(الصفحة 675)
و كذا لم يعلم سبق يد مسلم عليها; لأنّه قد جعل الـشارع على حسب الـروايات الـكثيرة، يد الـمسلم أو سوق الـمسلمين ـ الـذي هو أمارة على كون الـبايع مسلماً، و أنّ الـيد يد مسلم ـ أمارة على الـتذكيـة، فيترتّب عليها ـ جميع آثارها. و قد فصّلنا الـقول في هذا الـمجال في كتاب الـصلاة في شرائط لباس الـمصلّي، مع كونه ـ بحسب الـترتيب الـفقهي ـ متأخّراً، ولكن بعض الـجهات اقتضت تقديمه في الـبحث و الـتأ لـيف، فراجع.
(الصفحة 676)مسأ لـة 2: يحرم استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة في الأكل و الـشرب و سائر الاستعمالات; نحو الـتطهير من الـحدث و الـخبث و غيرها.
و الـمحرّم الأكل و الـشرب فيها أو منها، لا تناول الـمأكول و الـمشروب منهما، و لا نفس الـمأكول و الـمشروب، فلو أكل منها طعاماً مباحاً في نهار رمضان، لايكون مفطراً با لـحرام و إن ارتكب الـحرام من جهـة الـشرب منها. هذا في الأكل و الـشرب.
و أمّا في غيرهما فا لـمحرّم استعما لـها، فإذا اغترف منها للوضوء يكون الاغتراف محرّماً، لا الـوضوء.
و هل الـتناول الـذي هو مقدّمـة للأكل و الـشرب أيضاً محرّم; من باب حرمـة مطلق الاستعمال، حتّى يكون في الأكل و الـشرب محرّمان: هما، و الاستعمال با لـتناول؟
فيه تأمّل و إشكال، و إن كان عدم حرمـة الـثاني لا يخلو من قوّة.
و يدخل في استعما لـها الـمحرّم على الأحوط، وضعها على الـرفوف للتزيين، و إن كان عدم الـحرمـة لايخلو من قرب.
و الأحوط الأولى ترك تزيين الـمساجد و الـمشاهد بها أيضاً. و الأقوى عدم حرمـة اقتنائها من غير استعمال.
و الأحوط حرمـة استعمال الـملبّس بأحدهما إن كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلاًّ، دون ما إذا لم يكن كذلك، و دون الـمفضّض و الـمموّه بأحدهما.
و الـممتزج منهما بحكم أحدهما و إن لم يصدق عليه اسم أحدهما، بخلاف الـممتزج من أحدهما بغيرهما، لو لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما1 .
(الصفحة 677)
في أواني الـذهب و الـفضّـة
(1) الـكلام في هذه الـمسأ لـة يقع في مقامات:
في حرمـة استعما لـها في الأكل و الـشرب
الأوّل: في أصل حرمـة استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة في الأكل و الـشرب، في مقابل عدم الـحرمـة و ثبوت الـكراهـة. و قد حكى الإجماعَ على الـحرمـة جماعـة كثيرة، بل عن «ا لـمنتهى»: «أنّه إجماع كلّ من يحفظ عنه الـعلم، إلاّ ما نقل عن داود; فإنّه حرّم الـشرب خاصّـة، و الـشافعي من أنّ الـنهي نهي تنزيه.
و حكي عن الـشيخ في «ا لـخلاف» الـقول بكراهته، و عبارته فيه هكذا: «يكره استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة، و كذلك الـمفضّض منها.
و قال الـشافعي: لايجوز استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة. و به قال أبوحنيفـة في الـشرب و الأكل و الـتطيّب على كلّ حال.
و قال الـشافعي: يكره الـمفضّض.
و قال أبوحنيفـة: لايكره، و هو مذهب داود.
دليلنا: إجماع الـفرقـة، و أيضاً روى الـحلبي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«لا تأكل في آنيـة من فضّـة، و لا في آنيـة مفضّضـة ...».
