(الصفحة 73)
آخر، فلا يتعدّى عنه إلى من حدثت له الـجنابـة الـعمديـة في الـمسجد، فضلاً عمّن كانت جنابته خارج الـمسجد فدخل، خصوصاً إذا كان دخوله عمداً.
ولكنّ الـظاهر الـتعدّي; لأنّ الـمتفاهم من الـنصّ عرفاً كون ذلك من آثار الـجنابـة، و اتّصاف الـشخص بكونه جنباً، و يؤيّده عطف الـحائض على الـجنب في روايـة «ا لـكافي» و عطف إصابـة الـجنابـة على الاحتلام بـ «أو» على ما في محكيّ «ا لـمعتبر»، مع أنّ الـحكم لايكون مخا لـفاً للقاعدة حتّى يقتصر فيه على مورد الـنصّ; لأنّه بعد ما ثبت بالأخبار الـمستفيضـة الـمتقدّمـة خصوصيـة لهذين الـمسجدين، و هي عدم جواز الاجتياز فيهما كا للبث، لكونهما أعظم حرمـة عند اللّه من سائر الـمساجد، فا لـواجب بحكم الـعقل إزا لـة الـجنابـة حقيقـة، أو حكماً عند الاضطرار إلى الـجواز، أو الـمكث فيهما.
و حيث إنّ الـغسل فيهما متعذّر نوعاً مطلقاً، أو في زمان مساو لزمان الـتيمّم، أو أقصر، فلا محيص عن الـتيمّم; لأنّ الـتراب أحد الـطهورين، لكنّه بشرط أن يكون زمان الـخروج أطول من زمان الـتيمّم.
و أمّا إذا كان با لـعكس، أو مساوياً، فربّما يقال كما عن «ا لـذكرى» و غيرها، بأنّ إطلاق الـنصّ يشملها، و أنّه لافرق بينهما و بين الـصورة الاُولى.
لكن عن «شرح الـمفاتيح» للوحيد (قدس سره) الـقطع بسقوط الـتيمّم فيما إذا كان زمانه أطول من زمان الـخروج، و لايبعد دعواه.
نعم، في صورة الـتساوي ربّما يقال با لـتخيير بين الـتيمّم و الـخروج، ولكنّ الإنصاف انصراف الـنصّ إلى خصوص ما إذا كان زمان الـتيمّم أقصر، فا لـحكم في الـفرضين الأخيرين هو الـخروج بدون الـتيمّم، كما قوّاه في الـمتن، فتدبّر.
(الصفحة 74)
مسأ لـة 2: لو كان جنباً، و كان ما يغتسل به في الـمسجد، يجب عليه أن يتيمّم، و يدخل الـمسجد لأخذ الـماء، و لاينتقض الـتيمّم بهذا الـوجدان إلاّ بعد الـخروج مع الـماء، أو بعد الاغتسال.
و هل يباح بهذا الـتيمّم غير دخول الـمسجد و اللبث فيه بمقدار الـحاجـة؟
فيه تأمّل و إشكال1 .
إذا كان ما يغتسل به في الـمسجد
(1) إن كان الـمسجد غير الـمسجدين فلا حاجـة إلى الـتيمّم للدخول لأخذ الـماء، لما عرفت من جواز الـدخول فيه بقصد أخذ شيء منه، نعم في الـمسجدين حيث لايكون الـدخول كذلك مستثنى، فلامانع من ذلك، كما أنّه يجري الـحكم في غيرهما لو دخل بقصد الاغتسال فيه، لا لمجرّد أخذ الـماء.
نعم، يقع الـكلام فيما إذا أمكن كلا الأمرين: أخذ الـماء من الـمسجد و الـغسل في خارجه، أو الاغتسال في داخل الـمسجد، و أنّه هل يكون مخيّراً بين الأمرين، أم يكون رجحان في الـبين؟
و الـظاهر أنّه مع عدم الـتيمّم للدخول يتعيّن الأخذ و الـغسل في الـخارج; لأنّ جواز الـدخول بدونه ينحصر في هذه الـصورة.
