(الصفحة 9)
ولكنّ الإنصاف: أنّ حمل هذه الـروايات على صورة عدم خروج الـمنيّ إلى الـظاهر، و استقراره في الـرحم، بعيد جدّاً.
قال في «ا لـوسائل» بعد نقل هذه الـروايات الـخمس:
«أقول: الـوجه في هذه الأحاديث الـخمسـة، إمّا الـحمل على الاشتباه، أو عدم تحقّق كون الـخارج منيّاً كما يأتي.
أو الـحمل على أنّها رأت في الـنوم أنّها أنزلت، فلمّا انتبهت لم تجد شيئاً، كما يأتي أيضاً.
أو على أنّها أحسّت بانتقال الـمنيّ من محلّه إلى موضع آخر، و لم يخرج منه شيء; فإنّ منيّ الـمرأة قلّما يخرج من فرجها; لأنّه يستقرّ في رحمها; لما يأتي أيضاً.
أو على الـتقيّـة; لموافقتها لبعض الـعامّـة، و إن ادّعى الـمحقّق في «ا لـمعتبر» إجماع الـمسلمين، فإنّ ذلك خاصّ با لـرجل، و قد تحقّق الـخلاف من الـعامّـة في الـمرأة، و قرينـة الـتقيّـة ما رأيت من الـتعليل الـمجازيّ في حديث محمّد بن مسلم، و الاستدلال الـظاهري الإقناعي في حديث عبيد بن زرارة، و غير ذلك.
و الـحكمـة في إطلاق الألفاظ الـمؤوّلـة هنا: إرادة إخفاء هذا الـحكم عن الـنساء إذا لم يسأ لـن عنه، و لم يعلم احتياجهنّ إليه; لئلاّ يتّخذنّه علّـة للزوج (للخروج) و طريقاً لتسهيل الـغسل من زنا و نحوه، أو يقعن في الـفكر و الـوسواس، فيرين ذلك في الـنوم كثيراً، و يكون داعياً إلى الـفساد، أو تقع الـريبـة و الـتهمـة لهنّ من الـرجال، كما يفهم من الـتصريحات الـسابقـة.
و بعض هذه الأحاديث يحتمل الـحمل على الإنكار، دون الإخبار، و اللّه أعلم».
أقول: و إن أبيت عن ذلك كلّه، فمقتضى قواعد الـتعارض و الـرجوع إلى
(الصفحة 10)
ا لـمرجّحات مع وجودها، هوا لـرجوع إلى الـطائفـة الاُولى; لموافقتها لفتوى الـمشهور، بل الـجميع; لعدم ثبوت الـخلاف من أحد في ذلك.
هذا مع ثبوت الـوهن الـظاهر في بعض هذه الـروايات، كروايـة محمّد بن مسلم الـظاهرة في أنّ رؤيتها في الـنوم أنّ الـرجل يجامعها في فرجها، سبب لوجوب الـغسل و إن لم يتحقّق الإنزال، مع أنّه مخا لـف لضرورة الـفقه; فإنّها لاتكون أشدّ حكماً من الـرجل في هذه الـجهـة، حيث إنّه لايجب عليه الـغسل بمجرّد الـرؤيـة مع عدم الإنزال.
و كروايـة عبيد بن زرارة الـمشتملـة على الاستدلال، فإنّه يرد على هذا الاستدلال: ـ مضافاً إلى وضوح عدم اختصاص الـحكم بخصوص الـرجال; لعدم اختصاص الـوضوء بهم أيضاً ـ أنّ مقتضاه عدم وجوب الـغسل من الـجنابـة في الـجماع عليهنّ أيضاً; لعدم دلالـة الآيـة على ما عدا حكم الـرجال، فتدبّر.
و كيف كان: فلا شبهـة في أنّ خروج الـمنيّ في الـمرأة أيضاً، سبب للجنابـة، و يترتّب عليها جميع أحكامها.
فيما يعتبر في سببيّـة الإنزال
ثمّ إنّه يعتبر في أصل سببيـة الإنزال للجنابـة أمران:
الأوّل: خروجه إلى الـخارج و بلوغه إلى الـظاهر; بحيث لو تحرّك من محلّه و لم يخرج لا تتحقّق الـجنابـة، كما هو ظاهر الـنصوص و الـفتاوى، بل صريح بعضها.
و الـظاهر أنّه لافرق بين خروجه من الـموضع الـمعتاد و غيره، مع انسداد الـطبيعي، أو بدونه; لإطلاقات الأدلّـة و ظهورها في كون الـمناط هو خروج الـمنيّ
(الصفحة 11)
وا لـماء الأعظم من حيث هو، من دون اعتبار خصوصيّـة زائدة على أصل الـخروج و الإهراق.
و دعوى انصراف الإطلاقات إلى الـمتعارف الـمعتاد، و إجراء أصا لـة الـبرائـة، أو عدم الـسببيـة في غيره ممنوعـة جدّاً; لوضوح كون الانصراف بدويّاً لايختلّ به ركن الإطلاق بوجه.
