(الصفحة 151)
و على ما أفاده الـشيخ (قدس سره): إباء الـتعليل الـواقع في بعض روايات الـطائفـة الاُولى عن الـحمل على الـعمد، كإباء الـتعليل الـواقع في بعض روايات الـطائفـة الـثانيـة عن الـحمل على الـنسيان، و الـتفصيل الـواقع في خبر أحمد لا يكون شاهداً على هذا الـجمع، لما عرفت من أنّ مفاده شرطيـة الـبول للغسل، و وجوب تجديده إذا لم يبل، و إن لم يخرج منه شيء، و هذا ممّا لم يلتزم به أحد.
فالإنصاف: أنّ الـجمع بينهما ممّا لا يمكن، و لابدّ من الأخذ با لـطائفـة الاُولى; لموافقتها للشهرة من حيث الـفتوى، الـتي هي أوّل الـمرجّحات في باب الـمتعارضين، على ما يستفاد من مقبولـة ابن حنظلـة الـمعروفـة، مقتضاها وجوب إعادة الـغسل مع عدم الـبول قبله، من دون فرق بين صورتي الـعمد و الـنسيان.
كما أنّه لا فرق بين ما إذا استبرء با لـخرطات بعد الـبول، و ما إذا لم يستبرء، فأثر الـبول قبله ارتفاع الـحكم بوجوب الإعادة، من دون أن يكون واجباً بنفسه، أو شرطاً في صحّـة الـغسل.
فما حكي عن جماعـة من الأصحاب من الـقول بوجوب الـبول، مدفوع بمنعه، سواء اُريد به الـوجوب الـشرطي، أو الـنفسي.
أمّا على الأوّل: فلما ادّعاه في محكي «ا لـمختلف» من الإجماع على عدم وجوب إعادة الـغسل على من أخلّ با لـبول، و وجد بللاً يعلم أنّه ليس بمنيّ، فعدم الـوجوب فيما إذا لم يجد بللاً بطريق أولى، و للروايات الـمتقدّمـة في الـطائفـة الاُولى، الـظاهرة في عدم الـشرطيـة، و كون الإعادة معلّقـة على خروج بلل مردّد بين الـمنيّ و غيره.
و أمّا على الـثاني: فجوابه واضح; لأنّ استفادة الـوجوب الـنفسي الـتعبّدي في مثل هذه الـموارد، خلاف ما هو الـمتفاهم عرفاً من الـروايات، فتدبّر.
(الصفحة 152)
ثمّ إنّه قد نقل عن الـجعفي الـقول بوجوب الـبول و الاستبراء كليهما قبل الـغسل، و عن بعض الأصحاب الـتصريح بأ نّه عند تعذّر الـبول يكتفى بالاجتهاد، أي الاستبراء، و عن «ا لـمبسوط» و «ا لـغنيـة» إيجابهما عليه مخيّراً، مع زيادة الـثاني إيجاب الاستبراء من الـبول، بل ادّعى الإجماع على ما ذهب إليه.
و يرد عليهم: منع الـوجوب مطلقاً، سواء اُريد به الـوجوب الـشرطي أو الـتعبّدي الـنفسي، كما عرفت.
نعم، لابدّ من الـبحث ـ بعد عدم كون الـبول واجباً، و إنّما فائدته ارتفاع الـحكم بوجوب الإعادة، بعد رؤيـة الـبلل الـمشتبه ـ في أنّه هل يقوم الاستبراء با لـخرطات مقام الـبول في هذه الـجهـة، أم لا؟
و الـظاهر الـعدم; لعدم نهوض دليل عليه من غير فرق بين صورة تعذّر الـبول و عدمه، نعم لو حصل له الـقطع بنقاء الـمجرى بسبب الاستبراء لا تجب الإعادة حينئذ; لأنّ مورد الـروايات الآمرة بالإعادة ما إذا احتمل أن يكون الـبلل من بقايا الـمنّيّ في الـمجرى، و إلاّ فمع الـقطع بكونه بولاً مثلاً لا تجب إعادة الـغسل، كما حكي ظهور الاتّفاق عليه، ولكنّ فرض حصول الـقطع بنقاء الـمجرى نادر الـتحقّق، قلمّا يحصل الـيقين بذلك، ولكن مع ذلك الاحتياط هو الإعادة في هذه الـصورة، و كذا فيما إذا كان منشأ حصول الـقطع له بنقاء الـمجرى طول الـمدّة، أو شيئاً آخر.
(الصفحة 153)
مسأ لـة 16: الـمجنب بسبب الإنزال لو اغتسل، ثمّ خرج منه بلل مشتبه بين الـمنيّ و الـبول، فإن لم يستبرئ با لـبول يحكم بكونه منيّاً، فيجب عليه الـغسل خاصّـة، و إن بال و لم يستبرئ با لـخرطات بعده يحكم بكونه بولاً، فيجب عليه الـوضوء خاصّـة.
و لا فرق في هاتين الـصورتين بين احتمال غيرهما من الـمذي و غيره، و عدمه.
و إن استبرء با لـبول و با لـخرطات بعده، فإن احتمل غير الـبول و الـمنيّ أيضاً، ليس عليه غسل و لا وضوء، و إن لم يحتمل غيرهما، فإن أوقع الأمرين قبل الـغسل، و خرج الـبلل الـمشتبه بعده، يجب الاحتياط با لـجمع بين الـغسل وا لـوضوء، و إن أوقعهما بعده، ثمّ خرج الـبلل الـمزبور، يكفي الـوضوء خاصّة1 .