و أمّا مع الـتيمّم له فيمكن أن يقال بعدم مشروعيّـة هذا الـتيمّم; لأنّه على تقدير إمكان أخذ الـماء من الـمسجد، و الـغسل في خارجه، لايكون دخول الـجنب فيه بقصد ذلك محرّماً حتّى يتوقّف رفع الـحرمـة على الـتيمّم، و لم يدلّ دليل على مشروعيته في هذه الـصورة، و مع دخول فيه بدونه يتعيّن الأخذ و الاغتسال في الـخارج.
(الصفحة 75)
فينحصر فرض الـمسأ لـة فيما إذا لم يكن له طريق إلى الاغتسال إلاّ في الـمسجد، ففي هذا الـفرض لابدّ و أن يقال بوجوب الـتيمّم عليه للدخول و الـمكث، و إن كان يمكن الـمناقشـة فيه بعدم الـدليل على وجوب الـتيمّم في الـفرض.
و وجوبه في الـمسأ لـة الـسابقـة إنّما كان في مورد الاضطرار; لأنّه كان يجب عليه الـخروج من الـمسجدين، و أمّا في الـمقام فلا اضطرار، و وجود الـماء في الـمسجد، و إمكان الاغتسال فيه، إنّما يترتّب عليه وجوب الـغسل مع مشروعيّـة الـدخول بقصده، و بدونها كما هو الـمفروض لايكون الـغسل واجباً، و مع عدمه لاتكون مشروعيّـة للتيمّم لأجل الـدخول و الاغتسال.
و كيف كان: فعلى تقدير وجوب الـتيمّم لأجله يقع الـكلام في حكم هذا الـتيمّم من جهتين:
الاُولى: أنّه هل يبطل تيمّمه بهذا الـوجدان، أم يتوقّف الـبطلان على الاغتسال، أو الـخروج مع الـماء على تقدير الـمشروعيـة فيه أيضاً؟
ربّما يقال: إنّ الـتمكّن من الـغسل في الـمسجد ممّا يقتضي وجوده عدمه، فإنّه بمجرّد استباهـة الـمكث للغسل با لـتيمّم ينتقض الـتيمّم; للتمكّن من الـماء، و إذا انتقض الـتيمّم يحرم الـكون في الـمسجد للغسل، فوجود الـتمكّن يستلزم عدمه.
و الـجواب: أنّه مغا لـطـة، فإنّ الـتمكّن من الـماء إنّما هو بالإضافـة إلى سائر الـغايات، و أمّا با لـنسبـة إلى الـكون الـواجب عليه مقدّمـة للغسل فلا، و لادليل على كون وجدان الـماء ناقضاً للتيمّم مطلقاً، بل بشرط الـتمكّن من إيجاد الـغايـة الـواجبـة عليه بعد انتقاض الـتيمّم متطهّراً، نظير من ضاق وقته عن الـغسل فإنّه غير واجد للماء، بالإضافـة إلى خصوص الـصلاة، و واجد له با لـنسبـة إلى غيرها، فلايباح بسبب تيمّمه
(الصفحة 76)
إلاّ الـصلاة الـتي يضيق الـوقت عن إتيانها مع الـغسل، مع أنّه يمكن قلب الـدليل حيث إنّ مقتضاه وجوب الـصلاة متيمّماً; نظراً إلى أنّه إذا جاز له الـدخول في الـصلاة مع الـتيمّم، جاز له الـكون في الـمسجد، و إذا جاز له الـكون في الـمسجد، لاتجوز له الـصلاة مع الـتيمّم; لتمكّنه من الـطهارة الـمائيـة.
