(الصفحة 283)
في فقراء الشيعة غير السادة وغيرهما من الاُمور الراجعة إلى بقاء الشريعة وحفظ كيان الشيعة من الأبنية وغيرها ، وذلك لأنّ ثبوت الولاية العامّة للفقيه والمجتهد لا يقتضي جواز صرفه في أيّ مصرف شاء ولو لم يرتبط بالاُمور الدينيّة .
واحتمال كون الوظيفة في عصر الغيبة الكبرى هو حفظ سهم الإمام(عليه السلام)بعينه بما يشابه الدفن كالجمع في البنوك والوصية بذلك عند ظهور آثار الموت مدفوع:
أوّلاً: بأنّه لم يرد الشارع قطعاً ركود الثروة المالية وإخراجها عن الاستغلال ، ولذا نرى منه تشريع المضاربة الذي مرجعه إلى كون المال من واحد والعمل من آخر .
وثانياً: باحتياج حفظ الشعائر وبقاء كيان الشيعة إلى الماليّة ، ونحن نرى بالوجدان أنّ هذه الحوزات العلمية المؤثِّرة كاملاً في ترويج الشيعة لها احتياج إلى الجهات المالية بصورة الراتب الشهري ، ولا يكفي في ذلك الأوقاف المنطبقة ولو مع التمكّن منها .
وقد نقل لي بعض الثقات المطّلعين أنّ الرئيس الأعظم للمسيحيّين المسمّى بـ «البابا» كان تحت نظره مليونان من الروحانيين المسمّين بـ «القسّيس» في تمام نقاط العالم ، وعمدة مخارجهم تحصل من النذورات البالغة في السنة بخمسين مليار دولاراً ، مع أنّ كلّ دولار في هذا الزمان له قيمة ثمانمائة تومان ، ولهم غير النذورات إعانات اُخرى ، فهل يجوز مع هذه الموقعيّة عدم صرف سهم الإمام(عليه السلام) في الحوزات العلمية وإبقاؤه بالنحو الذي ذكرنا ، أم لابدّ من الصرف في المورد المذكور وما يشابهه ، مثل الأبنية في الموارد اللازمة وإعطاء فقراء الشيعة الذين يتأثّرون من الفقر كاملاً ؟ وقد حكي أنّ بعض المراجع العظام الساكن في النجف الأشرف قد يعطي سهم الإمام(عليه السلام) للشرطة غير الشيعة حفظاً لهم عن الإيذاء وإيجاد بعض
(الصفحة 284)
المحذورات للشيعة ، فتدبّر .
الأمر الثاني : إنّك قد عرفت(1) أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى احتياج صرف السادة العظام من المساكين وأبناء السبيل والأيتام إلى إذن المجتهد أعني مرجع تقليده أيضاً ; لأنّه وليّ المالك بعد عدم تشخّصه وعدم تعيّنه ، وإن كان يمكن المناقشة في ذلك بأنّ عدم التشخّص لا يستلزم التوقّف على الإذن ، وعدم ذكر اللام في الآية الشريفة بالإضافة إلى الأصناف الثلاثة الأخيرة لا يدلّ بل ولا يشعر بذلك أصلاً .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ زيادة الخمس على حاجة الأصناف في طول التاريخ سيّما في بعض المناطق من ناحية ، وعدم إرادة الشارع وعدم رضاه بتربية الفقر والفقراء من جهة عدم الاشتغال بشيء من الاُمور الرائجة في تهيئة المعاش من ناحية اُخرى ، ولزوم التبعيض من جهة استفادة بعضهم من الخمس كاملاً ومحروميّة البعض الآخر كذلك من ناحية ثالثة ، وغير ذلك من النواحي ، يقتضي أن يكون أمر سهم السادة أيضاً بيد المجتهد .
وما ذكرنا لو لم يوجب الفتوى بذلك فلا أقلّ من إيجابه الاحتياط ، خصوصاً مع أنّه لو كان أمره بيده يمكن له إجباره عليه بحيث لو لم يتحقّق الإجبار لم يدفع الخمس ، وخصوصاً مع أنّا نرى بالوجدان أنّ في بعض البلدان حيث إنّ أهله كان مقلّداً لمن لا يرى افتقار صرف سهم السادة إلى الإذن ، كيف وقع الاختلال من هذه الحيثية والنقيصة في الوجوه الشرعية الموجبة للخلل في أمر الراتب الشهري أحياناً ومحرومية الأصناف في الجملة ثانياً .
(الصفحة 285)
فالاحتياط للمقلّد يقتضي الرجوع إلى مرجع تقليده والعمل بإذنه ، كما أنّ الاحتياط للمجتهد أيضاً الاستئذان من بعض السادة بالإضافة إلى حقّهم ، كما حكي ذلك عن بعض الأعاظم من الفقهاء غير السادة ، فتدبّر .
وقد اعتبرنا في تعليقتنا على العروة إذن المجتهد في صرف سهم السادة احتياطاً(1) .
الأمر الثالث : قد عرفت(2) أنّ ملكيّة الله تعالى والرسول وذي القربى لنصف الخمس ليست هي ملكيّة اعتبارية كملكيّة زيد بالنسبة إلى داره ، بل المراد بها أولويّة التصرّف غير المنتقلة في الرسول والإمام (عليهما السلام) إلى الوارث وإن زاد الغاصب الأوّل قول «ما تركناه صدقة»(3) بعد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهماً ولا ديناراً» الذي يكون المقصود منه أنّه ليس من شأن النبي بما هو نبيّ أن يورّثهما ، بل كان من شأنه الاستفادة من الوحي النازل إليه كما لا يخفى . فهل الأمر بالإضافة إلى الأصناف الثلاثة الاُخرى المستحقّين للخمس كذلك؟ الظاهر العدم ، بل هي ملكية كسائر الأملاك .
