(الصفحة 681)
ا لـمرآة، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقـة فضّـة؟
قال:
«نعم، إنّما يكره استعمال ما يشرب به».
قال: و سأ لـته عن الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، أيركب به؟
قال:
«إن كان مموّهاً لا يقدر على نزعه فلا بأس، و إلاّ فلا يركب به».(1)
فإنّ ظاهر الـسؤال الأوّل، إنّما هو الـسؤال بكلمـة «يصلح» عن الـجواز في مقابل الـحرمـة، و محطّ الـنظر أ نّه هل يكون جائزاً، أم محرّماً؟
و عليه فقوله (عليه السلام) في الـجواب:
«إنّما يكره ...» ظاهر في أنّ الـمراد با لـكراهـة ما يقابل يصلح فا لـمراد بها إنّما هو «لايصلح» الـذي يكون الـمراد منه هي الـحرمـة، فا لـكراهـة في الـروايـة الـواردة في الـمقام، قد استعملت في الـحرمـة با لـقرينـة الـمذكورة.
و يؤيّده أيضاً: أنّه لو كانت بمعناها الاصطلاحي، لم يتمّ الـحصر فيها; لثبوت الـكراهـة بهذا الـمعنى في غير استعمال ما يشرب به أيضاً.
وأمّا كلمة
«لاينبغي» فا لظاهر أنّ المراد منها في موارد استعما لها هو عدم التيسّر، و من الـظاهر أنّ عدم الـتيسّر في فعل الـمكلّف يرجع إلى عدم الـجواز شرعاً، و إلاّ فهو ميسور له و قد استعملت في الـكتاب وا لـسنّـة بهذا الـمعنى، واستعما لها في الـكراهة ـ إذا ثبت كونه اصطلاحاً ـ فهو اصطلاح مستحدث; لاينبغي حمل الـروايـة عليه.
و با لـجملـة: فا لـظاهر أنّ مقتضى الـقاعدة أيضاً هي الـحرمـة. مع أنّها من الأحكام الـمتسا لـم عليها بين الأصحاب، بل بين علماء الـمسلمين إلاّ من شذّ، كما عرفت.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 5.
(الصفحة 682)
في مطلق استعما لـها
ا لـمقام الـثاني: في أنّ متعلّق الـتحريم، هل هو خصوص الاستعمال في الأكل و الـشرب، كما ربّما يظهر من الاقتصار عليهما في كلمات جمع من الـقدماء، أو أنّ متعلّقه مطلق الاستعمال، فيعمّ سائر الاستعمالات; من الـوضوء و الـغسل و تطهير الـنجاسات، و غيرها ممّا يعدّ استعمالاً للآنيـة، كما عن بعض دعوى الإجماع أو ما يشابهه عليه؟
و قد استدلّ على الـتعميم بروايات:
منها: روايـة موسى بن بكر، عن أبي ا لـحسن موسى (عليه السلام) قال:
«آنيـة الـذهب و الـفضّـة متاع الـذين لايوقنون».(1)
نظراً إلى أنّ «ا لـمتاع» بمعنى ما ينتفع به و يتمتّع، و منه متاع الـبيت، فا لـروايـة تدلّ حينئذ على أنّ مطلق الانتفاع بآنيتهما، حرام على الـموقنين، فتدلّ على حرمـة استعما لـهما مطلقاً; لأنّ استعمال الـشيء هو الانتفاع به.
و اُورد عليه ـ مضافاً إلى ضعف سند الـروايـة بسهل بن زياد، و موسى بن بكر على طريق الـكليني، و با لـثاني على روايـة «ا لـمحاسن» ـ بأنّ الـمتاع و إن كان بمعنى ما ينتفع به، إلاّ أنّ الانتفاع في كلّ متاع بحسبه; فإنّ الانتفاع با لـفرش إنما هو بفرشه، و في اللباس بلبسه وهكذا، ومن الظاهر أنّ الانتفاع بآنيتهما، إنّما يكون بالأكل والشرب فيهما; لأنّ الإناء إنّما اُعدّ لذلك، و عليه فلا دلالـة للروايـة على حرمـة سائر الاستعمالات.
