(الصفحة 674)
و من الـمعلوم: أنّه لا خصوصيـة للثوب، و لا للإعارة، بل الـملاك كونه بيد الـكافر مع الـعلم بعدم اجتنابه عن الـنجاسـة، فيجري الـحكم في الأواني و في كلّ ما في أيديهم; من اللباس و الـفرش و غير ذلك.
و أمّا فيما إذا علم بطروّ حا لـتين متضادّتين، كما إذا علم بنجاستها في زمان، و طهارتها في آخر، مع الـجهل بتأريخهما، كما هو الـغا لـب، فا لـمستند هي قاعدة الـطهارة الـجاريـة في مثل هذا الـفرض في غير أواني الـكفّار أيضاً.
ثمّ إنّه قد تقدّم في مسأ لـة نجاسـة أهل الـكتاب في باب الـنجاسات: أنّ من جملـة ما استدلّ به عليها، طائفـة من الـروايات الـواردة في آنيتهم الـناهيـة عن الأكل منها; و أنّ هذه الـطائفـة بين ما ظاهرها نجاستها من دون قيد، و بين ما تدلّ على حرمـة الأكل منها; لأنّهم يأكلون فيه الـميتـة و الـدم و لحم الـخنزير، و بين ما هو صريح في عدم الـحرمـة، و في ثبوت الـتنزّه.
و عرفت هناك: أنّه لا دلالـة لشيء منها على نجاسـة أهل الـكتاب بما هو كذلك; و أنّ مقتضى الـجمع هو الـتنزّه عن أوانيهم; لاحتمال ملاقاتها مع نجاسـة اُخرى، كا لـميتـة و نحوها.
و كيف كان: فهذه الـروايات بعد الـتأمّل فيها، و الـجمع بينها، لا تقتضي ثبوت حكم على خلاف قاعدة الـطهارة أو استصحابها، الـجاريتين في أوانيهم، كما مرّ.
ثمّ إنّه قد تقدّم إجمالاً: أنّ الـجلود الـتي تكون بأيدي الـكفّار و كذا اللحوم و الـشحوم، محكومـة با لـنجاسـة لو علم كونها من الـحيوان الـذي له نفس سائلـة; لاختصاص الـنجاسـة بغير الـمذكّى من هذا الـحيوان، و كذا كانت تذكيته مشكوكـة; لوضوح أنّه مع الـتذكيـة يكون طاهراً، و مع الـشكّ يجري أحكام غير الـمذكّى.
(الصفحة 675)
و كذا لم يعلم سبق يد مسلم عليها; لأنّه قد جعل الـشارع على حسب الـروايات الـكثيرة، يد الـمسلم أو سوق الـمسلمين ـ الـذي هو أمارة على كون الـبايع مسلماً، و أنّ الـيد يد مسلم ـ أمارة على الـتذكيـة، فيترتّب عليها ـ جميع آثارها. و قد فصّلنا الـقول في هذا الـمجال في كتاب الـصلاة في شرائط لباس الـمصلّي، مع كونه ـ بحسب الـترتيب الـفقهي ـ متأخّراً، ولكن بعض الـجهات اقتضت تقديمه في الـبحث و الـتأ لـيف، فراجع.
(الصفحة 676)مسأ لـة 2: يحرم استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة في الأكل و الـشرب و سائر الاستعمالات; نحو الـتطهير من الـحدث و الـخبث و غيرها.
و الـمحرّم الأكل و الـشرب فيها أو منها، لا تناول الـمأكول و الـمشروب منهما، و لا نفس الـمأكول و الـمشروب، فلو أكل منها طعاماً مباحاً في نهار رمضان، لايكون مفطراً با لـحرام و إن ارتكب الـحرام من جهـة الـشرب منها. هذا في الأكل و الـشرب.
و أمّا في غيرهما فا لـمحرّم استعما لـها، فإذا اغترف منها للوضوء يكون الاغتراف محرّماً، لا الـوضوء.
و هل الـتناول الـذي هو مقدّمـة للأكل و الـشرب أيضاً محرّم; من باب حرمـة مطلق الاستعمال، حتّى يكون في الأكل و الـشرب محرّمان: هما، و الاستعمال با لـتناول؟
فيه تأمّل و إشكال، و إن كان عدم حرمـة الـثاني لا يخلو من قوّة.
و يدخل في استعما لـها الـمحرّم على الأحوط، وضعها على الـرفوف للتزيين، و إن كان عدم الـحرمـة لايخلو من قرب.
