـعلاج، كصحيحـة زرارة أو حسنته، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـخمر الـعتيقـة تجعل خلاًّ؟
قال:
«لا بأس».(1)
فإنّ جعل الـخمر خلاًّ ظاهر في الـجعل با لـعلاج، كما لايخفى.
و روايـة عبيد بن زرارة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يأخذ الـخمر فيجعلها خلاًّ.
قال:
«لا بأس».(2)
و ما رواه ابن إدريس عن «جامع الـبزنطي» عن أبي بصير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): أنّه سأل عن الـخمر تعا لـج با لـملح و غيره; لتحوّل خلاًّ.
قال:
«لا بأس بمعا لـجتها».
قلت: فإنّي عا لـجتها، و طيّنت رأسها، ثمّ كشفت عنها فنظرت إليها قبل الـوقت، فوجدتها خمراً، أيحلّ لي إمساكها؟
قال:
«لا بأس بذلك; إنّما إرادتك أن يتحوّل الـخمر خلاًّ، و ليس إرادتك الـفساد».(3)
و روايـة عبدا لـعزيز بن الـمهتدي قال: كتبت إلى الـرضا (عليه السلام): جعلت فداك، الـعصير يصير خمراً فيصبّ عليه الـخلّ و شيء يغيّره حتّى يصير خلاًّ.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 31، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 31، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 31، الـحديث 11.
(الصفحة 632)
قال:
«لا بأس به».(1)
و غير ذلك من الـروايات الـواردة في هذا الـمورد.
ا لـثا لـثـة: الـروايات الـظاهرة في أنّ الانقلاب با لـعلاج لايجدي:
مثل موثّقـة أبي بصير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سئل عن الـخمر يجعل فيها الـخلّ.
فقال:
«لا، إلاّ ما جاء من قبل نفسه».(2)
و موثّقته الاُخرى قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـخمر، يصنع فيها الـشيء حتّى تحمض.
قال:
«إن كان الـذي صنع فيها هو الـغا لـب على ما صنع، فلا بأس به».(3)
و حيث إنّ هذه الـطائفـة ظاهرة في عدم ارتفاع الـنجاسـة با لـعلاج، و الـطائفـة الـسابقـة صريحـة في الارتفاع، فا لـلازم الـتصرّف في ظهور هذه الـطائفـة بحملها على الـكراهـة.
و قد حمل الـشيخ (قدس سره) الـروايـة الاُولى على استحباب الـترك، حتّى تصير خلاًّ من غير أن يطرح فيها ملح أو غيره، و ذكر: أنّ الـروايـة الـثانيـة خبر شاذّ متروك; لأنّ الـخمر نجس ينجّس ما حصل فيها.
و لعلّه لم يستفد من قول الـسائل: «حتّى تحمض» صيرورتها خلاًّ، مع أنّه ظاهر فيه، فلا تكون الـروايـة متروكـة، بل محمولـة على الـكراهـة، كما عرفت.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأخبار الـدالّـة على طهارة الخلّ المنقلب إليه من الخمر، أنّه
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 31، الـحديث 8.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 31، الـحديث 7.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 31، الـحديث 2.
(الصفحة 633)
لافرق في الـحكم با لـطهارة بين استهلاك الـجسم الـمطروح الـمعا لـج به، و بين بقائه و عدم استهلاكه، و قد صرّح بذلك جماعـة، بل نسب إلى الـمشهور.
ولكنّه قد يتأمّل في الـطهارة في الـثاني، بل في بعض الـكتب الـنسبـة إلى الـقيل، و لعلّ الـوجه فيه أنّ الأخبار الـمتقدّمـة، ناظرة إلى حصول الـطهارة للخمر بعد انقلابها خلاًّ، و لا دلالـة لها على حصول الـطهارة لذلك الـجسم بعد بقائه و عدم تحقّق الانقلاب بالإضافـة إليه.
و اُجيب عنه تارة: بأنّ مفاد هذه الأخبار حصول الـطهارة الـفعليـة للخمر الـمذكورة، و الـطهارة الـفعليـة لا تجتمع مع بقاء ذلك الـجسم على الـنجاسـة، لأنّ تنجّسه يوجب تنجّس الـخلّ، و لا يمكن معه الـحكم بطهارته، فحصول الـطهارة الـفعليـة يدلّ با لـدلالـة الالتزاميـة على طهارة الـجسم الـمطروح الـمعا لـج به الـباقي أيضاً.
و اُورد على هذا الـجواب: بأنّ الأدلّـة لا تدلّ على الـطهارة الـفعليـة مطلقاً، و إنّما تدلّ على الـطهاره الـفعليـة من حيث نجاسـة الـخمر، فلا تصلح للدلالـة على طهارة غيرها بالالتزام.
و يدفع الإيراد: بأنّ الأدلّـة و إن لم تكن ناظرة إلى نجاسـة غير الـخمر، لكن الـنجاسـة في هذا الـفرض على تقديرها إنّما هي ناشئـة من قبل الـخمر; ضرورة أنّ تنجّس الـجسم إنّما كان لأجل ملاقاة الـخمر، لا لشيء آخر، فكما أنّه يستفاد من الأدلّـة طهارة الإناء الـواقع فيه الـخمر; لأنّ نجاسته كانت مستندة إليه، فكذلك يستفاد منها طهارة الـجسم الـمعا لـج به من دون فرق بينهما أصلاً.