ا لـثاني: كون الـمنيّ ممّن يجب عليه الـغسل، فلو خرج من الـمرأة منيّ الـرجل لايوجب جنابتها، إلاّ مع الـعلم باختلاطه بمنيّها، بلا خلاف، بل عن «كشف اللثام» و ظاهر «ا لـتذكرة» الإجماع عليه.
نعم، عن الـحسن خلاف ذلك; فأوجب الـغسل على الـمرأة إذا خرج منها منيّ الـرجل، و يدفعه: ـ مضافاً إلى وضوح ظهور الأدلّـة في مدخليّـة منيّ الـشخص، و لا سيّما مع الـتعبير بـ «الاحتلام» أو «الإمناء» أو «الإنزال» أو «مجيء الـشهوة» و أشباه ذلك ـ روايـة عبدا لـرحمان بن أبي عبدا للّه قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـمرأة تغتسل من الـجنابـة، ثمّ ترى نطفـة الـرجل بعد ذلك، هل عليها غسل؟ فقال:
«لا».(1)
و روايـة سليمان بن خا لـد، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول، فخرج منه شيء.
قال:
«يعيد الـغسل».
قلت: فا لـمرأة يخرج منها شيء بعد الـغسل.
قال:
«لاتعيد».
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 13، الـحديث 3.
(الصفحة 12)
قلت: فما الـفرق بينهما؟
قال:
«لأنّ ما يخرج من الـمرأة إنّما هو من ماء الـرجل».(1)
و دلالتها على عدم وجوب الـغسل مع الـعلم بكون الـخارج منها ماء الـرجل واضحـة.
نعم، ربّما يستفاد منها أنّ الـحكم في صورة الـشكّ، أيضاً هو الـحمل على كونه ماء الـرجل; إمّا تعبّداً، و إمّا لأجل ما عرفت: من أنّ منيّ الـمرأة يستقرّ في الـرحم غا لـباً.
ولكنّ الـحكم بعدم وجوب الـغسل عليها في هذه الـصورة، لايترتّب على الاستفادة الـمذكورة; فإنّ مجرّد عدم إحراز كونه منها يكفي في عدم الـوجوب، كما إذا كان أصل الـخروج مشكوكاً، و عليه فلاوجه لما عن «ا لـدروس» و «ا لـبيان» من وجوب الـغسل مع الـشكّ.
كما أنّه لا اعتبار با لـظنّ على ما حكي عن «نهايـة الأحكام» لعدم الـدليل على اعتباره. هذا كلّه فيما لو علم بكون الـخارج منيّاً.
فيما لو شكّ في كونه منيّاً
و أمّا لو شكّ في ذلك، و احتمل كونه منيّاً، ففي الـمتن أنّ الـصحيح يرجع في معرفته إلى اجتماع الـدفق، و الـشهوة، و فتور الـجسد. و قد صرّح جلّ الأعلام ـ لولا كلّهم ـ بأنّ ما اجتمع فيه الأوصاف هو الـماء الأعظم، الـذي رتّب الـشارع عليه أحكامه.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 13، الـحديث 1.
(الصفحة 13)
و يدلّ عليه صحيحـة علي بن جعفر (عليه السلام) الـمتقدّمـة، قال: سأ لـته عن الـرجل يلعب مع الـمرأة، و يقبّلها، فيخرج منه الـمنيّ، فما عليه؟
قال:
«إذا جاءت الـشهوة، و دفع و فتر لخروجه، فعليه الـغسل، و إن كان إنّما هو شيء لم يجد له فترة و لا شهوة، فلا بأس».(1)
و قد مرّ أنّ الـمرويّ في محكيّ «كتاب علي بن جعفر» هو: «فيخرج منه الـشيء». و هو الأنسب با لـجواب، كما لايخفى.
و كيف كان: فلا إشكال في أنّه مع اجتماع الـصفات الـمذكورة، يجب الـحكم بكون الـخارج منيّاً، و إن لم يعلم كونه كذلك، نعم عن بعض اعتبار خصوصيـة في الـرائحـة أيضاً. إنّما الإشكال في أنّه هل يعتبر اجتماع تلك الـصفات، كما هو ظاهر الـمتن و غيره و صريح بعض، أم لا؟
و الأقوال في هذه الـمسأ لـة متكثّرة، فعن ظاهر بعض الاكتفاء با لـدفق و الـشهوة، و عن بعض آخر الاكتفاء با لـدفق و فتور الـبدن، و عن ظاهر آخرين اعتبار الـدفق خاصّـة، و عن جماعـة الاكتفاء بحصول واحد من الأوصاف الـثلاثـة، و عن بعض الاكتفاء با لـرائحـة فقط مع نفي الـخلاف عنه; معلّلاً له بتلازم الـصفات، إلاّ لعارض، فوجود بعضها كاف.
و الـحقّ: أنّه لو قلنا بعدم انفكاك الأوصاف الـثلاثـة بعضها عن بعض، بل بعدم انفكاك وصف الـرائحـة ـ الـتي هي عبارة عن كونها كرائحـة الـطلع و الـعجين رطباً، و بياض الـبيض جافّاً ـ عنها، فلايبقى موقع للبحث عن كفايـة الـواحدة، أو اعتبار اجتماع الـثلاث، بل الأربع.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 8، الـحديث 1.