(الصفحة 660)
ا لـدم موجوداً على الـوجه الأوّل، فإذا لاقى شيئاً نجسه، بخلافه على الـوجه الـثاني، فإنّ الـريق طاهر، و الـنجس هو الـدم فقط، فإن أدخل إصبعه مثلاً في فمه، و لم يلاقِ الـدم لم ينجس.
و إن لاقى الـدم ينجس إذا قلنا: بأنّ ملاقاة الـنجس في الـباطن، أيضاً موجبـة للتنجّس، و إلاّ فلا ينجس أصلاً إلاّ إذا أخرجه و هو ملوّث با لـدم.
و كيف كان: فا لـظاهر أنّ الـبواطن إذا كانت مادون الـحلق، فلا ثمرة لهذا الـنزاع فيها; للقطع بصحّـة الـصلاة من الـمصلّي الـواجد للشرائط الـمراعي لها، مع الـعلم بملاقاة الـدم الـموجود في الـباطن له، و كذا الـعذرة و الـبول، بل بصحّـة الـصّلاة ممّن أكل أو شرب نجساً كا لـخمر، أو متنجّساً كا لـماء مثلاً.
و إذا كانت ما فوق الـحلق، كباطن الـفم و الأنف و الاُذن و الـعين، فا لـظاهر أنّ الـنجاسـة الـملاقيـة له إن كانت متكوّنـة في الـباطن، لا توجب تنجّسه; لموثّقـة عمّار الـساباطي قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل يسيل من أنفه الـدم، هل عليه أن يغسل باطنه؟ يعني جوف الأنف.
فقال:
«إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه».(1)
فإنّ عدم وجوب غسل الـباطن الـمستفاد من حصر الـوجوب في الـظاهر، مرجعه إلى عدم تنجّسه، فإنّ الـنجاسـة في جلّ الـنجاسات بل كلّها إنّما استفيدت من الأمر بغسل ملاقيها، فإذا لم يكن غسل الـملاقي واجباً، فهو دليل على عدم تنجّسه. و با لـجملـة: لا دليل على الـتنجّس في هذا الـفرض.
و أمّا إذا كانت الـنجاسـة الـملاقيـة خارجيـة، فا لـظاهر أنّه لادليل على الـتنجّس
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 24، الـحديث 5.
(الصفحة 661)
فيها. و موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة الآمرة بغسل كلّ ما أصابه الـظاهرة في تنجّسه، منصرفـة عن الـملاقي الـباطني.
ولو قلنا: با لـنجاسـة فرضاً; بدعوى الإطلاق، و عدم الانصراف، فلا محيص عن الالتزام بطهارته بمجرّد زوال الـعين; للسيرة، و لروايـة عبدا لـحميد بن أبي ا لـديلم قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): رجل يشرب الـخمر فيبصق، فأصاب ثوبي من بصاقه.
قال:
«ليس بشيء».(1)
و مثلها بعض الـروايات الاُخر و قد تقدّم في الـمسأ لـة الـعاشرة من مسائل كيفيـة الـمتنجّس با لـنجاسات في أحكامها، ما ينفع الـمقام، فراجع.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 39، الـحديث 1.
(الصفحة 662)عاشرها: الـغيبـة، فإنّها مطهّرة للإنسان و ثيابه و فرشه و أوانيه، و غيرها من توابعه، فيعامل معه معاملـة الـطهارة، إلاّ مع الـعلم ببقاء الـنجاسـة.
و لايبعد عدم اعتبار شيء فيه; فيجري الـحكم سواء كان عا لـماً با لـنجاسه أم لا، معتقداً نجاسـة ما أصابه أم لا، كان متسامحاً في دينه أم لا، و الاحتياط حسن1 .
ا لـعاشر: في مطهّريـة الـغيبـة
(1) لا خفاء في أنّ مطهّريـة الـغيبـة إنّما هي في صورة الـشكّ في بقاء الـنجاسـة، و أمّا مع الـعلم ببقائها فلا تكون مطهّرة بوجه، و هذا يدلّ على عدم كونها مطهّرة في عداد سائر الـمطهّرات، بل هي طريق لاستكشاف الـطهارة في خصوص صورة الـشكّ كسائر ما تثبت به الـطهارة، كإخبار ذي الـيد، أو الـثقـة، و نحوهما.
