(الصفحة 672)
هذا، ولكنّ الـظاهر كما يظهر من اللغـة، اختصاصها بعذرة الإنسان، و لأجله تطلق على فناء الـدار مجازاً; تسميـة الـظرف باسم مظروفه، لأنّهم كانوا يلقون الـخرء عليه. و الـروايـة لاتنافي الاختصاص; لأنّ استعما لـها في الـسنّور و الـكلب عقيب الإنسان، إنّما هو لأجل الـتغليب، كما لايخفى.
ثمّ إنّه لو شكّ في سعـة مفهوم الـجلل بحيث يشمل الـمتغذّى بعَذِرة غير الإنسان أيضاً، أو ضيقه، فا لـلازم الأخذ با لـقدر الـمتيقّن; لأنّه من موارد إجمال الـمخصّص و دورانه بين الأقلّ و الأكثر، مع كون الـشبهـة مفهوميـة; لأنّ مقتضى الـعموم حلّيـة الـحيوان و طهارته، خرج الـحيوان عنه في حا لـة عروض الـجلل، و مع الـشكّ في مفهومه لابدّ من الأخذ با لـقدر الـمتيقّن، و الـرجوع في الـمقدار الـزائد إلى عموم الـعامّ، كما في سائر الـموارد، على ما حقِّق في محلّه.
ثمّ إنّ في تعيين المدّة التي يحصل بها الجلل إشكالاً; لعدم تعرّض النصوص لذلك.
و عن بعضهم: الـتقدير بيوم و ليلـة. و عن آخر: تقديرها بما يظهر الـنتن في لحمه و جلده. و عن ثا لـث: الـتقدير بصيرورة الـعذرة جزء منه.
والظاهر أنّه لاشاهد لشيء من ذلك، بل لابدّ ـ بعد دلالة الرواية على أنّ الـمراد به كون الـعذرة غذاها ـ من الـرجوع إلى الـعرف، كسائر الـمفاهيم الـعرفيـة الـمأخوذة في موضوعات الأحكام الـشرعيـة. نعم، يمكن فرض تحقّق الشكّ في مورد، ولابدّ من الرجوع فيه ـ كسائر موارد الشكّ ـ إلى القواعد الـمقرّرة لصورة الـشكّ، و هي تختلف باختلاف الـشبهـة; من جهـة كونها مفهوميـة، و من جهـة كونها مصداقيـة، كما أنّها تختلف من جهـة الـشكّ في الـحدوث، و من جهـة الـشكّ في الـبقاء، و بعد الـتأمّل يظهر حكم هذه الـفروض، خصوصاً بملاحظـة ما ذكرنا في نظائرها، فراجع و تأمّل.
(الصفحة 673)
ا لـقول في الأواني
مسأ لـة 1: أواني الـكفّار كأواني غيرهم محكومـة با لـطهارة; ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الـرطوبـة الـمسريـة، و كذا كلّ ما في أيديهم من اللباس و الـفرش و غير ذلك.
نعم، ما كان في أيديهم من الـجلود، محكومـة با لـنجاسـة لو علم كونها من الـحيوان الـذي له نفس سائلـة، و لم يعلم تذكيته، و لم يعلم سبق يد مسلم عليها.
و كذا الـكلام في اللحوم و الـشحوم الـتي في أيديهم، بل في سوقهم، فإنّها محكومـة با لـنجاسـة مع الـشروط الـمزبورة1 .
في أواني الـكفّار
(1) أمّا الـحكم با لـطهارة في الأواني في الـصورة الـمفروضـة، ففيما إذا كان أصل تنجّسها مشكوكاً، يكون مستنداً إلى الاستصحاب الـذي يدلّ على حجّيته ـ مضافاً إلى الـروايات الـكثيرة ـ الـروايـة الـخاصّـة الـواردة في نظير الـمسأ لـة; و هي صحيحـة ابن سِنان قال: سأل أبي أباعبدا للّه (عليه السلام) و أنا حاضر: إنّي أعير الـذمّي ثوبي، و أنا أعلم أنّه يشرب الـخمر، و يأكل لحم الـخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟
فقال أبوعبدا للّه (عليه السلام):
«صلّ فيه، و لا تغسله من أجل ذلك; فإنّك اعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه».(1)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 74، الـحديث 1.
(الصفحة 674)
و من الـمعلوم: أنّه لا خصوصيـة للثوب، و لا للإعارة، بل الـملاك كونه بيد الـكافر مع الـعلم بعدم اجتنابه عن الـنجاسـة، فيجري الـحكم في الأواني و في كلّ ما في أيديهم; من اللباس و الـفرش و غير ذلك.
