(الصفحة 102)
ممنوعـة، و مجازاً غير مفيدة، و كذا دعوى صدق الـرأس على الـشعر الـمتدلّي عليه و على اللحيـة غير واضحـة، فإنّ الـرأس اسم للعضو الـمخصوص.
و الـفرق بين الـمقام، و بين الـوضوء، ما عرفت من كون الـشعر في الـيد دقيقاً غا لـباً، و معدوداً من توابع الـيد، و هذا أيضاً يجب غسله في باب الـغسل، و الـكلام الآن في الـشعر الـذي لايكون كذلك، كشعر الـرأس.
ا لـلّهم، إلاّ أن يقال: بأنّه و إن لم يكن من توابع الـرأس، أو الـجسد، إلاّ أنّ الـمتفاهم من الأمر بغسل الـجسد كلّه من لدن قرنه إلى قدمه هو لزوم غسل ما هو أعمّ من الـشعر، كما يظهر بمراجعـة الـعرف.
نعم، ذكر في «ا لـمصباح» أنّه يفهم ارادة غسله إرادة تبعيـة، لا أصليـة، و معناها أنّ غسله و إن كان مراداً للمولى، إلاّ أنّه حيث كانت الإرادة الـمتعلّقـة به إرادة تبعيـة، لاتقدح مخا لـفتها و عدم رعايتها في مقام الـعمل.
ولكن لايخفى أنّ الـتبعيـة الـخارجيـة لاتقتضي الـتبعيـة في مقام الإرادة، و لامجال لتعلّق الإرادة و جواز الـمخا لـفـة، مع أنّك عرفت عدم كون الـتبعيـة خارجيّـة أيضاً، كما هو الـمفروض في هذه الـصورة.
و أمّا ما أفاده ثانياً: فالإنصاف أنّه لايخلو من وجه، كما أنّ ما أفاده ثا لـثاً أيضاً كذلك، فإنّه لامساغ للتأويل في الـصحيحـة، و حملها على كون الـمراد مقدار الـشعرة.
و أمّا الـمرسلـة فهي ظاهرة في خلاف ما ذكره; لأنّ مفادها ثبوت وصف الـجنابـة لما هو تحت الـشعرة، لا لنفسها، و عليه فالأمر ببلّ الـشعر إنّما هو لأجل ترتّب غسل ما هو متّصف با لـجنابـة عليه، خصوصاً مع قوله بعده:
«و أنقوا الـبشرة».
وأمّا الأمر بمبا لـغة الـنساء في غسل رؤوسهنّ، كما تدلّ عليه الروايتان، فلادلالة
(الصفحة 103)
له على وجوب غسل الـشعر من حيث هو، كما أنّه لادلالـة له على الـعدم، بل هو يجتمع مع كلا الاحتما لـين.
نعم، دلالته على لزوم غسل الـبشرة في الـرأس واضحـة ظاهرة، و لعلّ مثله هو الـذي أوجب الـفرق بين الـمقام، و بين باب الـوضوء، حيث يكتفى في غسل الـوجه فيه بغسل الـمقدار الـمتدلّي من اللحيـة به، و لايلزم غسل الـبشرة الـمحاطـة به، لما عرفت من عدم لزوم الـتخليل، و أنّه لا فرق بين الـشعر الـكثيف و الـخفيف أصلاً، و لايكتفى في غسل الـرأس ـ مثلاً ـ في الـغسل بغسل ظاهر الـشعر الـمحيط به.
و أما حسنـة الـكاهلي فلا بأس بنقلها بتمامها، ثمّ ملاحظـة مفادها، فنقول: قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): إنّ الـنساء الـيوم أحدثن مشطاً، تعمد إحداهنّ إلى الـقرامل من الـصوف، تفعله الـماشطـة، تصنعه مع الـشعر، ثمّ تحشوه با لـرياحين، ثمّ تجعل عليه خرقـة رقيقـة، ثمّ تخيطه بمَسلّـة، ثمّ تجعلها في رأسها، ثمّ تصيبها الـجنابـة.
فقال:
«كان الـنساء الاُول إنّما يتمشّطن الـمقاديم، فإذا أصابهنّ الـغسل تغدر، مرها أن تروي رأسها من الـماء، و تعصره حتّى يروى، فإذا روى فلا بأس عليها».
قال: قلت: فا لـحائض.
قال:
«تنقض الـمشطـة نقضاً».(1)
قال صاحب «ا لـمنتقى»: «تغدر: معناه تترك الـشعر على حا لـه، و لا تنقضه»، وقال في «ا لـقاموس»: «أغدره: تركه و أبقاه كغادره».
و مثلها موثّقـة عمّار بن موسى الـساباطي، أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـمرأة تغتسل، و قد امتشطت بقرامل، و لم تنقض شعرها، كم يجزيها من الـماء؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 5.
(الصفحة 104)
قال:
«مثل الـذي يشرب شعرها، و هو ثلاث حفنات على رأسها، و حفنتان على الـيمين، و حفنتان على الـيسار، ثمّ تمرّ يدها على جسدها كلّه».(1)
و الـظاهر أنّ الـحسنـة لاظهور فيها في وجوب غسل الـشعر، و أنّ وجوب عصر الـرأس بما عليه من الـشعر إنّما يكون مقدّمـة لريّ الـرأس، خصوصاً بملاحظـة أنّ الـمشطـة با لـكيفيـة الـمذكورة فيها، تمنع عن وصول الـماء إلى كلّ شعرة، و نفوذه فيها، مع أنّ الـشعر يأبى عن نفوذ الـماء فيه، و الـعصر لايوجب كذلك.