و يدفعه: أنّ موسى بن بكر باعتبار روايـة صفوان بن يحيى عنه في بعض الـموارد، لا تبعد وثاقته، و الـتحقيق في محلّه.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 4.
(الصفحة 683)
و أمّا دعوى اختصاص الانتفاع بالآنيـة بالأكل و الـشرب، فمدفوعـة جدّاً; لظهور أنّ استعما لـها في مثل الـتطهير انتفاع بها، خصوصاً لو كان الإناء معدّاً لمثله.
و بعبارة اُخرى: الإناء تارة: يكون معدّاً للأكل و الـشرب، و اُخرى: لغيرهما كالإبريق مثلاً، و من الـواضح عدم صحّـة دعوى أنّ الانتفاع من الـثاني إنّما هو خصوص الأكل و الـشرب، بعد عدم كونه معدّاً لذلك.
كما أنّه في الأوّل أيضاً لاتبعد دعوى منع الاختصاص; فإنّ الـكأس الـمعدّ للأكل و الـشرب إذا استعمل في الـتطهير مثلاً، هل لا يكون ذلك انتفاعاً به؟! من الـواضح خلافه. فالإنصاف تماميـة هذا الـدليل.
و منها: صحيحـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمـة في الـطائفـة الأولى، الـظاهرة في تعلّق الـنهي بنفس آنيـة الـذهب و الـفضّـة.
وصحيحـة ابن بزيع المتقدّمة في الـطائفة الـثانية، الـظاهرة في تعلّق الـكراهة بها أيضاً. و غيرهما من الـروايات الـناهيـة الـخا لـيـة عن الـتعرّض للأكل و الـشرب.
فإنّ ظاهرها ـ بعد عدم إمكان تعلّق الـنهي با لـذوات، و كذا الـكراهـة الـتشريعيـة الـتى هي مفاد الـروايـة قطعاً; فإنّ تعلّقها بها لامعنى له أصلاً ـ تعلّق الـنهي بكلّ ما يتعلّق بهما من فعل الـمكلّف.
و بعبارة اُخرى: لابدّ من الـتقدير في مثل هذه الـتعبيرات، و حيث إنّه لم يبيّن ما هو الـمقدّر، فا لـلازم أن يكون الـمقدّر عامّاً شاملاً لمطلق الاستعمالات.
ثمّ لايخفى اختلاف متعلّق الـتحريم في الأكل و الـشرب من الأواني الـمذكورة، و في غيرهما من سائر الاستعمالات; فإنّ الـمتعلّق فيهما هو الأكل، أو الـشرب منها، أو فيها، لاتناول الـمأكول و الـمشروب، و لا نفس الـمأكول و الـمشروب. و أمّا الـمتعلّق
(الصفحة 684)
في غيرهما فنفس الاستعمال الـمتعلّق بها.
توضيح ذلك: أنّه قد تقدّم وجود روايات متعدّدة دالّـة على النهي عن الأكل في الآنيتين، أو الـشرب فيهما، فعنوان الأكل و الـشرب محرّم بمقتضى هذه الـروايات، و لايخا لـفها ما يوجب صرفها عن ظاهرها.
و عليه ففيما إذا أكل أو شرب من الآنيتين، يكون عنوان الأكل أو الـشرب متعلّقاً للنهي، و أمّا تناول الـمأكول و الـمشروب منهما، ففيما إذا لم يترتّب عليه الأكل و الـشرب، لا دليل على حرمته من جهـة هذا الـعنوان.
نعم، بناء على حرمـة مطلق الاستعمال يصير محرّماً; من جهـة كونه من مصاديق الاستعمال. و أمّا إذا ترتّب عليه الأكل و الـشرب، ففيه كلام يأتي الـتعرّض له إن شاء اللّه تعا لـى.