و أمّا فيما إذا علم بطروّ حا لـتين متضادّتين، كما إذا علم بنجاستها في زمان، و طهارتها في آخر، مع الـجهل بتأريخهما، كما هو الـغا لـب، فا لـمستند هي قاعدة الـطهارة الـجاريـة في مثل هذا الـفرض في غير أواني الـكفّار أيضاً.
ثمّ إنّه قد تقدّم في مسأ لـة نجاسـة أهل الـكتاب في باب الـنجاسات: أنّ من جملـة ما استدلّ به عليها، طائفـة من الـروايات الـواردة في آنيتهم الـناهيـة عن الأكل منها; و أنّ هذه الـطائفـة بين ما ظاهرها نجاستها من دون قيد، و بين ما تدلّ على حرمـة الأكل منها; لأنّهم يأكلون فيه الـميتـة و الـدم و لحم الـخنزير، و بين ما هو صريح في عدم الـحرمـة، و في ثبوت الـتنزّه.
و عرفت هناك: أنّه لا دلالـة لشيء منها على نجاسـة أهل الـكتاب بما هو كذلك; و أنّ مقتضى الـجمع هو الـتنزّه عن أوانيهم; لاحتمال ملاقاتها مع نجاسـة اُخرى، كا لـميتـة و نحوها.
و كيف كان: فهذه الـروايات بعد الـتأمّل فيها، و الـجمع بينها، لا تقتضي ثبوت حكم على خلاف قاعدة الـطهارة أو استصحابها، الـجاريتين في أوانيهم، كما مرّ.
ثمّ إنّه قد تقدّم إجمالاً: أنّ الـجلود الـتي تكون بأيدي الـكفّار و كذا اللحوم و الـشحوم، محكومـة با لـنجاسـة لو علم كونها من الـحيوان الـذي له نفس سائلـة; لاختصاص الـنجاسـة بغير الـمذكّى من هذا الـحيوان، و كذا كانت تذكيته مشكوكـة; لوضوح أنّه مع الـتذكيـة يكون طاهراً، و مع الـشكّ يجري أحكام غير الـمذكّى.
(الصفحة 675)
و كذا لم يعلم سبق يد مسلم عليها; لأنّه قد جعل الـشارع على حسب الـروايات الـكثيرة، يد الـمسلم أو سوق الـمسلمين ـ الـذي هو أمارة على كون الـبايع مسلماً، و أنّ الـيد يد مسلم ـ أمارة على الـتذكيـة، فيترتّب عليها ـ جميع آثارها. و قد فصّلنا الـقول في هذا الـمجال في كتاب الـصلاة في شرائط لباس الـمصلّي، مع كونه ـ بحسب الـترتيب الـفقهي ـ متأخّراً، ولكن بعض الـجهات اقتضت تقديمه في الـبحث و الـتأ لـيف، فراجع.
(الصفحة 676)مسأ لـة 2: يحرم استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة في الأكل و الـشرب و سائر الاستعمالات; نحو الـتطهير من الـحدث و الـخبث و غيرها.
و الـمحرّم الأكل و الـشرب فيها أو منها، لا تناول الـمأكول و الـمشروب منهما، و لا نفس الـمأكول و الـمشروب، فلو أكل منها طعاماً مباحاً في نهار رمضان، لايكون مفطراً با لـحرام و إن ارتكب الـحرام من جهـة الـشرب منها. هذا في الأكل و الـشرب.
و أمّا في غيرهما فا لـمحرّم استعما لـها، فإذا اغترف منها للوضوء يكون الاغتراف محرّماً، لا الـوضوء.
و هل الـتناول الـذي هو مقدّمـة للأكل و الـشرب أيضاً محرّم; من باب حرمـة مطلق الاستعمال، حتّى يكون في الأكل و الـشرب محرّمان: هما، و الاستعمال با لـتناول؟
فيه تأمّل و إشكال، و إن كان عدم حرمـة الـثاني لا يخلو من قوّة.
و يدخل في استعما لـها الـمحرّم على الأحوط، وضعها على الـرفوف للتزيين، و إن كان عدم الـحرمـة لايخلو من قرب.
و الأحوط الأولى ترك تزيين الـمساجد و الـمشاهد بها أيضاً. و الأقوى عدم حرمـة اقتنائها من غير استعمال.
و الأحوط حرمـة استعمال الـملبّس بأحدهما إن كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلاًّ، دون ما إذا لم يكن كذلك، و دون الـمفضّض و الـمموّه بأحدهما.
و الـممتزج منهما بحكم أحدهما و إن لم يصدق عليه اسم أحدهما، بخلاف الـممتزج من أحدهما بغيرهما، لو لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما1 .