(الصفحة 140)
ثمّ لو كان مفاد الـروايات سقوط الـترتيب في الـمطر، كما في الارتماس، فهل يجوز الـتعدّي عن الـمطر إلى غيره، كا لـمجرى و الـميزاب، أو لايجوز، فلا يسقط فيهما فضلاً عن الـصبّ بالإناء دفعـة واحدة؟
ا لـظاهر أنّه لا وجه للتعدّي; لأنّ سقوط الـترتيب في الـمطر يمكن أن يكون لأجل خصوصيـة فيه غير موجودة في الـميزاب و نحوه، فلا وجه للإلحاق الـذي اختاره الـشيخ و الـعلاّمـة، فضلاً عمّا اختاره بعض آخر.
و يمكن أن يوجّه الإلحاق بأنّ أصل اعتبار الـترتيب لم يثبت من الأدلّـة اللفظيـة، بل الـدليل عليه إنّما هو الإجماع، و الـقدر الـمتيقّن من معقده غير الـمطر و شبهه، فلا دليل على اعتبار الـترتيب في مثله.
و يحتمل أن يقال بعدم اعتبار الـترتيب رأساً; لأنّ الأخبار الـدالّـة عليه جاريـة مجرى الـعادة، أو محمولـة على بيان أفضل الأفراد، و عليه فلا فرق بين أنواع غسل الـجسد أصلاً.
ولكنّك عرفت فيما تقدّم بطلان كلا الاحتما لـين; لأنّ الـترتيب لا ينحصر دليله بالإجماع، بل الـعمدة في دليله هى الـروايات الـواردة فيه، الـدالّـة عليه، و لا مجال لحملها على كونها جاريـة مجرى الـعادة، بعد ظهورها في اعتبار الـترتيب.
كما أنّك عرفت أنّ روايات الـغسل في الـمطر لا تفي بسقوط الـترتيب فيه، فلا مجال للغسل الارتماسي في الـمطر، مع عدم إحاطـة الـماء بجميع الـبدن في آن واحد.
نعم، لوكان غزيراً بحيث أحاط بجميعه كذلك، لامانع من الـغسل تحته، كما أنّه في الميزاب وا لمجرى إذا كانا كذلك، لايقدح الـغسل الارتماسي تحتهما; لصدق الارتماس فيها، فيدلّ على حكمها نصوص الارتماس، من دون حاجـة إلى نصّ خاصّ، كما لايخفى.
(الصفحة 141)
ا لـرابع: من الواجبات إطلاق الـماء و طهارته و إباحته، بل الأحوط إباحـة الـمكان، و الـمصبّ، و الآنيـة، و إن كان عدم الاشتراط فيها لا يخلو من وجه.
و يعتبر أيضاً الـمباشرة اختياراً، و عدم الـمانع من استعمال الـماء لمرض و نحوه، على ما مرّ في الـوضوء، و كذا طهارة الـمحلّ الـذي يراد إجراء ماء الـغسل عليه، فلو كان نجساً طهّره أوّلاً، ثمّ أجرى الـماء عليه للغسل1 .
مسأ لـة 1: إذا كان قاصداً عدم إعطاء الاُجرة للحمّامي، أو كان بنائه على إعطائها من الـحرام، أو على الـنّسيـة من غير تحقّق رضا الـحمّامي، بطل غسله و إن استرضاه بعده.(2).
ا لـرابع: سائر الـواجبات
(1) قد تقدّم الـبحث في اعتبار هذه الاُمور في باب الـوضوء، و لا حاجـة إلى الإعادة; لعدم خصوصيـة للوضوء فيها، فيجري الـكلام هنا، فراجع.
(2) أمّا الـفرض الأوّل: فقد اُورد على أصل الـحكم با لـبطلان فيه في «ا لـمستمسك»، بأنّ هذا يتمّ إذا كان الالتزام بإعطاء الاُجرة من مقوّمات الـمعاملـة مع الـحمّامي، كما إذا كان مضمونها إباحـة الـتصرّف في الـماء، بشرط الالتزام بالإعطاء، فإنّ الـبناء على عدم الإعطاء مناف للمعاملـة، فلا يجوز الـتصرّف، و كذا لو كانت الإباحـة معلّقـة على الإعطاء الـخارجي، فإنّه مع الـبناء على عدم الإعطاء لم يحرز الإباحـة، فيحرم عليه الـتصرّف.
