(الصفحة 79)
قال:
«نعم، يأكل و يشرب، و يقرأ، و يذكر اللّه عزّوجلّ ما شاء».(1)
و قسم آخر: يدلّ بظاهره على عدم الـجواز إلاّ بعد مثل الـوضوء أو غسل الـيد، كصحيحـة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«ا لـجنب إذا أراد أن يأكل و يشرب غسل يده، و تمضمض، و غسل وجهه، و أكل و شرب».(2)
و روايـة الـسكوني، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في حديث قال:
«لايذوق الـجنب شيئاً حتّى يغسل يديه، و يتمضمض، فإنّه يخاف منه الـوضح».(3)
قال في محكي «ا لـحدائق»: «ا لـوضح: الـبرص».
و صحيحـة الـحلبي، عن أبي عبدا للّه، عن أبيه (عليهما السلام) قال:
«إذا كان الـرجل جنباً لم يأكل، و لم يشرب حتّى يتوضّأ».(4)
و روايـة الـحسين بن زيد، عن الـصادق، عن آبائه، عن أميرا لـمؤمنين علي بن أبيطا لـب (عليهم السلام) في حديث الـمناهي قال:
«نهى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأكل على الـجنابـة، و قال: إنّه يورث الـفقر».(5)
و صحيحـة عبدا لـرحمان بن أبي عبدا للّه في حديث قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام)يأكل الـجنب قبل أن يتوضّأ؟
قال:
«إنّا لنكسل، ولكن ليغسل يده، فا لـوضوء أفضل».(6)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 20، الـحديث 1.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 20، الـحديث 2.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 20، الـحديث 4.
- (5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 20، الـحديث 5.
- (6) وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 20، الـحديث 7.
(الصفحة 80)
و الـجمع بين الـقسمين يقتضي حمل الـنهي على الـكراهـة، خصوصاً مع ملاحظـة الـتعليل بإيراث الـفقر، أو مخافـة الـبرص، غايـة الأمر أنّ للكراهـة مراتب ترتفع اُولاها بغسل الـيد الـظاهر في نفسه في غسل الـيدين، خصوصاً مع الـتصريح به في روايـة الـسكوني. و ثانيتها بغسل الـيدين، و الـمضمضـة. و ثا لـثتها بهما و بغسل الـوجه.
و ترتفع الـكراهـة رأساً با لـوضوء، الـمشتمل على جميع الـمذكورات مع إضافـة لاستحباب الـمضمضـة فيه أيضاً، و يدلّ على أفضليـة الـوضوء ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ صحيحـة عبدا لـرحمان، الـدالّـة عليها، و كان على المتن التعرّض للمرتبـة الثانيـة أيضاً.
و أمّا عدم تعرّضه للاستنشاق مع كونه مذكوراً في بعض الـكلمات، فلعدم الـتعرّض له في شيء من الـروايات الـمتقدّمـة، نعم هو مذكور في «ا لـفقه الـرضوي» الـذي لم يثبت اعتباره بوجه.
ثمّ إنّ الـمحكيّ عن «ا لـمدارك» أنّه بعد زعم انحصار الـمدرك الـصحيح للحكم ـ فيما نحن فيه ـ بصحيحـة عبدا لـرحمان و صحيحـة زرارة، أنكر دلالتهما على الـكراهـة، و قال: مقتضى الاُولى استحباب الـوضوء لمريد الأكل و الـشرب، أو غسل الـيد خاصّـة. و مقتضى الـثانيـة الأمر بغسل الـيد و الـوجه، و الـمضمضـة، و ليس فيهما دلالـة على كراهـة الأكل و الـشرب بدون ذلك.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى عدم انحصار الـمدرك بهما على مبناه أيضاً; لأنّ صحيحـة الـحلبي أيضاً واجدة لشرائط الـحجيّـة عليه ـ أنّ الـظاهر من صحيحـة زرارة تعليق الـجواز على الأفعال الـمذكورة فيها، و الـشاهد له هو فهم الـعرف، وا لـتبادر، فإنّ مثل
(الصفحة 81)
ا لـعبارة ظاهر في عدم الـجواز بدون حصولها، كما أنّ صحيحـة عبدا لـرحمان أيضاً كذلك، خصوصاً مع ملاحظـة وقوعه جواباً عن الـسؤال عن الـجواز.
فا لـصحيحتان ظاهرتان في الـنهي بدونها، و حيث إنّه لامجال لحمل الـنهي على ظاهره، بل لابدّ من الـحمل الـكراهـة لما عرفت، فارتفاعه مع تلك الأفعال يرجع إلى ارتفاع الـكراهـة بها، كما لايخفى.
ا لـثا لـث: قرائـة ما زاد على سبع أو سبعين، و قد تقدّم الـكلام فيه في بحث قرائـة الـعزائم، فراجع.