ا لـثانيـة: أنّه هل يباح بهذا الـتيمّم غير دخول الـمسجد و اللبث فيه بمقدار الـحاجـة، أم لا؟
و قد تأمّل و استشكل في الـمتن في الأوّل، ولكنّه ربّما يقال: بأنّ الـتيمّم الـمشروع في الـمقام هو ما يكون بدلاً عن الـغسل ضرورة، فالالتزام بوجوبه الـغيري فرع الالتزام بوجوب الـغسل كذلك، مع أنّه ممتنع; لأنّ الـغسل لا يكون مقدّمـة لغسل آخر، إذ به يباح كلّ غايـة، و لايتوقّف على غسل آخر.
و عليه يمتنع أن يكون الـتيمّم خارج الـمسجد مقدّمـة للغسل في الـمسجد، بل يتعيّن أن يكون واجباً مقدّمـة للصلاة، فيستبيح الـصلاة بمجرّد فعله.
و اُجيب عنه ـ كما في «ا لـمستمسك» ـ : بأنّ وجوب الـتيمّم خارج الـمسجد لايكون مقدّمـة للغسل في الـمسجد، ليلزم وجوب الـغسل مقدّمـة له، و هو ممتنع، بل إنّما يجب في نظر الـعقل من جهـة وجوب الـجمع بين غرضي الـشارع، من تحريم كون الـجنب في الـمسجد، و وجوب الـصلاة با لـطهارة الـمائيـة، نظير شراء الـدواء لعلاج الـمرض، فإنّ وجوب الـشراء ليس مقدّميّاً للعلاج; لأنّ الـعلاج كما يكون با لـدواء الـمباح كذلك يكون با لـمغصوب، بل لحكم الـعقل بوجوب الـجمع بين الـغرضين: حرمـة الـغصب، و وجوب الـعلاج.
و نظيره أيضاً ما لو غرق طفل في حوض الـمسجد، بحيث توقّف إنقاذه على دخول
(الصفحة 77)
ا لـمسجد مع كون الـمنقذ جنباً، فإنّه يجب عليه الـتيمّم من باب وجوب الـجمع بين الـغرضين، لا لمقدميـة الـتيمّم للإنقاذ.
أقول: إن قلنا بمشروعيـة الـتيمّم في هذه الـصورة ـ كما هو الـمفروض ـ فتارة يقال: بأنّ الـغايـة الـمشروع لها الـتيمّم هي الـدخول و الـمكث في الـمسجد مطلقاً، مع قطع الـنظر عن الاغتسال فيه، بمعنى أنّه يجوز له الـتيمّم و الـدخول و الـمكث، و إن لم يرد الاغتسال فيه، و لم يغتسل، و اُخرى: بأنّ الـغايـة هي الـدخول و الـمكث للاغتسال فقط.
فعلى الأوّل: لاحاجـة إلى ما أفاده في «ا لـمستمسك»، بل الـجواب ما هو ذكر سابقاً من أنّ عدم وجدان الـماء ـ بالإضافـة إلى غايـة ـ لايوجب استباحـة الـغايـة الاُخرى، الـتي يكون الـرجل واجداً للماء بالإضافـة إليها، ضرورة أنّ عدم الـوجدان في الـمقام إنّما هو بالإضافـة إلى الـدخول و الـمكث في الـمسجد، لا مطلقاً، فلا يباح به غيره ممّا هو واجد للماء با لـنسبـة إليه.
و على الـثاني: يصير نفس الاغتسال في الـمسجد من الـغايات الـمترتّبـة على الـتيمّم، و لامجال حينئذ لمشروعيـة الـغايـة الـمترتّبـة على الـغسل قبله بمجرّد الـتيمّم; لأنّ الـمفروض أنّه قد شرع للوصول إلى الـغسل الـذي هو مقدّمـة لمثل الـصلاة، فكيف يمكن استباحتها بمجرّد الـتيمّم؟!
نعم، قد عرفت الـمناقشـة في أصل مشروعيـة الـتيمّم في مثل الـفرض، إلاّ أن يقال باستحبابه; للكون على الـطهارة، و سيأتي الـبحث فيه إن شاء اللّه تعا لـى.
|