ويمكن أن يقال : بأنّ الملكية بالإضافة إلى الله تعالى أيضاً ملكية اعتبارية وإن كان هو واجد للملكية الحقيقيّة بالنسبة إلى جميع ما غنمتم ، لا خصوص الخمس الذي يكون ظاهر الآية اختصاصه به تعالى وبالأصناف الخمسة الاُخرى; لتقديم الخبر على المبتدأ الدالّ على الحصر ، والجمع بين الملكيّتين ممّا لا مانع
- (1) الحواشي على العروة الوثقى : 195 مسألة 17 .
- (2) في ص268 .
- (3) السنن الكبرى للبيهقي 9 : 438 ـ 439 ح13007 ـ 13010 ، المسند لأحمد بن حنبل 1 : 342 ح1391 وص379 ح1550 ، وج3 : 490 ح9979 ، بحار الأنوار 28 : 104 .
(الصفحة 286)
منه ، كالجمع بين الملكيّة الاعتبارية لنا بالنسبة إلى مثل الثوب والدار ، مع أنّنا وجميع ما يتعلّق بنا ملك حقيقي لله تعالى على ما هو مفاد
{إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(1) وكان شائعاً في الأزمنة السابقة كتابة هذا الشعر الفارسي على جدار السيّارة حكاية عن مالكها :
- در حقيقت مالك اصلى خداست
در حقيقت مالك اصلى خداست
-
بهر روزى اين امانت نزد ماست
بهر روزى اين امانت نزد ماست
فكما أنّه لا مانع من أن يكون الشيء مملوكاً باعتبارين: الحقيقي والاعتباري ، كذلك لا مانع من اجتماع الجهتين بالإضافة إلى المالك ، والعلّة في عدم انتقال سهم الإمام(عليه السلام) إلى وارث الرسول أو الإمام إنّما هي كون المالك هي حيثيّة الرسالة والإمامة بالحيثيّة التقييديّة المانعة عن الانتقال إلى الوارث بما هو وارث ، فملكيّة الإمام لسهم الإمام وإن كانت ملكية اعتبارية ، إلاّ أنّها لا تنتقل إلى جميع الورثة كالدار المملوكة له مثلاً ، وإذا بنينا على ذلك يصير الطريق إلى ملكية السادة لسهم السادة سهلاً لا يكون مخالفاً لاتحاد السياق بوجه ; لأنّ المفروض كون الملكيّة في الجميع على نسق واحد .
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بتغاير الملكيّتين ، فإنّه مخالف لاتحاد السياق ، وقد أشرنا في أوّل كتاب الخمس إلى هذه الجهة ، وهذا كما في التعبير بـ «اللاّم» و«على» الشائع استعماله فينا في مثل الدين ، كقوله: «لزيد على عمرو كذا» ولكن هذا التعبير وقع في الكتاب بالإضافة إلى بعض العبارات كالحجّ في قوله تعالى :
{وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
- (1) سورة البقرة 2 : 156 .
(الصفحة 287)
الْبَيْتِ}(1) فإنّ المورد وإن كان فعلاً من أفعال المكلّف ، إلاّ أنّه لا ينافي مع كونه بجميع شؤونه وأفعاله ملكاً له تعالى ، ومع ذلك يكون المكلّف مديوناً له تعالى .
فانقدح أنّه لا مانع من أن تكون الملكية في الجميع ملكيّة اعتبارية ، كما لايخفى .
لكنّ الكلام في أنّه يجب البسط بالإضافة إلى الأصناف بل الأفراد ، فقد صرّح المشهور بعدم الوجوب في الأوّل ، والظاهر أنّه لا خلاف في عدم لزوم البسط في الثاني(2) ; لعدم إمكانه أصلاً ، ضرورة أنّ دفع الخمس إلى جميع أفراد الأصناف الثلاثة سواء كانوا في البلد أو غيره غير ممكن ، خصوصاً مع ما عرفت من الضمان في بعض مصاديق النقل من البلد إلى بلد آخر كما مرّ (3) . والظاهر عدم لزوم البسط على الأصناف أيضاً وإن كان ربما يتوهّم أنّ ظاهر الآية ذلك; لقلّة ابن السبيل في نفسه ، بل عدمه أحياناً وقيام السيرة على عدم الوجوب ، فيستفاد من ذلك أنّ المالك هو الكلّي الجامع بين الأصناف الثلاثة وهم الفقراء المحتاجون من أقرباء بني هاشم ، وعليه فيكون كلّ صنف مصرفاً له يجوز صرف نصف الخمس إليه بمقدار مؤونة سنته كما تقدّم .
ومنه يظهر عدم إمكان تحقّق الاستطاعة الموجبة لحجّة الإسلام من طريق أداء الخمس إليه; لعدم كونه جزءاً من المؤونة .
الأمر الرابع : في نقل جملة من أخبار التحليل :
منها : صحيحة الفضلاء ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ
- (1) سورة آل عمران 3 : 97 .
- (2) كفاية الأحكام: 44 ، مستند الشيعة 10 : 99 ـ 100 .
- (3) في ص272 ـ 273 .