(الصفحة 67)
و روايـة ابن بكير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـجنب، يأكل و يشرب و يقرأ الـقرآن.
قال:
«نعم، يأكل، و يشرب، و يقرأ، و يذكر اللّه عزّوجلّ ما شاء».(1)
و غيرهما من الـروايات الـكثيرة الـدالّـة عليه.
و يظهر من بعضها الـحرمـة كذلك، مثل ما رواه الـصدوق بإسناده عن أبي سعيد الـخدري ـ في وصيّـة الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أنّه قال:
«يا علي، من كان جنباً في الـفراش مع إمرأته، فلا يقرأ الـقرآن، فإنّي أخشى أن تنزل عليهما نار من الـسماء فتحرقهما».(2)
و يظهر من بعضها الـتفصيل بين سبع آيات أو سبعين، و بين أزيد، كموثّقـة سماعـة قال: سأ لـته عن الـجنب هل يقرأ الـقرآن؟
قال:
«ما بينه و بين سبع آيات».(3)
و في روايـة زرعـة عن سماعـة قال:
«سبعين آيـة».(4)
و من كثير منها الـتفصيل بين الـسجدة و غيرها، كحسنـة محمّد بن مسلم أو صحيحته قال: قال أبوجعفر (عليه السلام):
«ا لـجنب و الـحائض يفتحان الـمصحف من وراء الـثوب، و يقرآن من الـقرآن ما شاءا إلاّ الـسجدة».(5)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 9.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 10.
- (5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 7.
(الصفحة 68)
و صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: الـحائض و الـجنب هل يقرآن من الـقرآن شيئاً؟
قال:
«نعم، ما شاءا إلاّ الـسجدة، و يذكران اللّه على كلّ حال».(1)
و ما حكاه الـمحقّق (قدس سره) في «ا لـمعتبر» قال: «يجوز للجنب و الـحائض أن يقرءا ما شاءا من الـقرآن، إلاّ سور الـعزائم الأربع، و هي إقرء باسم ربّك، و الـنجم، و تنزيل الـسجدة، و حم الـسجدة، روى ذلك الـبزنطي في «جامعه» عن الـمثنى، عن الـحسن الـصيقل، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)».(2)
أقول: أمّا قرائـة سور الـعزائم أو خصوص الـسجدة منها، فقد حكي دعوى الإجماع على حرمته عن غير واحد، و أمّا غيرها فا لـمشهور ـ كما في «ا لـحدائق» دعواه ـ كراهـة ما زاد على الـسبع، و عن ابن ا لـبرّاج نفي جواز مازاد على سبع آيات، و عن سلاّر تحريم الـقرائـة مطلقاً، و عن بعض الأصحاب تحريم ما زاد على سبعين.
أقول: أمّا ما يدلّ على الـتحريم مطلقاً، فلا يكون إلاّ روايـة واحدة، و هي مع ضعف سندها، وكون راويها من العامّة، وموافقتها لمذهبهم، لاتصلح للاستناد إليها على الحرمة، بعد صراحـة الأخبار الـكثيرة، و نصوصيتها في الـجواز في الـجملـة، بل في بعضها ـ كما عرفت ـ عطف قرائة القرآن على الأكل و الشرب، فلامجال لدعوى الـحرمة مطلقاً.
وقد حمل الـصدوق الـرواية ـ بعد نقلـها ـ على قرائـة الـعزائم دون غيرها، ويمكن الـحمل على الـكراهـة و إن كان يبعّده الـتعبير الـواقع فيها، و كيف كان فلايمكن الالتزام بذلك.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 11.
(الصفحة 69)
و أمّا الـروايتان الـدالّتان على التفصيل بين السبع أو السبعين، و بين مازاد، فا لـظاهر أنّهما روايـة واحدة راويها سماعـة، و الاختلاف إنّما هو بين من روى عنه و عليه، فلايعلم أنّ الـصادر هل هو الـسبع، أو الـسبعون؟ بل يكون مردّداً بينهما.
و ظاهره و إن كان هو حرمـة ما زاد على الـسبع أو الـسبعين، إلاّ أنّه لابدّ من الـحمل على الـكراهـة; للروايات الـكثيرة الـدالّـة على جواز القرائـة مطلقاً، أو غير الـعزائم.
و قد وقع فيها الـتعليق على الـمشيـة الـصريح في عدم ثبوت الـحدّ في الـجواز، فلا محيص عن الـحمل على الـكراهـة، خصوصاً بعد عدم ظهورها في نفسها في الـحرمـة، فتدبّر.
و لايبقى فرق على ما ذكرنا بين مازاد على الـسبع، و ما زاد على الـسبعين من جهـة الـكراهـة شدّة و ضعفاً.
نعم، على تقدير كونهما روايتين مستقلّتين لكان مقتضى الـجمع الـفرق بينهما من هذه الـجهـة، و الـحكم بكون ما زاد على الـسبعين أشدّ كراهـة ممّا زاد على الـسبع.
كما أنّه على كلا الـتقديرين وقع الـبحث في الـمراد من الـكراهـة، و أنّها هل هي با لـمعنى الـمصطلح، أو بمعنى أقلّيـة الـثواب؟ و لعلّه يجيء الـكلام فيه فيما بعد.