و عن جملـة من الـكتب حمل الـكراهـة في كلامه على الـتحريم، ولكنّه استبعده كاشف اللثام في محكي «كشفه» و أيّد ذلك بقرينـة ما حكاه عن الـشافعي.
لكن الـظاهر أنّ الـتأييد في غير محلّه; لأنّ الاختلاف بينه و بين الـشافعي ليس
(الصفحة 678)
في الـكراهـة و الـتحريم، بل في أنّ الـمحرّم هل هو استعمال أواني الـذهب و الـفضّـة فقط، أو الأعمّ منها و من الـمفضّض؟ فا لـشيخ (قدس سره) يقول با لـثاني، و الـشافعي بالأوّل.
و يؤيّد بل يدلّ على ما ذكر: استدلال الـشيخ بالإجماع الـظاهر في إجماع الـفرقـة الإماميـة بأجمعهم، و با لـروايات الـظاهرة في الـنهي و الـتحريم كما عرفت.
فالإنصاف: أنّ مراده من الـكراهـة ليس ما يقابل الـتحريم، بل بمعناه، و الـتعبير بها إنّما هو لأجل الـتبعيـة لما في جملـة من الـنصوص.
و يؤيّد ما ذكرنا أيضاً: تصريحه با لـتحريم في كتاب الـزكاة من «ا لـخلاف» حيث قال: «أواني الـذهب و الـفضّـة محرّم اتّخاذها و استعما لـها، غير أنّها لا تجب فيها الـزكاة.
و قال الـشافعي: حرام استعما لـها قولاً واحداً.
و في اتّخاذها قولان، أحدهما: محظور، و الآخر: مباح، و على كلّ حال تجب فيه الـزكاة ...».
و كيف كان: فقد وردت حرمته في رواياتنا و روايات الـمخا لـفين; ففي «ا لـحدائق»: «أنّ الـجمهور رووا عن الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:
«لا تشربوا في آنيـة الـذهب و الـفضّـة، و لا تأكلوا في صحافها; فإنّها لهم في الـدنيا، ولكم في الآخرة».
و عن علي (عليه السلام):
«ا لـذي يشرب في آنيـة الـذهب و الـفضّـة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم ...».
و أمّا الـروايات الـواردة عن الأئمّـة الـمعصومين (عليهم السلام) فهي كثيرة جدّاً، و هي على ثلاث طوائف:
الاُولى: ما تدلّ على الـنهي عن استعما لـها في الأكل و الـشرب، أو على الـنهي
(الصفحة 679)
عن نفسها الـذي لابدّ من أن يحمل على الاستعمال مطلقاً، أو في خصوص الأكل و الـشرب، كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«لا تأكل في آنيـة ذهب و لا فضّـة».(1)
و روايته الاُخرى، عن أبي جعفر (عليه السلام): أنّه نهى عن آنيـة الـذهب و الـفضّـة.(2)
ولكنّ الـظاهر كما مرّ غير مرّة: أنّهما روايـة واحدة، لا متعدّدة.
و روايـة داود بن سِرحان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«لا تأكل في آنيـة الـذهب و الـفضّـة».(3)
و روايـة الـحلبي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «لا تأكل في آنيـة من فضّـة، و لا في آنيـة مفضّضـة».(4)
و غير ذلك ممّا يدلّ على الـنهي.
ا لـثانيـة: ما تدلّ بظاهرها على الـكراهـة، مثل صحيحـة الـحلبي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): أنّه كره آنيـة الـذهب و الـفضّـة، و الآنيـة الـمفضّضـة.(5)
و موثّقـة بريد، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): أنّه كره الـشرب في الـفضّـة، و في الـقدح الـمفضّض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض، و الـمشطـة كذلك.(6)
و صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سأ لـت أباا لـحسن الـرضا (عليه السلام) عن آنيـة الـذهب و الـفضّـة، فكرههما.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 9.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 2.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 1.
- (5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 10.
- (6) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 2.