(الصفحة 156)
نعم، قد عرفت أنّ مقتضى إطلاق روايتي سماعـة و معاويـة الاكتفاء با لـوضوء في هذا الـفرض أيضاً، ولكن مقتضى الـجمع هو الـحمل على صورة عدم الاستبراء با لـخرطات، و على تقدير الـتعارض و الـتساقط، تصل الـنوبـة أيضاً إلى الـقاعدة الـموجبـة للجمع بين الأمرين.
و في الـفرض الـثاني: يكفي الـوضوء خاصّـة بسبب الـبول الـمتحقّق بعد الـغسل على ما هو الـمفروض، و لا أثر للعلم الإجما لـي بكون الـرطوبـة بولاً أو منيّاً هنا; لأنّ الـرطوبـة إذا كانت بولاً لم تؤثّر في إحداث تكليف جديد، بل كان وجوب الـوضوء ثابتاً لأجل الـبول الـحاصل قبل خروج الـرطوبـة، فا لـتكليف با لـوضوء معلوم و با لـغسل مشكوك، يجري فيه أصا لـة الـبرائـة، بعد عدم تأثير الـعلم الإجما لـي لأجل الـعلم الـتفصيلي بثبوت أحد طرفيه قبلاً، كما فيما إذا علم إجمالاً بنجاسـة أحد الإنائين نجاسـة حادثـة، و كان أحدهما معلوم الـنجاسـة تفصيلاً، فإنّ الـعلم الإجما لـي في مثله لا يصلح لإحداث تكليف جديد، بل ليس هنا إلاّ علم تفصيلي و شكّ بدوي، و هذا بخلاف ما إذا كان الـبول واقعاً قبل الـغسل، فإنّه لا يؤثّر في الـتكليف با لـوضوء.
(الصفحة 157)
مسأ لـة 17: لو خرجت بعد الإنزال و الـغسل رطوبـة مشتبهـة بين الـمنيّ و غيره، و شكّ في أنّه استبرء با لـبول أم لا، بنى على عدمه، فيجب عليه الـغسل، و مع احتمال كونه بولاً الأحوط ضمّ الـوضوء أيضاً1 .
(1) أمّا البناء على العدم، فلأصالة عدم تحقّق الاستبراء، الذي يكون حدوثه مشكوكاً.
و أمّا وجوب الـغسل عليه، فلأنّ الـمستفاد من الـروايات الـمتقدّمـة، ترتّب وجوب إعادة الـغسل على عدم تحقّق الاستبراء با لـبول، فوجوب الإعادة من آثار عدم الـبول شرعاً، فلا مانع من ترتّبه عليه إذا اُحرز بالاستصحاب و نحوه.
و إن شئت قلت: إنّ من آثار عدم الـبول شرعاً الـحكم بكون الـخارج منيّاً، و يترتّب على خروجه وجوب الـغسل، فوجوب الـغسل لا يختصّ مورده بما إذا كان الـخارج منيّاً واقعاً، بل يعمّه و ما إذا كان الـخارج محكوماً شرعاً بأ نّه منيّ، كما فيما إذا لم يتحقّق الاستبراء با لـبول، إمّا واقعاً، و إمّا بالإحراز، هذا مع عدم جريان احتمال الـبوليـة فيه.
و أمّا مع جريانه: فقد احتاط في الـمتن بضمّ الـوضوء به أيضاً، و لابدّ من الالتزام بكون الاحتياط استحبابياً، فيما إذا لم يكن مردّداً بين خصوص الـمنيّ و الـبول; لعدم كون الـعلم الإجما لـي مؤثّراً حينئذ بعد جريان احتمال غيرهما أيضاً.
و أمّا إذا كان مردّداً بين خصوصهما، فهل الاحتياط وجوبي، أو استحبابي؟
و الـظاهر ابتناء ذلك على أنّ الأصل الـمثبت للتكليف في أحد طرفي الـعلم الإجما لـي، هل يوجب انحلال الـعلم و لو حكماً، أم لا يوجب؟
فعلى الأوّل: يكون الاحتياط استحبابياً.
و على الـثاني: وجوبياً.
و الـتحقيق في محلّه.
(الصفحة 158)
مسأ لـة 18: يجزي غسل الـجنابـة عن الـوضوء لكلّ ما اشترط بـه1 .
إجزاء غسل الـجنابـة عن الـوضوء
(1) و الـدليل على الإجزاء الـنصوص الـكثيرة الـدالّـة عليه، كصحيحـة زرارة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه ذكر كيفيـة غسل الـجنابـة فقال:
«ليس قبله و لا بعده وضوء».(1)
و روايـة يعقوب بن يقطين، عن أبي ا لـحسن (عليه السلام) قال: سأ لـته عن غسل الـجنابـة فيه وضوء أم لا; فيما نزل به جبرئيل.
