(الصفحة 223)
ا لـغسل، دليل عرفي على عدم وجوبه، و لامجال معها للتمسّك بمثل قاعدة الـميسور بعد تسليم جريانها في مثل الـمقام.
و ممّا ذكرنا يظهر: عدم اختصاص الـحكم الـمذكور با لـمقام، بل يجري في جميع الـمواضع الـتي لايتمكّن إلاّ من الإتيان ببعض الـوضوء أو الـغسل، من غير فرق بين كونه مسبّباً عن نقصان الـماء، أو وجود ما يمنع من غسل بعض الأعضاء من مرض، أو نجاسـة تتعذّر إزا لـتها، أو جرح مكشوف، و نحوها ممّا لايلحقه حكم الـجبيرة، و قد تقدّم بعض الـكلام في ذلك في مبحث الـجبيرة في باب الـوضوء، فراجع.
ا لـسادس: حكم إمكان مزج الـماء بغيره
لو تمكّن من مزج الـماء الـذي لايكفيه لطهارته بما لايسلبه إطلاق الاسم و تحصل به الـكفايـة، فهل يجب عليه ذلك كما عن جماعـة من الـمتأخّرين منهم الـعلاّمـة، أو لا كما عن الـشيخ و أتباعه؟ وجهان: مقتضى ما تقدّم من أنّ الـتكليف با لـصلاة مع الـمائيـة مطلق غير مقيّد، و الـلازم بحكم الـعقل تحصيلها بأيّ نحو كان، و أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في حال الاضطرار، لزوم مثل هذا الـعلاج لتحصيل الـمطلوب الـمطلق، و ليس الـمراد من عدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم هو ما يقتضي الـجمود عليه; و لذا يجب الـوضوء و الـغسل مع وجود الـثلج، أو ماء جامد تمكّن إذابتهما و نحوها، ففي روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام)عن الـرجل يجنب في الـسفر، لايجد إلاّ الـثلج.
قال:
«يغتسل با لـثلج أو ماء الـنهر».(1)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 1.
(الصفحة 224)
قال في «ا لـوسائل» بعد نقل الـروايـة: «ا لـمراد أنّه يذيب الـثلج با لـنار و يغتسل بمائه إن أمكن، أو يدلك جسده با لـثلج إن كان كثير الـرطوبـة، بحيث يحصل مسمّى الـغسل، و بيان ذلك أنّ الـسائل فرض أنّه لايجد إلاّ الـثلج، فذكر ماء الـنهر في الـجواب يدلّ على أنّ مراده أنّه لافرق بين أن يغتسل با لـماء الـمذاب من الـثلج، و أن يغتسل بماء الـنهر».
وفي رواية معاوية بن شريح قال: سأل رجل أباعبداللّه (عليه السلام) وأنا عنده فقال: يصيبنا الدمق وا لثلج ونريد أن نتوضّأ، ولانجد إلاّ ماء جامداً، فكيف أتوضّأ؟ ءأدلك به جلدي؟
قال:
«نعم».(1)
و يؤيّدهما روايـة الـحسين بن أبي طلحـة قال: سأ لـت عبداً صا لـحاً (عليه السلام) عن قول اللّه عزّوجلّ:
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ما حدّ ذلك؟
قال:
«قال: فإن لم تجدوا بشراء و بغير شراء ...».(2)
و أمّا ما أفاده في «ا لـمصباح» من عدم اعتناء الـعرف و الـعقلاء بهذا الـنحو من الـقدرة الـحاصلـة با لـمعا لـجات غير الـمتعارفـة، فإنّهم لايرتابون في أنّ تكليف من لم يجد الـماء بقدر الـكفايـة با لـطهارة الـمائيـة تكليف بما لايطاق، نظير ما لـو أمر من لم يجد منّاً من الـحنطـة مثلاً با لـتصدّق به، فإنّه قبيح ولو وجد أقلّ من الـمنّ بمقدار لو مزجه بشيء من الـتراب و نحوه لصار منّاً، و إطلاق اسم الـحنطـة على الـحنطـة الـممتزجـة بشيء من الـتراب بعد استهلاكه، إنّما هو لعدم اعتنائهم با لـمستهلك، و عدم ملحوظيـة الـخليط في حدّ ذاته محكوماً بحكم. و هذا يناقض حكمهم بوجوب إيجاده
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 26، الـحديث 2.
(الصفحة 225)
مقدّمـة لامتثال الأمر بتلك الـطبيعـة الـمغايرة له، فإنّه موقوف على تصوّره، و ملاحظـة كونه جسماً خارجياً موثّراً في زيادة الـمقدار، و بهذه الـملاحظـة يمتنع وقوعه امتثالاً للأمر الـمتعلّق بتلك الـطبيعـة الـصرفـة، فإنّ استقلاله با لـملاحظـة مانع من عدّه جزء للماهيـة الـمغايرة له، محكوماً بحكمها.