و الـعمدة في وجه مطهّريتها، الـسيرة الـمستمرّة الـمتّصلـة بزمن الأئمّـة (عليهم السلام)على الـمساورة و الـمعاملـة مع الـمسلمين و ما يتعلّق بهم ـ من الـثياب و الـفرش و الأواني و غيرها ـ معاملةَ الأشياء الـطاهرة، مع الـعلم الـعادي بعروض الـتنجّس لها في زمان لامحا لـة، و عدمِ الـعلم بزوا لـه با لـتطهير.
لكن الـكلام في أنّ الـحكم با لـطهارة حينئذ، هل يكون من باب تقديم الـظاهر على الأصل; نظراً إلى ظهور حال الـمسلم في الـمتجنّب عن شرب الـنجس و الـصلاة فيه و بيعه من غير إعلام، فا لـعلّـة في عدم جريان الاستصحاب ـ بناءً عليه ـ هو وجود الأمارة، و هو ظاهر حال الـمسلم على خلافه. و انتقاض الـحا لـة الـسابقـة.
أو أنّه يكون حكماً تعبّدياً غير مرتبط بباب الـتقديم الـمذكور، نظير قاعدة الـطهارة الـجاريـة في مورد الـشكّ فيها، غير الـمبتنيـة على ظهور حال الـمسلم،
(الصفحة 663)
و عليه يكون تقديمها على الاستصحاب مستنداً إلى كونه مخصّصاً لأدلّته، و مضيّقاً لدائرته.
و تظهر ثمرة الـوجهين في أنّه لوكان الـحكم با لـطهارة من باب تقديم الـظاهر، لابدّ من الاقتصار فيه على موارد ثبوت الـظهور، و من الـمعلوم عدم ثبوته في مورد الـجهل با لـنجاسـة رأساً; فإنّه مع الـجهل بها لايكون ظاهر الـحال الـتجنّب و الـتنزّه عنه، كما أنّه لايثبت مع عدم الاعتقاد بنجاسـة ما أصابه; لأنّه لامعنى للاحتراز مع عدم الاعتقاد بها.
و أمّا لوكان الـحكم با لـطهارة غير مستند إلى الـظهور، بل كان حكماً تعبّدياً كقاعدة الـطهاره، فلابدّ من ملاحظـة أنّ دليل هذا الـحكم الـتعبّدي، هل يقتضي ثبوته في مورد الـشكّ مطلقاً; سواء كانت الـشروط الـمذكورة في جملـة من الـكلمات موجودة فيه، أم لا، أو لا يقتضي إلاّ ثبوته مع وجود تلك الـشرائط أو بعضها؟
و الـظاهر هو الأوّل; لأنّك عرفت: أنّ الـعمدة في هذا الأمر هي الـسيرة الـمتّصلـة بزمان الأئمّـة (عليهم السلام) و الـظاهر عدم اختصاصها بصورة وجودها; لأنّهم كانوا يساورون أهل الـخلاف الـموجودين في زمانهم، مع وضوح عدم الـتزامهم بنجاسـة جملـة من الـنجاسات الـثابتـة عندنا; لذهابهم إلى طهارة جلد الـميتـة با لـدبّاغ، و طهارة مخرج الـبول با لـتمسّح على الـغائط، و طهارة الـمنيّ عند بعضهم و هكذا.
و كذلك كانوا يعاشرون عموم الـمسلمين، حتّى الـفسقـة منهم، مع عدم مبالاتهم ـ نوعاً ـ في باب الـنجاسات و الـمتنجّسات، فإنّ شارب الـخمر لا يبا لـي بإصابتها بدنه أو ثوبه، و ليس ذلك مبتنياً على مسأ لـة عدم تنجيس الـمتنجّس; فإنّ الـظاهر الـمعاملـة مع الأشياء الـمأخوذة منهم معاملـة الـطهاره، بحيث يصلّون فيه،
(الصفحة 664)
و لا يجتنبون عنه، فيصلّون في الـفرو الـمشترى منهم من دون تطهير.
فالإنصاف: عموم الـدليل و عدم اختصاصه بصورة وجود الـشرائط الـمذكورة كلاًّ أو بعضاً.
و منه يظهر: أنّ الـحكم با لـطهارة حكم تعبّدي; غير مستند إلى تقديم الـظاهر على الأصل، كما حكي عن شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس سره) حيث ذهب إلى أنّ الـشارع جعل ظهور حال الـمسلم أمارة على الـطهارة، فتكون متقدّمـة على الاستصحاب لامحا لـة، و لازمه اعتبار جملـة من الـشرائط; لعدم تحقّق الـظهور بدونها، كما لايخفى.