قال:
«ا لـجنب يغتسل، يبدأ فيغسل يديه إلى الـمرفقين قبل أن يغمسهما في الـماء، ثمّ يغسل ما أصابه من أذي، ثمّ يصبّ على رأسه و على وجهه و على جسده كلّه، ثمّ قد قضى الـغسل، و لا وضوء عليه».(2)
و صحيحـة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سأ لـت أباا لـحسن الـرضا (عليه السلام) عن غسل الـجنابـة.
فقال:
«تغسل يدك الـيمنى من الـمرفقين إلى أصابعك، و تبول إن قدرت على الـبول، ثمّ تدخل يدك في الإناء، ثمّ اغسل ما أصابك منه، ثمّ أفض على رأسك و جسدك، و لا وضوء فيه».(3)
و روايـة حكم بن حكيم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن غسل الـجنابـة، إلى أن قال قلت: إنّ الـناس يقولون يتوضّأ وضوء الـصلاة قبل الـغسل.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 34، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 34، الـحديث 1.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 34، الـحديث 3.
(الصفحة 159)
فضحك و قال:
«و أيّ وضوء أنقى من الـغسل و أبلغ؟!».(1)
و روايـة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ أهل الـكوفـة يروون عن علي (عليه السلام) أنّه كان يأمر با لـوضوء قبل الـغسل من الـجنابـة.
قال:
«كذبوا على علي (عليه السلام)، وجدوا ذلك في كتاب علي (عليه السلام) قال اللّه تعا لـى: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ».(2)
و غير ذلك من الـروايات الـدالّـة عليه، كمرسلـة ابن أبي عمير، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)قال:
«كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الـجنابـة».(3)
و أمّا روايـة أبي بكر الـحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأ لـته كيف أصنع إذا أجنبت؟
قال:
«اغسل كفّك، و فرجك، و توضّأ وضوء الـصلاة، ثمّ اغتسل».(4)
فهي محمولـة على الـتقيـة، أو مطروحـة، لمعارضتها مع الأخبار الـمستفيضـة، الـتي تكون الـفتوى على طبقها، و الـعمل عليها.
ثمّ إنّ الـتعبير بالإجزاء ـ كما في الـمتن ـ لعلّه لا ينافي الـمشروعيـة، ولكن قد صرّح بعض بعدمها; و لعلّه لما يستفاد من بعض الـروايات، كصحيحـة زرارة الـدالّـة على أنّه ليس قبله و لا بعده وضوء.
و إن كان يمكن أن يقال: بأنّ الـمراد نفي وجوب الـوضوء قبله و لابعده، لا نفي مشروعيته، لكنّ الـظاهر منها ذلك.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 34، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 34، الـحديث 5.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 35، الـحديث 1.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 34، الـحديث 6.
(الصفحة 160)
مسأ لـة 19: لو أحدث بالأصغر في أثناء الـغسل، لم يبطل على الأقوى، لكن يجب الـوضوء بعده لكلّ ما اشترط به، و الأحوط استيناف الـغسل، قاصداً به ما يجب عليه من الـتمام أو الإتمام، و الـوضوء بعده1 .
و يؤيّده قوله (عليه السلام) فى روايـة حكم:
«و أيّ وضوء أنقى من الـغسل و أبلغ؟!» بناء على أنّه مع حصول ما هو أنقى قبلاً، أو تحقّقه فيما بعد لزوماً، لا يبقى موضوع للوضوء الـذي اُريد به الـنقاء و الـبلوغ.
كما أنّ الاستدلال بقوله تعا لـى في روايـة محمّد بن مسلم، يفيد أنّ وظيفـة الـجنب ليست إلاّ الـغسل في مقابل غيره، الـذي وظيفته هي الـوضوء.
ثمّ إنّه من الـواضح أنّه لا مجال لتوهّم: أن يكون محطّ نظر الـروايات نفي اعتبار الـوضوء في صحّـة الـغسل، فلا ينافي اعتباره فيما يكون مشروطاً به، كما لا يخفى.
لو أحدث بالأصغر في أثناء الـغسل
(1) الـكلام في هذه الـمسأ لـة يقع في مقامين:
الأوّل: لزوم إعادة الـغسل و عدمه، و بعبارة اُخرى: بطلان الـغسل لأجل وقوع الـحدث الأصغر في أثنائه و عدمه.
و الـقول بالإعادة محكىّ عن «ا لـهدايـة» و «ا لـفقيه» و «ا لـمبسوط» و عن جملـة من الـمتأخّرين، و متأخّريهم، بل عن الـمحقّق الـثاني في «حاشيـة الألفيـة» نسبته إلى الأكثر.
و استدلّ له: بما رواه الـسيّد في كتاب «ا لـمدارك» نقلاً من كتاب «عرض الـمجا لـس» للصدوق ابن بابويه، عن الـصادق (عليه السلام) قال:
«لا بأس بتبعيض الـغسل، تغسل يدك و فرجك و رأسك، و تؤخّر غسل جسدك إلى وقت الـصلاة، ثمّ تغسل جسدك