(الصفحة 279)
وليس للتشييع حدّ معيّن ، والأولى أن يكون إلى الدفن ، ودونه إلى الصلاة عليه ، والأخبار في فضله كثيرة ، ففي بعضها : «أوّل تحفة للمؤمن في قبره غفرانه وغفران من شيّعه». وفي بعضها : «من شيّع مؤمناً لكلّ قدم يكتب له مائة ألف حسنة ، ويمحى عنه مائة ألف سيّئة ، ويرفع له مائة ألف درجة ، وإن صلّى عليه يشيّعه حين موته مائة ألف ملك يستغفرون له إلى أن يبعث». وفي آخر : «من مشى مع جنازة حتّى صلّى عليها له قيراط من الأجر ، وإن صبر إلى دفنه له قيراطان ، والقيراط مقدار جبل اُحد». وفي بعض الأخبار : «يؤجر بمقدار ما مشى معها» .
وأمّا آدابه فهي اُمور :
أحدها : أن يقول إذا نظر إلى الجنازة :
«إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، الله أكبر ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، اللّهمّ زدنا إيماناً وتسليماً ، الحمد لله الذي تعزّز بالقدرة وقهر العباد بالموت» وهذا لا يختصّ بالمشيّع، بل يستحبّ لكلّ من نظر إلى الجنازة ، كما أنّه يستحبّ له مطلقاً أن يقول :
«الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم» .
الثاني : أن يقول حين حمل الجنازة :
«بسم الله وبالله ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد ، اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات» .
الثالث : أن يمشي، بل يكره الركوب إلاّ لعذر . نعم، لا يكره في الرجوع .
الرابع : أن يحملوها على أكتافهم لا على الحيوان إلاّ لعذر كبعد المسافة .
الخامس : أن يكون المشيّع خاشعاً متفكِّراً متصوِّراً أنّه هو المحمول ويسأل الرجوع إلى الدنيا فاُجيب .
السادس : أن يمشي خلف الجنازة أو طرفيها ولا يمشي قدّامها ، والأوّل أفضل من الثاني ، والظاهر كراهة الثالث خصوصاً في جنازة غير المؤمن .
السابع : أن يلقى عليها ثوب غير مزيّن .
(الصفحة 280)
الثامن : أن يكون حاملوها أربعة .
التاسع : تربيع الشخص الواحد بمعنى حمله جوانبها الأربعة ، والأولى الابتداء بيمين الميّت يضعه على عاتقه الأيمن، ثمّ مؤخّرها الأيمن على عاتقه الأيمن، ثمّ مؤخّرها الأيسر على عاتقه الأيسر، ثمّ ينتقل إلى المقدّم الأيسر واضعاً له على العاتق الأيسر يدور عليها .
العاشر : أن يكون صاحب المصيبة حافياً واضعاً رداءه أو يغيّر زيّه على وجه آخر بحيث يعلم أنّه صاحب المصيبة .
ويكره اُمور :
أحدها : الضحك واللعب واللّهو .
الثاني : وضع الرداء من غير صاحب المصيبة .
الثالث : الكلام بغير الذكر والدعاء والاستغفار ، حتّى ورد المنع عن السلام على المشيّع .
الرابع : تشييع النساء الجنازة وإن كانت للنساء .
الخامس : الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميّت ، ولا سيّما إذا كان بالعَدو ، بل ينبغي الوسط في المشي .
السادس : ضرب اليد على الفخذ أو على الأُخرى .
السابع : أن يقول المصاب أو غيره : «ارفقوا به» أو «استغفروا له» أو «ترحّموا عليه» وكذا قول : «قفوا به» .
الثامن : اتباعها بالنار ولو مجمرة إلاّ في الليل، فلا يكره المصباح .
التاسع : القيام عند مرورها إن كان جالساً إلاّ إذا كان الميّت كافراً لئلاّ يعلو على المسلم .
العاشر : قيل : ينبغي أن يمنع الكافر والمنافق والفاسق من التشييع .
(الصفحة 281)
فصل
في الصلاة على الميّت
تجب الصلاة على كلّ مسلم من غير فرق بين العادل والفاسق، والشهيد وغيرهم، حتّى المرتكب للكبائر، بل ولو قتل نفسه عمداً ، ولا تجوز على الكافر بأقسامه حتّى المرتدّ فطريّاً أو مليّاً مات بلا توبة ، ولا تجب على أطفال المسلمين إلاّ إذا بلغوا ستّ سنين . نعم، تستحبّ(1) على من كان عمره أقلّ من ستّ سنين ، وإن كان مات حين تولّده بشرط أن يتولّد حيّاً ، وإن تولّد ميّتاً فلا تستحبّ أيضاً ، ويلحق بالمسلم في وجوب الصلاة عليه من وجد ميّتاً في بلاد المسلمين ، وكذا لقيط دار الإسلام، بل دار الكفر(2) إذا وجد فيها مسلم يحتمل كونه منه .
[942] مسألة 1 : يشترط في صحّة الصلاة أن يكون المصلّي مؤمناً، وأن يكون مأذوناً من الوليّ على التفصيل الذي مرّ سابقاً، فلا تصحّ من غير إذنه جماعة كانت أو فرادى .
