(الصفحة 99)
أقول: وجوب الاحتياط لايتوقّف على دعوى كون الـواجب هي الـطهارة الـحاصلـة با لـغسل حتّى تدفع با لـمنع عنه، و عدم دلالـة الآيـة الـشريفـة على كون الـطهارة أمراً وراء الـغسل و أفعا لـه، كما مرّ بعض الـكلام في ذلك في مبحث الـوضوء فلاحظ، بل يتحقّق بأن يقال: إنّ الـمستفاد من الـروايات الـمتقدّمـة أنّ الـواجب في باب الـغسل هو غسل ظاهر الـبشرة بتمامها، و من الـمعلوم أنّ الـمراد به ما هو ظاهر واقعاً.
و لا وجه لما في «ا لـمصباح» من أنّه لم يثبت اشتغال الـذمّـة بأزيد ممّا علم كونه من الـظاهر; و ذلك لأنّ الـعلم لا دخل له في متعلّق الـتكليف أصلاً، فا لـواجب غسل ما هو ظاهر بحسب الـواقع، و مع الاقتصار على غسل ما هو معلوم كونه من الـظاهر، لايكاد يتحقّق الـعلم بامتثال هذا الـتكليف.
و يمكن أن يقال: إنّ وجوب غسل الـمشكوك إنّما هو لأجل أنّ ظاهر الـروايات الـمتقدّمـة ـ الـدالّـة على وجوب غسل الجسد من لدن القرن إلى القدم ـ هو وجوب غسله بظاهره و باطنه با لـمقدار الـذي يمكن غسله، و قد قام الـدليل الـمنفصل على نفي وجوب غسل الـباطن; لعدم جنابته، و إذا دار أمر الـمقيّد الـمنفصل بين الأقلّ و الأكثر، لكان الـلازم الـرجوع في مورد الـشكّ إلى الـدليل الـمطلق، و الـحكم بوجوب غسله، فا لـحكم با لـوجوب حينئذ ليس لأجل أنّ مقتضى حكم الـعقل في مورد الـشكّ هو الاحتياط، بل لأجل لزوم الـرجوع إلى الـدليل الـمطلق في مورد الـشكّ في شمول دليل الـتقييد.
(الصفحة 100)
مسأ لـة 4: يجب غسل ما تحت الـشعر من الـبشرة، و كذا الـشعر الـدقيق الـذي يعدّ من توابع الـجسد، و الأحوط وجوب غسل الـشعر مطلقاً1 .
(1) أمّا وجوب غسل ما تحت الـشعر من الـبشرة، فلما عرفت من ظهور الأدلّـة في استيعاب غسل الـبشرة، من دون فرق بين الـموضع الـذي كان تحت الـشعر، و بين غيره.
و قد مرّ أنّ صحيحـة زرارة الـدالّـة على عدم وجوب غسل ما أحاط به الشعر، إمّا أن تكون مختصّـة با لـوضوء، أو تكون مقيّدة با لـروايات الـواردة في الـغسل.
و أمّا وجوب غسل الـشعر الـدقيق الـذي يعدّ من توابع الـجسد، كشعر الـيد غا لـباً، فلأنّ اتّصافه با لـتبعيـة يوجب أن يكون الـمتفاهم الـعرفي من الـنصوص الـظاهرة في لزوم غسل الـجسد ما هو أعمّ منه، كما تقدّم في باب الـوضوء أيضاً، فإنّه لايفهم عرفاً من غسل الـيد الـواجب في الـوضوء خصوص غسل الـبشرة، بحيث كان الـشعر خارجاً.
و أمّا غسل غير الـشعر الـدقيق كذلك، فا لـمحكيّ عن «ا لـمنتهى» و «كشف اللثام» نفي الـخلاف عن عدم وجوب غسله، و عن «ا لـمعتبر» و «ا لـذكرى» نسبته إلى الأصحاب.
و قد استدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأصل ـ بروايـة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال:
«لاتنقض الـمرأة شعرها إذا اغتسلت من الـجنابـة(1)
»، و رواه بعينه الـحلبي، عن رجل، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام).(2)
ولكنّ المحكيّ عن «ا لحدائق» أنّه قال ـ بعد نقل ما ذكر ـ : «وللنظر في ذلك مجال:
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 4.
(الصفحة 101)
أمّا أوّلاً: فلمنع خروجه من الـجسد ولو مجازاً، كيف و قد حكموا بوجوب غسله في يدي الـمتوضّي، معلّلين تارة بدخوله في محلّ الـفرض، و اُخرى بأنّه من توابع الـيد، فإذا كان داخلاً في الـيد بأحد الـوجهين الـمذكورين، فا لـيد داخلـة في الـجسد الـبتّـة، ولو سلّم خروجه من الـجسد، فلا يخرج من الـدخول في الـرأس و الـجانب الأيمن و الأيسر، الـمعبّر بها في جملـة من الأخبار.
و أمّا ثانياً: فلأنّه لايلزم من عدم الـنقض في صحيحـة الـحلبي عدم وجوب الـغسل، لإمكان الـزيادة في الـماء حتّى يروي». إلى أن قال:
«
و أمّا ثا لـثاً: فلما روي في صحيحـة حجر بن زائدة، عن الـصادق (عليه السلام) أنّه قال:
«من ترك شعرة من الـجنابـة متعمّداً فهو في الـنار».(1)
و الـتأويل با لـحمل على أنّ الـمراد با لـشعرة ما هو قدرها من الـجسد، لكونها مجازاً شايعاً كما ذكروا، و إن احتمل إلاّ أنّه خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلاّ بدليل».