في حكم خروج الـبلل الـمشتبه بعد الـغسل
(1) في هذه الـمسأ لـة فروع:
الأوّل: ما إذا اغتسل الـمجنب بالإنزال، ثمّ خرج منه بلل يجري فيه احتمال ا لـمنيّ و الـبول، سواء جرى فيه احتمال غيرهما، أم لم يجر، و لم يتحقّق الاستبراء با لـبول قبل الـغسل، و الـحكم فيه وجوب إعادة الـغسل فقط; لأنّ الـبلل محكوم بكونه منيّاً.
و الـدليل على الـحكم ما تقدّم من الـروايات الآمرة بالإعادة، مع عدم الـبول قبله، و مقتضى إطلاقها عدم الـفرق بين الـمشتبه من كلّ وجه، و بين الـمردّد بين الـبول و الـمنيّ، و لا وجه لتخصيصها بالأوّل، كما ربّما حكي عن ظاهر «تمهيد الـقواعد».
(الصفحة 154)
كما أنّ ظاهر الـروايات أنّ الـحكم بوجوب الإعادة إنّما هو لكون الـخارج محكوماً بكونه منيّاً، و أنّه من بقايا الـمنيّ الـخارج في الـمجرى.
و عليه فلا يبقى مجال لتوهّم أنّ مقتضى الـقاعدة وجوب الـجمع بين الـوضوء و الـغسل، مع تردّد الـبلل بين الـبول و الـمنيّ فقط، فإنّ الـجمع إنّما يجب فيما إذا لم يتعيّن أحد الـطرفين ولو شرعاً بمقتضى أصل أو أمارة، ضرورة أنّه مع الـتعيّن ينحلّ الـعلم الإجما لـي، و يسقط عن الـتأثير.
و إن شئت قلت: إنّ لزوم الاحتياط عقلاً إنّما هو مع عدم قيام دليل شرعي على الاكتفاء ببعض الأطراف، و مقتضى إطلاق نصوص الـمقام و شمولها لهذا الـفرض الاكتفاء بخصوص الـغسل، فلا يجب الـوضوء.
و الـسرّ فيه: ما ذكرناه في محلّه، من أنّ الـعلم الـمتعلّق با لـتكليف في مثل هذه الـموارد، ليس هو الـعلم الـوجداني بثبوت الـتكليف الـفعلي، و إلاّ فلا يجتمع مع الـترخيص ولو في بعض الأطراف، ولو كانت الـشبهـة غير محصورة، بل الـمراد به هي الـحجّـة الـقائمـة على ثبوته من إطلاق أو عموم أو شبههما، و من الـواضح أنّ شمول إطلاق نصوص الـمقام أظهر من أدلّـة ذلك الـتكليف، فتدبّر.
ا لـثاني: الـفرض الـسابق مع تحقّق الـبول قبل الـغسل، غايـة الأمر أنّه لم يتحقّق الاستبراء با لـخرطات بعده، و الـحكم فيه عدم وجوب إعادة الـغسل، و لزوم الـوضوء فقط.
أمّا عدم وجوب إعادة الـغسل: فللروايات الـمتقدّمـة، الـدالّـة على أنّ البول قبل الـغسل ينفي وجوب الإعادة بعده، و مقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين تحقّق الاستبراء با لـخرطات بعده، و عدم تحقّقه.
(الصفحة 155)
و أمّا لزوم الـوضوء فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى الـروايات الـمتقدّمـة في باب الاستبراء، الـدالّـة على أنّ البلل المشتبه مع عدم الاستبراء با لـخرطات محكوم بكونه بولاً ـ بعض الـروايات الـمتقدّمـة في هذا الـبحث، الـصريحـة في إيجاب الـوضوء مع تحقّق الـبول قبل الـغسل، كموثّقـة سماعـة، و روايـة معاويـة بن ميسرة الـمتقدّمتين.
نعم، هنا شيء و هو أنّ مقتضى إطلاقهما وجوب الـوضوء مع تحقّق الاستبراء با لـخرطات أيضاً، و لا يمكن الالتزام به، ولكنّهما محمولان على صورة عدم الاستبراء بها جمعاً بينهما، و بين ما دلّ على عدم الاعتناء با لـبلل الـخارج بعد الـبول إذا كان قد استبرء با لـخرطات، و على تقدير عدم إمكان الـجمع، و ثبوت الإطلاق لهما، فهو لا يقدح فيما هو الـحكم في هذا الـفرع، كما هو ظاهر.
ا لـثا لـث: ما إذا تحقّق الاستبراء با لـبول و با لـخرطات بعده معاً، فتارة يكون الـبلل مشتبهاً من كلّ وجه، و اُخرى يكون مردّداً بين خصوص الـمنيّ و الـبول.
ففي الـصورة الاُولى: لا يجب عليه شيء من الـغسل و الـوضوء; لعدم ثبوت دليل على الـتكليف عقلاً أو نقلاً، فلا مجرى إلاّ لأصا لـة الـبرائـة، أو استصحاب عدم خروج الـمنيّ أو الـبول.
و في الـصورة الـثانيـة: لابدّ من الـتفصيل بين ما إذا كان الأمران ـ و هما الاستبراء با لـبول و با لـخرطات ـ واقعين قبل الـغسل و خرج الـبلل بعده، و بين ما إذا كانا واقعين بعده، ثمّ خرج الـبلل الـمذكور:
ففي الـفرض الأوّل: لا محيص عن الـجمع بين الـوضوء و الـغسل; للعلم الإجما لـي بثبوت أحد الـتكليفين، و لا دليل على الاكتفاء بأحد الأمرين.
|