و أمّا الـروايات الـدالّـة على التحريم في العزائم، فقد عرفت أنّ كثيراً منها تدلّ على تحريم الـسجدة، و واحدة منها على تحريم سور الـعزائم مع ذكر أساميها.
و الـطائفـة الاُولى يمكن أن يكون الـمراد بها هي آيـة الـسجدة، لا سورتها، و لذا تردّد بعض الـمتأخّرين، بل قوّى بعض اختصاص الـحرمـة بقرائـة الآيات دون مطلق الـسور.
(الصفحة 70)
ويؤيّده بل يدلّ عليه الروايات الـكثيرة، الظاهرة في كون السجدة بعض العزيمة، كروايـة أبي عبيدة الـحذّاء، قال سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـطامث، تسمع الـسجدة.
فقال:
«إن كانت من الـعزائم فلتسجد إذا سمعتها».(1)
و روايـة أبي بصير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال ـ في حديث ـ :
«... و الـحائض تسجد إذا سمعت الـسجدة».(2)
و غير ذلك من الـروايات الـواردة في قرائـة سورة فيها الـسجدة في الـمكتوبـة، أو في إمام يقرء الـسجدة، فيحدث قبل أن يسجد، و لايبقى بعد ملاحظتها ارتياب في كون الـمراد من الـسجدة هو خصوص آيتها، لا مجموع الـسورة، إلاّ أنّ الـذي يوهن ذلك الـتصريح في روايـة الـبزنطي، بكون الـمراد هو مجموع الـسورة، ولكن يمكن الـمناقشـة فيها:
أوّلاً: باحتمال كون ما ذكره أوّلاً هو مضمون الـروايـة، بحسب ما استفاده منها، لانفسها.
و ثانياً: با لـقدح في الـسند با لـمثنى و الـحسن بن زياد الـصيقل.
و ثا لـثاً: بعدم معلوميـة كون ما بيده هو جامع الـبزنطي، بعد فصل زمان طويل بينهما، خصوصاً مع عدم ثبوت هذه الـروايـة في الـكتب الـمعدّة لنقل الأخبار و الأحاديث، كا لـكتب الأربعـة مع قرب عهدهم بزمان الأئمّـة (عليهم السلام) و أصحابهم. واعتقاده بكونه كذلك لاتكون حجّـة بالإضافـة إلينا.
و بعض هذه الـمناقشات و إن كان يمكن دفعها كا لـمناقشـة الـثانيـة، نظراً إلى أنّ
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـحيض، الـباب 36، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـحيض، الـباب 36، الـحديث 3.
(الصفحة 71)
ا لـبزنطي من أصحاب الإجماع، و نقله يكفي في توثيق من روى عنه، إلاّ أنّ الـبعض الآخر يصعب دفعه.
فالإنصاف: أنّ الـمسأ لـة مشكلـة، و إن كان الـمحكي عن «ا لـمدارك» أنّ الأصحاب قاطعون بتحريم الـسور كلّها، و نقلوا عليه الإجماع، فالأحوط تركها.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الـنصوص و الـفتاوى و معاقد الإجماعات، بل تصريح جملـة منهم كا لـمتن، أنّه لافرق بين قرائـة مجموع الـسورة من أوّلها إلى آخرها، و بين قرائـة بعضها; لأنّ الـمتبادر من الـنهي عن قرائـة الـسورة ـ كقرائـة الـقرآن ـ إنّما هو قرائـة أبعاضها، كلاًّ أو بعضاً. و لايختصّ تبادر ذلك با لـمقام، بل يجري في جميع الـموارد الـتي تعلّق الـنهي فيها بالأفعال الـمركّبـة، خصوصاً في الـتدريجيـة منها، كا لـجلوس في الـمسجد يوم الـجمعـة، و استماع الـخطبـة الـتي يقرئها الإمام، و قرائـة كتاب الـضلال، و أشباه ذلك.
و عليه فلا مجال لدعوى أنّ الـمتبادر من الـنهي عن قرائـة الـسورة هي قرائـة مجموعها; لأنّ الـسورة اسم للمجموع، فلا دلالـة لها على حرمـة قرائـة الـبعض.
ثمّ إنّ الـبعض إن كان من الآيات الـمختصّـة، فلا حاجـة إلى نيّـة كونها منها; لأنّ تعيّنها الـواقعي يكفي في حرمتها، و إن كان من الآيات الـمشتركـة بينها و بين غير الـعزائم، كا لـبسملـة على تقدير كونها آيـة، كما هو مقتضى الـتحقيق، فا لـظاهر أنّ صيرورتها بعضاً منها تتوقّف على نيّـة كونها منها، ضرورة أنّه بدون الـنيّـة لا تتعيّن لذلك.
نعم، فيما إذا قرئها من الـمصحف و نحوه، يكفي في الـحرمـة ولو من دون نيّـة، لأنّ كتابتها جزء من الـسورة، تعيّنها في الـجزئيـة و الـقرائـة من الـمصحف، حكايـة عمّا هو الـمتعيّن كذلك، فلا حاجـة إلى نيّـة الـجزئيـة.