إلى أن قال: «و يزيدك بياناً و تأكيداً ما روي عنه مرسلاً، من قوله:
«تحت كلّ شعرة جنابـة، فبلّوا الـشعر، و أنقوا الـبشرة».
و استدلّ أيضاً بالأمر بمبا لـغـة الـنساء في غسل رؤوسهنّ في حسنـة جميل، وصحيحـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمتين، و بقول الـصادق في حسنـة الـكاهلي:
«مرها أن تروي رأسها من الـماء، و تعصره حتّى يروى، فإذا روى فلا بأس عليها» ...» انتهى ملخّصاً.
أقول: يرد على ما أفاده أوّلاً: أنّ دعوى صدق الـجسد على الـشعر حقيقـة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 1، الـحديث 5.
(الصفحة 102)
ممنوعـة، و مجازاً غير مفيدة، و كذا دعوى صدق الـرأس على الـشعر الـمتدلّي عليه و على اللحيـة غير واضحـة، فإنّ الـرأس اسم للعضو الـمخصوص.
و الـفرق بين الـمقام، و بين الـوضوء، ما عرفت من كون الـشعر في الـيد دقيقاً غا لـباً، و معدوداً من توابع الـيد، و هذا أيضاً يجب غسله في باب الـغسل، و الـكلام الآن في الـشعر الـذي لايكون كذلك، كشعر الـرأس.
ا لـلّهم، إلاّ أن يقال: بأنّه و إن لم يكن من توابع الـرأس، أو الـجسد، إلاّ أنّ الـمتفاهم من الأمر بغسل الـجسد كلّه من لدن قرنه إلى قدمه هو لزوم غسل ما هو أعمّ من الـشعر، كما يظهر بمراجعـة الـعرف.
نعم، ذكر في «ا لـمصباح» أنّه يفهم ارادة غسله إرادة تبعيـة، لا أصليـة، و معناها أنّ غسله و إن كان مراداً للمولى، إلاّ أنّه حيث كانت الإرادة الـمتعلّقـة به إرادة تبعيـة، لاتقدح مخا لـفتها و عدم رعايتها في مقام الـعمل.
ولكن لايخفى أنّ الـتبعيـة الـخارجيـة لاتقتضي الـتبعيـة في مقام الإرادة، و لامجال لتعلّق الإرادة و جواز الـمخا لـفـة، مع أنّك عرفت عدم كون الـتبعيـة خارجيّـة أيضاً، كما هو الـمفروض في هذه الـصورة.
و أمّا ما أفاده ثانياً: فالإنصاف أنّه لايخلو من وجه، كما أنّ ما أفاده ثا لـثاً أيضاً كذلك، فإنّه لامساغ للتأويل في الـصحيحـة، و حملها على كون الـمراد مقدار الـشعرة.
و أمّا الـمرسلـة فهي ظاهرة في خلاف ما ذكره; لأنّ مفادها ثبوت وصف الـجنابـة لما هو تحت الـشعرة، لا لنفسها، و عليه فالأمر ببلّ الـشعر إنّما هو لأجل ترتّب غسل ما هو متّصف با لـجنابـة عليه، خصوصاً مع قوله بعده:
«و أنقوا الـبشرة».
وأمّا الأمر بمبا لـغة الـنساء في غسل رؤوسهنّ، كما تدلّ عليه الروايتان، فلادلالة
(الصفحة 103)
له على وجوب غسل الـشعر من حيث هو، كما أنّه لادلالـة له على الـعدم، بل هو يجتمع مع كلا الاحتما لـين.
نعم، دلالته على لزوم غسل الـبشرة في الـرأس واضحـة ظاهرة، و لعلّ مثله هو الـذي أوجب الـفرق بين الـمقام، و بين باب الـوضوء، حيث يكتفى في غسل الـوجه فيه بغسل الـمقدار الـمتدلّي من اللحيـة به، و لايلزم غسل الـبشرة الـمحاطـة به، لما عرفت من عدم لزوم الـتخليل، و أنّه لا فرق بين الـشعر الـكثيف و الـخفيف أصلاً، و لايكتفى في غسل الـرأس ـ مثلاً ـ في الـغسل بغسل ظاهر الـشعر الـمحيط به.
و أما حسنـة الـكاهلي فلا بأس بنقلها بتمامها، ثمّ ملاحظـة مفادها، فنقول: قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): إنّ الـنساء الـيوم أحدثن مشطاً، تعمد إحداهنّ إلى الـقرامل من الـصوف، تفعله الـماشطـة، تصنعه مع الـشعر، ثمّ تحشوه با لـرياحين، ثمّ تجعل عليه خرقـة رقيقـة، ثمّ تخيطه بمَسلّـة، ثمّ تجعلها في رأسها، ثمّ تصيبها الـجنابـة.
فقال:
«كان الـنساء الاُول إنّما يتمشّطن الـمقاديم، فإذا أصابهنّ الـغسل تغدر، مرها أن تروي رأسها من الـماء، و تعصره حتّى يروى، فإذا روى فلا بأس عليها».
قال: قلت: فا لـحائض.
قال:
«تنقض الـمشطـة نقضاً».(1)
قال صاحب «ا لـمنتقى»: «تغدر: معناه تترك الـشعر على حا لـه، و لا تنقضه»، وقال في «ا لـقاموس»: «أغدره: تركه و أبقاه كغادره».
و مثلها موثّقـة عمّار بن موسى الـساباطي، أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـمرأة تغتسل، و قد امتشطت بقرامل، و لم تنقض شعرها، كم يجزيها من الـماء؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 5.