كما أنّ نفس الـمأكول و الـمشروب الـموجودين في الإناء، لا دليل على حرمتها بعنوانها، فا لـماء الـموجود في آنيـة الـذهب مثلاً، لايكون محرّماً شربه و إن نسب إلى الـمفيد (قدس سره) و ظاهر أبي ا لـصلاح و الـعلاّمـة الـطباطبائي الـقول بحرمـة الـمأكول و الـمشروب أيضاً، و يظهر من «ا لـحدائق» الـميل إليه، لكنّ الـمشهور عدم تعدّي الـحرمـة إلى الـمأكول و الـمشروب.
و قد رتّبوا على هذا الـنزاع: أنّه لو أكل طعاماً مباحاً من آنيـة الـذهب مثلاً في نهار شهر رمضان، لا يكون مفطراً على الـحرام; حتّى يجب عليه كفّارة الـجمع، كما إذا أفطر با لـخمر أو الـميتـة و نحوهما، بل يكون نفس الإفطار ـ بلحاظ كونه أكلاً من آنيـة الـذهب ـ حراماً، كما أنّه بلحاظ كونه إفطاراً من غير مجوّز أيضاً، يكون حراماً، لكنّ الـملاك في وجوب كفّارة الـجمع: أن يكون الإفطار با لـحرام; بأن يكون الـمفطر محرّماً
(الصفحة 685)
في نفسه مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً.
فعلى مسلك الـمشهور لايكون الـمفطر محرّماً، فلا تجب كفّارة الـجمع، و على مبنى غيرهم يكون كذلك فتجب.
هذا، ويمكن أن يقال: بعدم ترتّب هذه الثمرة على النزاع المذكور; لأنّ معنى تعلّق الـحرمـة با لـمأكول و الـمشروب ليس تعلّقها بذواتهما، فإنّ الـذوات لا يمكن تعلّق الـتكليف بها، بل معناها تعلّقها بالأكل وا لـشرب الـمتعلّق بها الـذي هو فعل المكلّف.
و عليه فمرجع كون الـمأكول أو الـمشروب محرّماً، إلى كون الأكل أو الـشرب كذلك، فإذا أكل طعاماً محرّماً في إحدى الآنيتين، يكون الأكل بعنوان كونه مضافاً إلى ذاك الـمأكول محرّماً، و بعنوان كونه في إحداهما أيضاً كذلك، و يستحقّ لأجله عقوبتين; لعدم الـمانع من اجتماع محرّمين هما: أكل الـميتـة مثلاً، و الأكل في آنيـة الـذهب كذلك.
فإذا فرض أنّ معنى الإفطار با لـحرام الـذي هو الـموضوع لثبوت كفّارة الـجمع: أن يكون الـمفطر ـ مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً ـ محرّماً، يتحقّق هذا الـمعنى في الأكل من إحدى الآنيتين و إن كان الـمأكول مباحاً; لأنّ الأكل منها مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً، يكون محرّماً، فلا فرق بين الـقولين في لزوم كفّارة الـجمع.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ مقتضى الـروايات; كون الأكل أو الـشرب من إحدى الآنيتين بعنوانهما محرّماً، فا لـتناول منها من دون تحقّق شيء من الـعنوانين، لا يكون محرّماً بهذا الـعنوان. نعم حرمته إنّما هي لأجل كون استعما لـها محرّماً، على ما عرفت.
و أمّا إذا كان الـتناول مقدّمـة لشيء منهما، فهل يتحقّق هنا محرّمان; أحدهما: الـتناول من باب كونه استعمالاً، و الآخر: الأكل أو الـشرب بلحاظ تعلّق الـتحريم با لـعنوانين، أو أنّه لا يتحقّق إلاّ محرّم واحد و هو الـمحرّم الـثاني؟