(الصفحة 221)
حكم الـعقل. و لامجال للأخذ با لـمقدار الـمتيقّن و نفي الـزائد بالأصل، مع أنّه يمكن أن يقال بلزوم إحراز كون الـطلب با لـمقدار الـمذكور في الـروايـة، لعدم إجما لـه مفهوماً، بل الـشكّ في تحقّقه في الـخارج، و الـلازم في مثله الاحتياط، فتدبّر.
ا لـخامس: حكم عدم كفايـة الـماء للطهارة
أنّه لافرق في سقوط الـتكليف با لـطهارة الـمائيـة و وجوب الـتيمّم، بين عدم الـماء أصلاً، و بين وجود ما لايكفيه لطهارته وضوءً و غسلاً، فعدم الـماء بمقدار الـكفايـة كعدمه الـمطلق; لأنّ الـطهارة الـحدثيـة لاتقبل الـتبعّض، و لاتتلفّق من الـماء و الـتراب، و الـمتبادر من قوله تعا لـى:
(وَ لَمْ تَجِدُوا ماءً) ليس هو عدم وجدان الـماء مطلقاً، نظراً إلى أنّ الـنكرة في سياق الـنفي تقتضي الـعموم، بل هو عدم وجدان الـماء بقدر أن يتوضّأ با لـكيفيّه الـمذكورة في صدر الآيـة، أو أن يغتسل، و قد استظهر عدم الـخلاف في ذلك.
لكنّه حكي عن بعض الـعامّـة الـقول بأنّ الـجنب إذا وجد ماءً لايكفيه لطهارته استعمل الـماء و تيمّم. و في محكيّ «ا لـمنتهى» عن بعض الـشافعيـة الـقول بذلك في الـحدث الأصغر أيضاً; لأنّه واجد للماء ما لم يستعمله، فلا يسوغ له الـتيمّم.
و قد حكي عن الـعلاّمـة في «ا لـنهايـة» أنّه احتمل في الـجنب الـذي يكون واجداً للماء بقدر ما لايكفي لغسله وجوب صرف الـماء إلى بعض أعضائه، لجواز وجود ما يكمل به الـطهارة، و الـموالاة ساقطـة في الـغسل دون الـوضوء.
و من الـمعلوم أنّه لايكون خلافاً فيما نحن فيه من عدم تبعّض الـطهارة و عدم الـتلفيق، مع أنّه ليس بتمام في نفسه; لأنّ احتمال الـقدرة على تكميل الـغسل لايتوقّف
(الصفحة 222)
رعايته على استعمال الماء، بل يمكن حفظه لرجاء وجدان مقدار آخر تكمل به الطهارة.
وكيف كان: فيردّ مثل ذلك ـ مضافاً إلى ظاهر الآيـة با لـمعنى الـمتبادر منه ـ روايات واردة في الـجنب الـواجد للماء بقدر الـوضوء، دالّـة على وجوب التيمّم عليه، كصحيحـة الـحلبي أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الـماء للوضوء للصلاة، أيتوضّأ با لـماء، أو يتيمّم؟
قال:
«لا، بل يتيمّم، ألاترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الـوضوء».(1)
و مثلها روايـة الـحسين بن أبي ا لـعلاء، إلاّ أنّ في آخرها بدل «نصف الـوضوء»، «نصف الـطهور»(2)
و لعلّ الـتعليل بقوله: «ألا ترى ...» إرشاد إلى ما هو الـمتبادر من الآيـة الـشريفـة بلحاظ دلالتها على أنّ من لم يجد ماء بقدر أن يغتسل، ينتقل فرضه إلى الـتيمّم الـذي هو نصف الـوضوء، بلحاظ عدم وجوب مسح جميع الـوجه و الأيدي، و الـخلو من مسح الـرأس و الأرجل.
و صحيحـة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضّأ به.
قال:
«يتيمّم و لايتوضّأ».(3)
و مفاد هذه الـروايات و إن كان هو نفي وجوب الـوضوء في الـفرض الـمذكور فيها، دفعاً لتوهّم انتقال الـفرض من الـغسل إلى الـوضوء، إلاّ أنّ الاقتصار على وجوب الـتيمّم و الـسكوت في مقام الـبيان، و عدم إيجاب صرف الـماء في بعض مواضع
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 4.
(الصفحة 223)
ا لـغسل، دليل عرفي على عدم وجوبه، و لامجال معها للتمسّك بمثل قاعدة الـميسور بعد تسليم جريانها في مثل الـمقام.
و ممّا ذكرنا يظهر: عدم اختصاص الـحكم الـمذكور با لـمقام، بل يجري في جميع الـمواضع الـتي لايتمكّن إلاّ من الإتيان ببعض الـوضوء أو الـغسل، من غير فرق بين كونه مسبّباً عن نقصان الـماء، أو وجود ما يمنع من غسل بعض الأعضاء من مرض، أو نجاسـة تتعذّر إزا لـتها، أو جرح مكشوف، و نحوها ممّا لايلحقه حكم الـجبيرة، و قد تقدّم بعض الـكلام في ذلك في مبحث الـجبيرة في باب الـوضوء، فراجع.