ا لـرابع: مسّ ما عدا خطّ الـمصحف من الـجلد، و الـورق، و الـهامش، و ما بين الـسطور، و كراهته هو الـمشهور شهرة عظيمـة.
و عن الـمرتضى الـقول با لـحرمـة لقوله تعا لـى:
(لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ)(1)
، و لخبر إبراهيم بن عبدا لـحميد، عن أبي ا لـحسن (عليه السلام) قال:
«ا لـمصحف لاتمسّه على غير طهر، و لاجنباً، و لا تمسّ خطّه، و لا تعلّقه، إنّ اللّه تعا لـى يقول: (لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ).(2)
و قد يستدلّ له أيضاً بصحيحـة محمّد بن مسلم قال: قال أبوجعفر (عليه السلام)
«ا لـجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الـثوب، ويقرءان القرآن ما شاء إلاّ الـسجدة».(3)
أقول: قد عرفت في بحث الـوضوء الإشكال في دلالـة الآيـة، خصوصاً مع ظهور رجوع الضمير إلى نفس الـكتاب المكنون، الـذي هوعبارة عن خطوطه، لا المصحف.
- (1)
الواقعـة / 79.
- (2)
وسائل الشيعـة، أبواب الوضوء، الباب 12، الحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 19، الـحديث 7.
(الصفحة 82)
و أمّا خبر إبراهيم: فيرد عليه ـ مضافاً إلى ضعفه، و عدم تماميّـة الاستدلال بالآيـة مع رجوع الـضمير إلى الـقرآن، لا الـمصحف ـ معارضيته مع نصوص اُخرى، و دلالـة روايات كثيرة على جواز مسّ ما عدا موضع الـكتابـة، ففي مرسلـة حريز، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: كان إسماعيل بن أبي عبدا للّه عنده فقال:
«يا بنيّ، اقرء الـمصحف».
فقال: إنّي لست على وضوء.
فقال:
«لا تَمسّ الـكتابـة، و مسّ الـورق، و اقرئه».(1)
و من الـمعلوم أن الـجنب أيضاً لايكون على وضوء.
و فى موثّقـة أبي بصير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عمّن قرأ في الـمصحف، و هو على غير وضوء.
قال:
«لابأس، و لايمسّ الـكتاب».(2)
فلابدّ من حمل الـنهي في خبر إبراهيم على الـكراهـة، و اشتما لـه على الـنهي عن مسّ الـخطّ لايقدح في ذلك; لعدم الـمانع من كون الـمراد به هي الـحرمـة، مع أنّ في بعض الـنسخ «ا لـخيط» بدل الـخطّ.
كما أنّ الاستدلال لابدّ و أن يحمل على مجرّد الـمناسبـة و الـتقريب، و إلاّ فا لـتعليق لايكون مسّاً، و إن كان الـضمير في الآيـة راجعاً إلى الـمصحف بتمام شؤونه.
ثمّ لايخفى أنّ مستند كراهـة الـتعليق هي هذه الـروايـة فقط، و قد استفيد منها كراهـة الـحمل أيضاً، و إن كانت الاستفادة غير خا لـيـة عن الـمناقشـة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 12، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 12، الـحديث 1.
(الصفحة 83)
و أمّا صحيحـة محمّد بن مسلم فغايـة مدلولها مرجوحيـة الـمسّ، و هي لاتنافي الـكراهـة، و لاتكون الـجملـة الـخبريـة فيها مستعملـة في الـوجوب الـشرطي، الـذي يرجع إلى الـحرمـة بدونه; لأنّ فتح الـمصحف من الـمقدّمات الـعاديـة للقرائـة، و ليس بواجب شرعي، أو شرطي.
لكن الـتقييد بكونه من وراء الـثوب يدلّ على إرادة الاحتراز عن الـمباشرة، و لا دلالـة له على الـحرمـة، مع أنّه على تقديرها يكون مقتضى الـجمع بينها، و بين الـروايات الـدالّـة على الجواز، هو الحمل على الكراهـة كما عرفت.
ا لـخامس: الـنوم حتّى يتوضّأ على الـمشهور، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و عن «ا لـمهذّب» الـتحريم، و يدلّ على الـمشهور روايات:
كصحيحـة عبيدا للّه بن علي الـحلبي، الـتي رواها الـصدوق بإسناده عنه قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل أينبغي له أن ينام و هو جنب؟
فقال:
«يكره ذلك حتّى يتوضّأ».(1)
و صحيحـة سعيد الأعرج قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول:
«ينام الـرجل و هو جنب، و تنام الـمرأة و هي جنب».(2)
و موثّقـة سماعـة قال: سأ لـته عن الـجنب، يجنب ثمّ يريد الـنوم.
قال:
«إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل، و الـغسل أحبّ إليّ و أفضل من ذلك، و إن هو نام، و لم يتوضّأ، و لم يغتسل، فليس عليه شيء إن شاء اللّه».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 5.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 25، الـحديث 6.