أمّا لو كان الإعطاء خارجاً عن قوام الـمعاملـة، كما إذا كانت إباحـة بشرط الـضمان، أو إجارة بما في الـذمّـة، فا لـبناء على عدم الإعطاء لا ينافي تحقّق الـمعاملـة الـمصحّحـة للتصرّف. نعم ذلك ينافي الالتزام با لـوفاء بها، لكنّ الالتزام
(الصفحة 142)
ا لـمذكور لا يتوقّف عليه جواز الـتصرّف، فلا موجب للبطلان.
أقول: يمكن الإيراد عليه بأنّ كون الالتزام بإعطاء الاُجرة من مقوّمات الـمعاملـة، لا يوجب الـحكم با لـبطلان في هذا الـفرض; لأنّ الالتزام الـمذكور لا ينافي قصد عدم إعطاء الاُجرة، لأنّه ليس الـمراد بالالتزام هو الالتزام الـقلبي غير الـمجتمع مع قصد عدم الإعطاء، بل الـمراد به إمّا الالتزام اللفظي، أو الالتزام الـعملي الـعرفي الـحاصل بدخول الـحمّام و الـورود فيه، و شيء منهما لا ينافي قصد عدم الإعطاء.
و كذا فيما لو كانت الإباحـة معلّقـة على الإعطاء الـخارجي، يكون الـمعلّق عليه هو نفس تحقّق الإعطاء في الـخارج، بعد الاستفادة من ماء الـحمّام والاغتسال فيه، سواء كان من قصده الإعطاء من أوّل الأمر أم لم يكن.
بل ولو كان من قصده عدم الإعطاء، ثمّ بدا له الإعطاء بعد الـغسل، فا لـبناء على عدم الإعطاء حين الـدخول في الـحمّام لا يوجب عدم تحقّق الـمعلّق عليه، و على فرضه فالإباحـة غير ثابتـة قطعاً، و الـتعبير بعدم الإحراز كما في كلامه غير مناسب، فلابدّ من جعل مفروض الـمسأ لـة ما هو الـمتعارف في الـحمام با لـنسبـة إلى الـداخلين فيه، من كون الإباحـة معلّقـة على نفس الإعطاء الـخارجي بعد الـخروج من الـحمّام، و الاستفادة من مائه بلا فصل، و جعل مورد الـحكم با لـبطلان فيه هو ما إذا لم يتحقّق الإعطاء كذلك و إن تحقّق بعد زمان، فإنّه في هذا الـفرض حيث لم يتحقّق الـمعلّق عليه، لأنّ الـبناء من أوّل الأمر كان على عدم إعطاء الاُجرة، يكون الـغسل باطلاً; لعدم كون الـتصرّف في الـماء مباحاً له أصلاً.
و منه يظهر وجه الـحكم با لـبطلان في الـفرض الـثاني، و كذا الـفرض الـثا لـث، فإنّ مقصود الـحمّامي هو وصول اُجرة محلّلـة إليه بلا فصل، فإعطائها من الـحرام، و كذا
(الصفحة 143)
ا لـنسيئـة الـتي ترجع إلى تأخير الإعطاء، يوجب عدم تحقّق الإباحـة، فا لـغسل باطل.
و أمّا تعميم الـحكم با لـبطلان لصورة الاسترضاء منه بعده أيضاً، الـظاهر في كون الـرضا متأخّراً عن الـخروج عن الـحمّام بزمان كا لـيوم و نحوه، فا لـوجه فيه أنّ الـرضا الـلاحق لا يوجب تغيير حكم الـفعل، و تبدّله من الـحرمـة إلى الإباحـة; لامتناع جعل الـحكم الـتكليفي بالإضافـة إلى الأزمنـة الـماضيـة با لـنسبـة إلى زمان الـجعل.