ا لـسادس: حكم إمكان مزج الـماء بغيره
لو تمكّن من مزج الـماء الـذي لايكفيه لطهارته بما لايسلبه إطلاق الاسم و تحصل به الـكفايـة، فهل يجب عليه ذلك كما عن جماعـة من الـمتأخّرين منهم الـعلاّمـة، أو لا كما عن الـشيخ و أتباعه؟ وجهان: مقتضى ما تقدّم من أنّ الـتكليف با لـصلاة مع الـمائيـة مطلق غير مقيّد، و الـلازم بحكم الـعقل تحصيلها بأيّ نحو كان، و أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في حال الاضطرار، لزوم مثل هذا الـعلاج لتحصيل الـمطلوب الـمطلق، و ليس الـمراد من عدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم هو ما يقتضي الـجمود عليه; و لذا يجب الـوضوء و الـغسل مع وجود الـثلج، أو ماء جامد تمكّن إذابتهما و نحوها، ففي روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام)عن الـرجل يجنب في الـسفر، لايجد إلاّ الـثلج.
قال:
«يغتسل با لـثلج أو ماء الـنهر».(1)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 1.
(الصفحة 224)
قال في «ا لـوسائل» بعد نقل الـروايـة: «ا لـمراد أنّه يذيب الـثلج با لـنار و يغتسل بمائه إن أمكن، أو يدلك جسده با لـثلج إن كان كثير الـرطوبـة، بحيث يحصل مسمّى الـغسل، و بيان ذلك أنّ الـسائل فرض أنّه لايجد إلاّ الـثلج، فذكر ماء الـنهر في الـجواب يدلّ على أنّ مراده أنّه لافرق بين أن يغتسل با لـماء الـمذاب من الـثلج، و أن يغتسل بماء الـنهر».
وفي رواية معاوية بن شريح قال: سأل رجل أباعبداللّه (عليه السلام) وأنا عنده فقال: يصيبنا الدمق وا لثلج ونريد أن نتوضّأ، ولانجد إلاّ ماء جامداً، فكيف أتوضّأ؟ ءأدلك به جلدي؟
قال:
«نعم».(1)
و يؤيّدهما روايـة الـحسين بن أبي طلحـة قال: سأ لـت عبداً صا لـحاً (عليه السلام) عن قول اللّه عزّوجلّ:
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ما حدّ ذلك؟
قال:
«قال: فإن لم تجدوا بشراء و بغير شراء ...».(2)
و أمّا ما أفاده في «ا لـمصباح» من عدم اعتناء الـعرف و الـعقلاء بهذا الـنحو من الـقدرة الـحاصلـة با لـمعا لـجات غير الـمتعارفـة، فإنّهم لايرتابون في أنّ تكليف من لم يجد الـماء بقدر الـكفايـة با لـطهارة الـمائيـة تكليف بما لايطاق، نظير ما لـو أمر من لم يجد منّاً من الـحنطـة مثلاً با لـتصدّق به، فإنّه قبيح ولو وجد أقلّ من الـمنّ بمقدار لو مزجه بشيء من الـتراب و نحوه لصار منّاً، و إطلاق اسم الـحنطـة على الـحنطـة الـممتزجـة بشيء من الـتراب بعد استهلاكه، إنّما هو لعدم اعتنائهم با لـمستهلك، و عدم ملحوظيـة الـخليط في حدّ ذاته محكوماً بحكم. و هذا يناقض حكمهم بوجوب إيجاده
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 26، الـحديث 2.
(الصفحة 225)
مقدّمـة لامتثال الأمر بتلك الـطبيعـة الـمغايرة له، فإنّه موقوف على تصوّره، و ملاحظـة كونه جسماً خارجياً موثّراً في زيادة الـمقدار، و بهذه الـملاحظـة يمتنع وقوعه امتثالاً للأمر الـمتعلّق بتلك الـطبيعـة الـصرفـة، فإنّ استقلاله با لـملاحظـة مانع من عدّه جزء للماهيـة الـمغايرة له، محكوماً بحكمها.
فقد أورد عليه الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»: بأنّ الـقياس مع الـفارق، فإنّ الـمدّعى إمّا أنّ الـعرف لايستفيد من الآيـة الـمطلوبيـة الـمطلقـة للمائيـة، و هو كما ترى، بل لايلتزم به الـقائل، أو أنّ عدم الـوجدان صادق، و لايجب على الـمكلّف إيجاد الـماء و انسلاك نفسه في الـواجد، و هو أيضاً غير وجيه، و لا أظنّ الـتزامه به، و تردّه الـروايات الـمتقدّمـة، أو أنّ الـعقلاء يرون نفوسهم عاجزة، و لايكون الـعلاج الـمذكور تحصيلاً للقدرة، أو لايكون تحصيلها كذلك واجباً، و أنّ الـتكليف بمثله قبيح، فهو أيضاً بجميع تقاديره ممنوع; لعدم الـعجز بحسب الـواقع مع إمكان الـمزج; و عدم وجوبه إمّا ناش من عدم التكليف المطلق، أو من حصول شرط التيمّم، وهما ممنوعان، و أمّا غفلتهم عن إمكان تحصيل الـماء بمثل ذلك فليست إلاّ كغفلتهم عن وجود الـماء.
و ممّا ذكرنا ظهر: أنّه لوكان عنده الـمادّتان الـمركّبـة منهما الـماء، و أمكن له مزجهما بحيث يتحقّق الـماء، يجب عليه ذلك; لكونه قادراً على تحصيل الـطهارة الـمائيـة، كما لايخفى.
ا لـسابع: في أنّ موضوع مشروعيـة الـتيمّم عدم الـوجدان ولو كان محرزاً با لـعلم
لاينبغي الارتياب في أنّ الـمتفاهم عرفاً من الآيـة الـشريفـة أنّ الـمراد بعدم الوجدان المعلّق عليه فيها شرعيـة التيمّم، وانتقال فرض الـوضوء أو الـغسل إليه، هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الطهارة المائيـة المدلول عليها قبل بيان التيمّم.