[943] مسألة 2 : الأقوى صحّة صلاة الصبي المميّز ، لكن في إجزائها عن المكلّفين البالغين إشكال .
[944] مسألة 3 : يشترط أن تكون بعد الغسل والتكفين ، فلا تجزئ قبلهما ولو في أثناء التكفين، عمداً كان أو جهلا أو سهواً . نعم، لو تعذّر الغسل والتيمّم أو التكفين أو كلاهما لاتسقط الصلاة ، فإن كان مستور العورة فيصلّى عليه ، وإلاّ
- (1) في الاستحباب تأمّل وإشكال.
- (2) على الأحوط.
(الصفحة 282)
يوضع في القبر وتغطّى عورته بشيء من التراب أو غيره ويصلّى عليه ، ووضعه في
القبر على نحو وضعه خارجه للصلاة ، ثمّ بعد الصلاة يوضع على كيفيّة الدفن .
[945] مسألة 4 : إذا لم يمكن الدفن لا يسقط سائر الواجبات من الغسل والتكفين والصلاة . الحاصل كلّ ما يتعذّر يسقط وكلّ ما يمكن يثبت ، فلو وجد في الفلاة ميّت ولم يمكن غسله ولا تكفينه ولا دفنه يصلّى عليه ويخلّى ، وإن أمكن دفنه يدفن .
[946] مسألة 5 : يجوز أن يصلّي على الميّت أشخاص متعدّدون فرادى في زمان واحد ، وكذا يجوز تعدّد الجماعة، وينوي كلّ منهم الوجوب ما لم يفرغ منها أحد ، وإلاّ نوى بالبقيّة الاستحباب ، ولكن لا يلزم قصد الوجوب والاستحبات ، بل يكفي قصد القربة مطلقاً .
[947] مسألة 6 : قد مرّ سابقاً(1) أنّه إذا وجد بعض الميّت، فإن كان مشتملا على الصدر أو كان الصدر وحده، بل أو كان بعض الصدر المشتمل على القلب، أو كان عظم الصدر بلا لحم وجب الصلاة عليه ، وإلاّ فلا . نعم، الأحوط الصلاة على العضو التامّ من الميّت، وإن كان عظماً كاليد والرجل ونحوهما، وإن كان الأقوى خلافه . وعلى هذا فإن وجد عضواً تامّاً وصلّى عليه ثمّ وجد آخر فالظاهر الاحتياط بالصلاة عليه أيضاً إن كان غير الصدر أو بعضه مع القلب، وإلاّ وجبت .
[948] مسألة 7 : يجب أن تكون الصلاة قبل الدفن .
[949] مسألة 8 : إذا تعدّد الأولياء(2) في مرتبة واحدة وجب الاستئذان من الجميع على الأحوط ، ويجوز لكلّ منهم الصلاة من غير الاستئذان عن الآخرين ، بل يجوز أن يقتدى بكلّ واحد منهم مع فرض أهليّتهم جماعة .
- (1) مرّ الكلام فيه.
- (2) مرّ الكلام فيه في الغسل.
(الصفحة 283)
[950] مسألة 9 : إذا كان الوليّ امرأة يجوز لها المباشرة من غير فرق بين أن يكون الميّت رجلا أو امرأة ، ويجوز لها الإذن للغير كالرجل من غير فرق .
[951] مسألة 10 : إذا أوصى الميّت بأن يصلّي عليه شخص معيّن، فالظاهروجوب إذن الولي له ، والأحوط له الاستئذان من الوليّ ، ولا يسقط اعتبار إذنه بسبب الوصيّة، وإن قلنا بنفوذها ووجوب العمل بها .
[952] مسألة 11 : يستحبّ إتيان الصلاة جماعة ، والأحوط بل الأظهر اعتبار اجتماع شرائط الإِمامة فيه من البلوغ، والعقل، والايمان، والعدالة، وكونه رجلا للرجال، وأن لا يكون ولد زنا ، بل الأحوط اجتماع شرائط الجماعة أيضاً من عدم الحائل، وعدم علوّ مكان الإمام، وعدم كونه جالساً مع قيام المأمومين، وعدم البعد بين المأمومين والإمام وبعضهم مع بعض .
[953] مسألة 12 : لا يتحمّل الإمام في الصلاة على الميّت شيئاً عن المأمومين .
[954] مسألة 13 : يجوز في الجماعة أن يقصد الإمام وكلّ واحد من المأمومين الوجوب ; لعدم سقوطه ما لم يتم واحد منهم .
[955] مسألة 14 : يجوز أن تؤمّ المرأة جماعة النساء ، والأولى بل الأحوط أن تقوم في صفّهنّ ولا تتقدّم عليهنّ .
[956] مسألة 15 : يجوز صلاة العراة على الميّت فرادى وجماعة ، ومع الجماعة يقوم الإمام في الصف كما في جماعة النساء ، فلا يتقدّم ولا يتبرّز ، ويجب عليهم ستر عورتهم ولو بأيديهم ، وإذا لم يمكن يصلّون جلوساً .
[957] مسألة 16 : في الجماعة من غير النساء والعراة الأولى أن يتقدّم الإمام
- (1)
بل الأحوط كما في الاستئذان.