و الـوجه في الاجتزاء با لـرضا الـلاحق في الـمعاملات، كا لـبيع الإكراهي، بناء على كون صحّته مع الـرضا الـلاحق على طبق الـقاعدة، هو أنّه لا يستفاد من أدلّـة اعتبار الـرضا في صحّـة الـبيع لزوم مقارنته مع عقده، فيصحّ من دون مقارنـة، غايـة الأمر أنّ الـتأثير و الـتأثّر إنّما يقع من حين الـرضا، و لذا يكون مقتضى الـقاعدة فيه و في بيع الـفضولي كون الإجازة الـمتأخّرة ناقلـة، مؤثّرة في الـتمليك و الـتملّك من حين وقوعها، لا وقوع الـعقد.
و أمّا في الـمقام فالإباحـة متوقّفـة على تحقّق الـرضا، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه» و لا وجه لدعوى ثبوتها قبله، نظراً إلى كون الـرضا ملحوظاً بنحو يعمّ الـشرط الـمتأخّر أيضاً، فإنّ ذلك يحتاج إلى دليل و هو مفقود في الـمقام.
مع أنّه ربّما يقال على فرض صحّـة هذه الـدعوى: إنّه إنّما يوجب صحّـة الـغسل حين وقوعه على تقدير الـعلم با لـرضا الـلاحق، لا مع الـشكّ، لأصا لـة عدم الـرضا، فيكون تجرّياً مانعاً من صحّـة الـغسل، بناء على إيجابه الـعقاب، و إن تعقّبه الـرضا، ولكنّ الـتحقيق في صحّـة هذا الـمبنى في محلّه.
(الصفحة 144)
مسأ لـة 11: يشكل الـوضوء و الـغسل با لـماء الـمسبّل، إلاّ مع الـعلم بعموم الإباحـة من ما لـكه1 .
مسأ لـة 12: الـظاهر أنّ ماء غسل الـمرأة من الـجنابـة و الـحيض و الـنفاس، و كذا اُجرة تسخينه إذا احتاج إليه على زوجها.(2).
(1) وجه الإشكال عدم ثبوت إذن الـما لـك، و الـقدر الـمتيقّن هي إباحـة الـشرب منه، و أمّا مثل الـوضوء و الـغسل فلا، و منه يظهر أنّ مقتضى أصا لـة عدم الإذن عدم الـجواز، لا الإشكال فيه.
نعم، مع الـعلم بعموم الإباحـة من الـما لـك، سواء كان علماً حقيقياً، أو قائماً مقام الـعلم كا لـبيّنـة، أو ظهور كلام الـما لـك، أو عبارة الـوقف في الـعموم بنحو يكون حجّـة عند الـعقلاء، لا مانع من الـوضوء و الـغسل به.
(2) هذه مسأ لـة خلافيـة، فا لـثبوت على الـزوج هو مختار الـمتن تبعاً للشهيد في «ا لـذكرى»، و حكاه الـعلاّمـة في «ا لـمنتهى» عن جماعـة، و قد نسب إلى بعض الـتفصيل بين فقر الـزوجـة فعلى الـزوج، و غنائها فعليها، و اختاره الـعلاّمـة فيه، و عن صاحب «ا لـحدائق» الـتوقّف; لعدم الـنصّ.
و قد علّل الـثبوت على الـزوج في «ا لـعروة» بأ نّه يعدّ جزء من نفقتها، مع أنّ الـمنصوص با لـخصوص من الـنفقـة هو الإطعام و الـكسوة و الـسكنى.
وعلى فرض الـتعدّي، نظراً إلى إطلاق الأمر با لـنفقة في الـكتاب المجيد وغيره، و الإجماع، إنّما يكون ذلك بالإضافـة إلى مايتعلّق با لـمعاش دون المعاد، وإن كان يمكن الـجواب بأنّ ارتباط هذه الأغسال با لـزوج أوجب الـثبوت عليه، و عدّه من الـنفقـة، و
لذا لا يجب عليه ماء غسل الـمرأة من مسّ الـميت ـ مثلاً ـ، كما أنّه لا يجب عليه كفّارة إفطارها، ولايثبت عليه ضمان إتلافها، وغير ذلك من الموارد التي لاترتبط با لزوج بوجه.
|