و أمّا الـموثّقـة فيمكن حملها على كون شرب الـشعر مقدّمـة لريّ الـرأس، بأن يكون مجموعاً على الـرأس، ولكنّ الـظاهر دلالتها على وجوب شرب الـشعر أيضاً، و أنّ اختصاص الـرأس بثلاث حفنات دون الـيمين و الـيسار، اللذين يكفي فيهما حفنتان، إنّما هو لأجل ذلك، كما عرفت ظهور صحيحـة حجر في ذلك أيضاً.
و عليه فما يدلّ على عدم وجوب نقض الـمرأة شعرها إذا اغتسلت من الـجنابـة، لابدّ و أن يكون الـمراد منه عدم انحصار طريق وصول الـماء إلى الـشعر بنقضه، و إمكانه بدونه، كما أنّي أظنّ أن يكون الـمراد من الـنقض هو نقض الـمشطـة الـتي كان على الـرأس، و أن الـغرض بيان عدم لزوم نقضه في مقام الاغتسال، لإمكان إيصال الـماء إلى الـشعر بدونه، و يؤيّده ذكر كلمـة «ا لـنقض» في كثير من الـروايات الـمتقدّمـة في مورد الـتمشّط، خصوصاً با لـقرامل.
و على ما ذكرنا فالأحوط ـ لو لم يكن أقوى ـ هو وجوب غسل الـشعر، كما مال إليه في «ا لـحدائق» حاكياً له عن «ا لـحبل الـمتين» و بعض مشائخه، فتدبّر.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 38، الـحديث 6.
(الصفحة 105)
ا لـثا لـث: الـترتيب في الـترتيبى الـذي هو أفضل من الارتماسي، الـذي هو عبارة عن تغطيـة الـبدن في الـماء مقارناً للنيّـة، و يكفي فيها استمرار الـقصد ولو ارتكازاً.
و الـترتيب: عبارة عن غسل تمام الـرأس، و منه الـعنق، مدخلاً لبعض الـجسد معه مقدّمـة، ثمّ تمام الـنصف الأيمن، مدخلاً لبعض الأيسر و بعض الـعنق معه مقدّمـة.
و الأحوط الأولى إدخال تمام الـجانب الأيمن من الـعنق في الـنصف الأيمن، و إدخال بعض الـرأس معه مقدّمـة، ثمّ تمام الـنصف الأيسر، مدخلاً لبعض الأيمن و الـعنق معه مقدّمـة.
و الأحوط الأولى إدخال تمام الـجانب الأيسر من الـعنق في الـجانب الأيسر، و إدخال بعض الـرأس مقدّمـة، و تدخل الـعورة و الـسرّة في الـتنصيف الـمذكور، فيغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن، و نصفهما الأيسر مع الأيسر، إلاّ أنّ الأولى غسلهما مع الـجانبين، و الـلازم استيعاب الأعضاء الـثلاثـة با لـغسل بصبّـة واحدة، أو أكثر، بفرك، أو دلك، أو غير ذلك1 .
ا لـثا لـث: الـترتيب في الـترتيبي
(1) للغسل كيفيتان:
إحداهما: الـترتيبي الـذي هو أفضل من الارتماسي، و الـدليل على الأفضليـة هو ورود الأمر به في كثير من الـروايات الـواردة في كيفيـة الـغسل، ولكنّه محمول على الاستحباب، جمعاً بينها، و بين ما دلّ على إجزاء الارتماسي.
و قد ورد في بعض الـروايات الـجمع بين الـكيفيتين، و لأجله يشكل الـحكم
(الصفحة 106)
بالأفضليه; نظراً إلى شهادة هذا الـبعض بكون كلّ من الـطائفتين إنّما تدلّ على بيان واحدة من الـكيفيتين، من دون أن تكون هناك فضيلـة في الـبين.
و إن شئت قلت: إنّ الأمر الـوارد في الـطائفـة الاُولى ـ و إن كان في نفسه ظاهراً في الـوجوب الـتعييني ـ إلاّ أنّ الـطائفـة الـثانيـة قرينـة على كون الـمراد هو الـتخييري، فلايبقى وجه للدلالـة على الـفضيلـة، ولكنّ الأمر سهل.
و كيف كان: فا لـكلام يقع في غسل الـرأس من جهتين:
الاُولى: في لزوم تقديم غسله على الـجانبين في الـغسل الـترتيبي، الـذي هو مفروض الـكلام، و قد ادّعى الإجماع صريحاً، أو ظاهراً، جماعـة كثيرة من الـمتقدّمين و الـمتأخّرين، و لم ينقل الـتصريح با لـخلاف فيه من أحد.
نعم، عن ظاهر الـصدوقين عدم الـوجوب، لكن في آخر كلامهما قد صرّحا بوجوب الإعادة لو لم يقدّم الـرأس.
كما أنّه نسب الـخلاف إلى إشعار كلام الإسكافي، من دون أن يكون له تصريح بذلك، و الـعمدة في الـباب هي الـروايات الـمستفيضـة; لظهور كون الإجماع ـ على تقدير ثبوته ـ مستند إليها، من دون أن يكون له أصا لـة.
منها: صحيحـة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سأ لته عن غسل الجنابة.
فقال:
«تبدأ بكفيك فتغسلهما، ثمّ تغسل فرجك، ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثاً، ثمّ تصبّ على سائر جسدك مرّتين، فما جرى عليه الـماء فقد طهر».(1)
و منها: صحيحـة زرارة أو حسنته قال: قلت: كيف يغتسل الـجنب؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 1.