(الصفحة 643)
من الـمنتقل عنه و إن اتّصف با لـنجاسـة، إلاّ أنّه بعد انقطاع الإضافـة الأوّليـة و صيرورته با لـتزريق من الـبواطن للإنسان الـمنتقل إليه يصير طاهراً; للإضافـة الـثانويـة، و كونه معدوداً من الـباطن با لـنسبـة إليه، فهذا الـقسم لا إشكال فيه.
كما أنّه لا إشكال في عدم حصول الـطهارة، و في الـبقاء على الـنجاسـة; فيما لو لم تنقطع الإضافة الأوّلية بوجه، بل كان هو الـمضاف إليه فقط، كا لـدم الـذي يمصّه العلق من الإنسان، فإنّه لايكون مضافاً إلاّ إلى الإنسان، وتبدّل ظرفه ومكانه لايوجب الطهارة، كما إذا وقع دم الإنسان في إناء مثلاً، ففي هذه الصورة يكون الـدم باقياً على الـنجاسة.
إنّما الإشكال فيما لو شكّ في بقاء الإضافـة الأوّليـة و انقطاعها، و ثبوت الإضافـة الـثانويـة، كما إذا لم يستقرّ في بطن الـحيوان مثلاً، على وجه يستند إليه، و الـظاهر أنّه لا مانع من جريان استصحاب الإضافـة الأوّليـة، و الـحكم ببقائها، و ترتّب الـنجاسـة عليه; لإنّ الاتّصاف و الإضافـة الـذي كان هو الـمناط في الـحكم با لـنجاسـة، كان متيقّناً سابقاً، و الآن مشكوك الـبقاء، فيحكم به للاستصحاب.
ثمّ إنّه ربّما يفرض الانتقال; بنحو يصحّ أن يضاف إلى كلّ من المنتقل إليه، والمنتقل عنه حقيقـة; لجواز اجتماع الإضافات الـمتعدّدة كذلك، لعدم الـتنافي، و لأنّ الإضافـة خفيفـة الـمؤونـة، و في هذا الـفرض لابدّ من ملاحظـة الـدليل على الـنجاسـة:
فإن كان الـدليل عليها في كلّ منهما، دليلاً لبّياً من إجماع أو سيرة، فمقتضى الأخذ با لـقدر الـمتيقّن، عدم شمول شيء منهما لمورد الاجتماع، فا لـلازم الـرجوع إلى الأصل الـعملي; و هو استصحاب بقاء الـنجاسـة.
و إن كان الـدليل عليها في واحد لفظياً، و في الآخر لبّياً، فا لـلازم الأخذ بمقتضى الـدليل اللفظي الـشامل لمورد الاجتماع، و ترك الآخر; لعدم الـشمول له.
(الصفحة 644)
و إن كان الـدليل عليها في كلّ منهما لفظياً: فإن كان أحدهما بالإطلاق، و الآخر با لـعموم فا لـدليل الـعام مقدّم على الـمطلق; لتقدّم الـدلالـة الـوضعيـة على الإطلاق.
و إن كان كلّ منهما بالإطلاق أو با لـعموم، فيجري فيه حكم تعارض الإطلاقين أو الـعامّين.
ثمّ إنّه لافرق في مطهّريـة الانتقال بين الـدم و بين غيره من الـنجاسات أو الـمتنجّسات. كما أنّه لافرق في الـمنتقل إليه بين أن يكون حيواناً أو غيره من الـنبات أو غيره، فإذا شرب الـحيوان الـطاهر الـبولَ، أو الـماءَ الـمتنجّس و صار جزء منه، يصير طاهراً، كما أنّه إذا سقى الـشجر با لـماء الـمتنجّس، يصير الـماء طاهراً بعد صيرورته جزء منه، كما هو ظاهر.
(الصفحة 645)سابعها: الإسلام، فإنّه مطهّر للكافر بجميع أقسامه، حتّى الـرجل الـمرتدّ عن فطرة إذا تاب، فضلاً عن الـمرئـة. و يتبع الـكافرَ فضلاتُه الـمتّصلـة به; من شعره، و ظفره، و بصاقه، و نخامته، و قيحه، و نحو ذلك1 .
ا لـسابع: في مطهّريـة الإسلام
(1) كون الإسلام مطهّراً للكافر; إنّما هو لأنّه بالإسلام يتبدّل عنوان الـكافر و يتغيّر موضوعه، فلا يبقى وجه لبقاء الـنجاسـة الـتي يكون موضوعها الـكافر نظير الاستحا لـة الـمتقدّمـة الـموجبـة لتغيّر عنوان الـنجس، و تبدّله إلى عنوان طاهر أو مشكوك الـطهارة، كما عرفت. مع دعوى الإجماع عليه كما عن «ا لـمنتهى» و «ا لـذكرى» و غيرهما، بل عن «ا لـمستند» دعوى الـضرورة.
فلا إشكال في أصل الـحكم، إنّما الـكلام في أمرين:
الأوّل: أنّه يستفاد من الـمتن، أنّ الـمرتدّ الـفطري إذا تاب، تكون توبته مقبولـة ظاهراً و باطناً و لو كان رجلاً، و لأجله يحكم عليه با لـطهارة، و هو أحد الأقوال الـثلاثـة في الـمسأ لـة، الـذي ذهب إليه جماعـة من الـمحقّقين.