و الأحوط الأولى ترك تزيين الـمساجد و الـمشاهد بها أيضاً. و الأقوى عدم حرمـة اقتنائها من غير استعمال.
و الأحوط حرمـة استعمال الـملبّس بأحدهما إن كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلاًّ، دون ما إذا لم يكن كذلك، و دون الـمفضّض و الـمموّه بأحدهما.
و الـممتزج منهما بحكم أحدهما و إن لم يصدق عليه اسم أحدهما، بخلاف الـممتزج من أحدهما بغيرهما، لو لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما1 .
(الصفحة 677)
في أواني الـذهب و الـفضّـة
(1) الـكلام في هذه الـمسأ لـة يقع في مقامات:
في حرمـة استعما لـها في الأكل و الـشرب
الأوّل: في أصل حرمـة استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة في الأكل و الـشرب، في مقابل عدم الـحرمـة و ثبوت الـكراهـة. و قد حكى الإجماعَ على الـحرمـة جماعـة كثيرة، بل عن «ا لـمنتهى»: «أنّه إجماع كلّ من يحفظ عنه الـعلم، إلاّ ما نقل عن داود; فإنّه حرّم الـشرب خاصّـة، و الـشافعي من أنّ الـنهي نهي تنزيه.
و حكي عن الـشيخ في «ا لـخلاف» الـقول بكراهته، و عبارته فيه هكذا: «يكره استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة، و كذلك الـمفضّض منها.
و قال الـشافعي: لايجوز استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة. و به قال أبوحنيفـة في الـشرب و الأكل و الـتطيّب على كلّ حال.
و قال الـشافعي: يكره الـمفضّض.
و قال أبوحنيفـة: لايكره، و هو مذهب داود.
دليلنا: إجماع الـفرقـة، و أيضاً روى الـحلبي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «لا تأكل في آنيـة من فضّـة، و لا في آنيـة مفضّضـة ...».
و عن جملـة من الـكتب حمل الـكراهـة في كلامه على الـتحريم، ولكنّه استبعده كاشف اللثام في محكي «كشفه» و أيّد ذلك بقرينـة ما حكاه عن الـشافعي.
لكن الـظاهر أنّ الـتأييد في غير محلّه; لأنّ الاختلاف بينه و بين الـشافعي ليس
(الصفحة 678)
في الـكراهـة و الـتحريم، بل في أنّ الـمحرّم هل هو استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة فقط، أو الأعمّ منها و من الـمفضّض؟ فا لـشيخ (قدس سره) يقول با لـثاني، و الـشافعي بالأوّل.
و يؤيّد بل يدلّ على ما ذكر: استدلال الـشيخ بالإجماع الـظاهر في إجماع الـفرقـة الإماميـة بأجمعهم، و با لـروايات الـظاهرة في الـنهي و الـتحريم كما عرفت.
فالإنصاف: أنّ مراده من الـكراهـة ليس ما يقابل الـتحريم، بل بمعناه، و الـتعبير بها إنّما هو لأجل الـتبعيـة لما في جملـة من الـنصوص.
و يؤيّد ما ذكرنا أيضاً: تصريحه با لـتحريم في كتاب الـزكاة من «ا لـخلاف» حيث قال: «أواني الـذهب و الـفضّـة محرّم اتّخاذها و استعما لـها، غير أنّها لا تجب فيها الـزكاة.
و قال الـشافعي: حرام استعما لـها قولاً واحداً.
و في اتّخاذها قولان، أحدهما: محظور، و الآخر: مباح، و على كلّ حال تجب فيه الـزكاة ...».
و كيف كان: فقد وردت حرمته في رواياتنا و روايات الـمخا لـفين; ففي «ا لـحدائق»: «أنّ الـجمهور رووا عن الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لا تشربوا في آنيـة الـذهب و الـفضّـة، و لا تأكلوا في صحافها; فإنّها لهم في الـدنيا، ولكم في الآخرة».
و عن علي (عليه السلام): «ا لـذي يشرب في آنيـة الـذهب و الـفضّـة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم ...».
و أمّا الـروايات الـواردة عن الأئمّـة الـمعصومين (عليهم السلام) فهي كثيرة جدّاً، و هي على ثلاث طوائف:
الاُولى: ما تدلّ على الـنهي عن استعما لـها في الأكل و الـشرب، أو على الـنهي
|