إلاّ أن يقال: بأنّ الـطهارة الـفعليـة الـتي هي مدلول الأخبار، كما يلائم مع طهارة
(الصفحة 634)
ا لـجسم كذلك، يمكن اجتماعها مع فرض تنجّسه أيضاً، غايـة الأمر عدم تأثيره في تنجّس الـخلّ الـملاقي معه.
و بعبارة اُخرى: هذه الأخبار كما يمكن أن تكون متصرّفـة في دليل بقاء الـجسم على الـنجاسـة، كذلك يمكن أن تتصرّف في دليل تأثير الـملاقاة في تنجّس الـملاقي; بأن يكون الـمورد خارجاً منه، فا لـجسم ـ حينئذ ـ باق على الـنجاسـة، ولكنّ الـخلّ صار طاهراً. و هذا الاحتمال يجري في الإناء أيضاً. لكنّه خلاف ما هو الـمتفاهم عند الـعرف من الأدلّـة فتدبّر.
و اُخرى: بأنّ اختصاص الـنظر بذلك، لا يمنع من الـحكم بطهارته بما فيه تبعاً; لأنّ إطلاقها اللفظي إذا كان شاملاً لصورة عدم الاستهلاك، كان إطلاقها الـمقاميّ دالاًّ على طهارة ما لم يستهلك; فإنّ مقتضى إهمال الـنصوص للتعرّض لبقاء الأجسام الـملاقيـة للخمر على الـنجاسـة ـ مع وجودها غا لـباً فيها ـ طهارتها تبعاً كما لا يخفى.
فرع: لو لاقت الـخمر نجاسـة خارجيـة، ثمّ انقلبت خلاًّ
ففي الـمتن: «لم تطهر على الأحوط» و لعلّ منشأ الـحكم بعدم الـطهارة دعوى أنّ الأخبار الـمتقدّمة، ناظرة بأجمعها إلى الـنجاسة الـخمرية فحسب، و مدلولها ارتفاعها بالانقلاب، و لا دلالـة لها على غيرها من الـنجاسات، فلا موجب لارتفاعها، و مقتضى الأصل بقائها.
ولكنّه ربّما يقال: إنّ الـخمر من الـنجاسات الـعينيـة، و هي غير قابلـة لأن تتنجّس ثانياً بملاقاة الأعيان الـنجسـة، أو الـمتنجّسات، كما أنّ نجاستها غير قابلـة للاشتداد با لـملاقاة، و عليه فا لـخمر مادام كونها كذلك نجاستها هي الـنجاسـة
(الصفحة 635)
ا لـخمريـة، و لا تزيد با لـبول أو غيره أصلاً.
بل لو قلنا: بتنجّس الـخمر با لـملاقاة، يكون مقتضى إطلاق الأخبار الـطهارة في هذا الـفرع أيضاً; لأنّ ما دلّ على جواز أخذ الـخمر لتخليلها، غير مقيّد بما إذا اُخذت من يد الـمسلم، بل يشمل الـمأخوذة من الـكافر أيضاً، و من الـواضح أنّ الـكافر لا يتحفّظ على الـخمر من سائر الـنجاسات، بل تصيبها الـنجاسـة عنده ولو من جهـة الأواني، أو يده الـنجسـة أو الـمتنجّسـة.
نعم، هذا فيما إذا لم تصب الـنجاسـة الـثانيـة للإناء، و إلاّ فالإناء الـمتنجّس يكفي في تنجّس الـخلّ به بعد انقلابه من الـخمر، و الأخبار إنّما تدلّ على طهارة الإناء فيما إذا كانت نجاسته مستندة إلى الـخمر، لا إلى نجاسـة اُخرى غيرها.
أقول: أمّا على تقدير عدم قابليـة الـخمر للتنجّس ثانياً، فا لـنجاسـة الـواصلـة من الـخارج و إن لم تؤثّر في الـخمر بوجه إلاّ أنّها توجب خروج الـمورد عن منصرف الأخبار; فإنّ الـظاهر انصرافها عن هذا الـمورد.
نعم، بناءً على ما ذكرنا: من جريان الاستحا لـة الـمطهّرة في الـمتنجّسات أيضاً، يكون لازمه طهارة الـخمر في هذا الـفرض بعد انقلابها خلاًّ; لانقلاب حقيقته الـنوعيـة الـعرفيـة و الـملاقاة كانت متحققةً; في زمن الـخمرية فيصدق: «أنّ الـخلّ لم يلاقِ نجساً، و لا متنجّساً» إلاّ أنّ هذا الـمعنى لا يجدي في اتّصاف الإناء با لـطهارة أيضاً، بعد خروجه عن مورد الأخبار، و الاستحا لـة لا توجب تحقّق الـطهارة بالإضافـة إلى غير موردها أصلاً، فعلى هذا الـتقدير لا دليل على الـطهارة.
كما أنّه على الـتقدير الآخر يكون كذلك بنحو أولى; لعدم ثبوت الإطلاق للأخبار من هذه الـجهـة بوجه، و غلبـة عدم الـتحفّظ فيما إذا اُخذت من الـكافر، لاتوجب