و الـقولان الآخران: عبارة عن الـقول الـمشهور الـذي هو مقابل هذا الـقول، و هو عدم قبول توبته و إسلامه أصلاً; و أنّه مخلّد في الـنار كبقيـة الـكفّار.
و الـقول الـثا لـث: الـذي مرجعه إلى الـتفصيل و الالتزام بقبول توبته و إسلامه واقعاً; و فيما بينه و بين اللّه سبحانه، و عدم قبولها ظاهراً، فيحكم بكفره و نجاسته و سائر الآثار الـمترتّبـة على الـكفّار.
و من الـقائلين بما في الـمتن من يقول ـ مضافاً إلى قبول توبته و إسلامه ـ بأنّه لا يترتّب عليه بعدها شيء من الأحكام الـثلاثـة الـمترتّبـة على المرتدّ: من وجوب قتله
(الصفحة 646)
مع الإمكان، و انقطاع الـزوجيـة; و أنّه تعتدّ زوجته عدّة الـوفاة، و انتقال أموا لـه الـموجودة حال الارتداد إلى الـورثـة، و قد حكي هذا الـقول عن ابن ا لـجنيد، ولكنّه شاذّ لا يعبأ به.
و كيف كان: فا لـلازم ملاحظـة الأدلّـة، و قبلها نقول: إنّ مقتضى الـقاعدة قبول توبته; لأنّه بسببها يصير مسلماً واقعاً، و يتحقّق فيه ما يعتبر في صدق الإسلام ممّا تقدّم الـبحث عنه في ذيل الـبحث عن نجاسـة الـكافر في فصل الـنجاسات; و ذلك لأنّه ليس الـمراد با لـتوبـة الـمفروضـة إلاّ الـتوبـة الـواقعيـة، و الـرجوع عن الارتداد و الـندم عليه حقيقـة، و مع هذا الـوصف لايرى نقص في إسلامه، فمقتضى الـقاعدة الـقبول.
ولكن ربّما يستدلّ ببعض الـروايات على عدم الـقبول، كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـمرتدّ.
فقال:
«من رغب عن الإسلام، و كفر بما اُنزل على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إسلامه، فلا توبـة له، و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و قسّم ما ترك على ولده».(1)
و صحيحـة الـحسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل إلى أبي ا لـحسن الـرضا (عليه السلام): رجل ولد على الإسلام، ثمّ كفر و أشرك; و خرج عن الإسلام، هل يستتاب، أو يقتل و لايستتاب؟
فكتب (عليه السلام):
«يقتل».(2)
وصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي ا لحسن (عليهما السلام) قال: سأ لته عن مسلم تنصّر.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 6.
(الصفحة 647)
قال:
«يقتل و لايستتاب».
قلت: فنصراني أسلم، ثمّ ارتدّ.
قال:
«يستتاب، فإن رجع، و إلاّ قتل».(1)
و غيرها ممّا يظهر منها عدم قبول توبته; فإنّ نفي الـتوبـة له ظاهر في عدم قبولها، و عدم ترتّب الأثر عليها.
و بعبارة اُخرى: ظاهر في استدامـة كفره و عدم تبدّله إلى الإسلام بوجه، و إلاّ فلو كان مسلماً قبلت توبته لا محا لـة. و كذا عدم الاستتابـة ظاهر في عدم ترتّب الأثر على الـتوبـة، و إلاّ فمع ثبوت الأثر لها لا يبقى موقع لعدم الاستتابـة، كما لايخفى.
و اُجيب عن الاستدلال بصحيحـة ابن مسلم: بأنّه يحمل إطلاق نفي الـتوبـة في مثلها على إرادة نفيها بالإضافـة إلى الأحكام الـثلاثـة الـمتقدّمـة، لا مطلقاً:
إمّا لاقتران نفي الـتوبـة فيها بالأحكام الـمذكورة الـصا لـح لصرفه إليها، فيكون من الـكلام الـمقرون بما يصلح للقرينيـة، الـمحقّق في محلّه سقوطه عن الـحجّيـة.
و إمّا لأنّها أظهر الأحكام، فينصرف إليها الإطلاق.
و إمّا لقرينيـة لام الـجرّ الـموجبـة لظهور نفي الـتوبـة فيما كان الـمنفيّ أمراً راجعاً له لاغير، فلا يشمل ما كان عليه، كوجوب عباداته، أو لا له و لا عليه كطهارته، فإنّ فائدة الـطهارة إنّما تكون لغيره.
و إمّا للقطع و الإجماع على ثبوت تكليفه بالإسلام و سائر أحكامه من الـصلاة و غيرها، الـموقوفـة على الـطهارة، و الـعلم بصحّتها منه ـ من جهـة أنّه لولاها لزم الـتكليف بما لايطاق، و هو ممتنع عند الـعدليـة ـ يستلزم الـعلم بتحقّق الـطهارة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 5.