فقد أورد عليه الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»: بأنّ الـقياس مع الـفارق، فإنّ الـمدّعى إمّا أنّ الـعرف لايستفيد من الآيـة الـمطلوبيـة الـمطلقـة للمائيـة، و هو كما ترى، بل لايلتزم به الـقائل، أو أنّ عدم الـوجدان صادق، و لايجب على الـمكلّف إيجاد الـماء و انسلاك نفسه في الـواجد، و هو أيضاً غير وجيه، و لا أظنّ الـتزامه به، و تردّه الـروايات الـمتقدّمـة، أو أنّ الـعقلاء يرون نفوسهم عاجزة، و لايكون الـعلاج الـمذكور تحصيلاً للقدرة، أو لايكون تحصيلها كذلك واجباً، و أنّ الـتكليف بمثله قبيح، فهو أيضاً بجميع تقاديره ممنوع; لعدم الـعجز بحسب الـواقع مع إمكان الـمزج; و عدم وجوبه إمّا ناش من عدم التكليف المطلق، أو من حصول شرط التيمّم، وهما ممنوعان، و أمّا غفلتهم عن إمكان تحصيل الـماء بمثل ذلك فليست إلاّ كغفلتهم عن وجود الـماء.
و ممّا ذكرنا ظهر: أنّه لوكان عنده الـمادّتان الـمركّبـة منهما الـماء، و أمكن له مزجهما بحيث يتحقّق الـماء، يجب عليه ذلك; لكونه قادراً على تحصيل الـطهارة الـمائيـة، كما لايخفى.
ا لـسابع: في أنّ موضوع مشروعيـة الـتيمّم عدم الـوجدان ولو كان محرزاً با لـعلم
لاينبغي الارتياب في أنّ الـمتفاهم عرفاً من الآيـة الـشريفـة أنّ الـمراد بعدم الوجدان المعلّق عليه فيها شرعيـة التيمّم، وانتقال فرض الـوضوء أو الـغسل إليه، هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الطهارة المائيـة المدلول عليها قبل بيان التيمّم.
(الصفحة 226)
و عليه فعدم الـوجدان يجتمع مع عدم الـوجود واقعاً ولو كان محرزاً با لـعلم، و مع الـوجود مع عدم الـعثور بعد الـفحص و الـطلب، فا لـمعلّق عليه شرعيته ليس عنوان عدم الـماء واقعاً حتّى يكون لازمه بطلان الـتيمّم مع وجوده و عدم الـعثور عليه، و لاعنوان عدم الـوجدان الـملازم مع الـطلب حتّى يكون لازمه لزوم الـضرب في الأرض ولو مع الـعلم بعدم الـماء في شيء من الـجهات ليصير الـفقدان وجدانياً، ضرورة أنّ كلّ واحد من الاحتما لـين خلاف ما هو الـمتفاهم عند الـعرف، بل الـمتفاهم ما ذكرنا من كون الـمراد هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الـطهارة الـمائيـة ولو كان محرزاً با لـعلم، و لاينافي ذلك ما استفدناه سابقاً من الآيـة من أنّ الـتعليق على عدم الـوجدان ظاهر في لزوم الـطلب، فإنّ وجوبه لاينافي عدم موضوعيته; لأنّ الـملاك هو الـوصول إلى الـماء و تحصيل الـطهارة الـمائيـة، و عند الاضطرار ينتقل الـفرض إلى الـتيمّم، فظرف الـتيمّم هو ظرف الاضطرار، غايـة الأمر دلالـة روايـة الـسكوني على إفادة حكم تسهيلي، يرجع إلى تحديد مقدار الـطلب و عدم لزومه إلى حدّ الـيأس، بالإضافـة إلى الـمسافر الـذي هو موردها.
(الصفحة 227)مسأ لـة 2: الـظاهر عدم وجوب الـمباشرة، بل تكفي استنابـة شخص أو أشخاص يحصل من قولهم الاطمئنان، كما أنّ الـظاهر كفايـة شخص واحد عن جماعـة مع حصول الاطمئنان من قوله، و أمّا كفايـة مطلق الأمين و الـثقـة محلّ إشكال1 .
(1) و قد حكي عدم وجوب الـمباشرة عن جماعـة من الأصحاب، كا لـشهيدين و ابن فهد و الـمحقّق الـثاني و غيرهم، لكن قال الـعلاّمـة في محكيّ «ا لـمنتهى»: «لو أمر غيره فطلب الـماء فلم يجده، لم يكتف به; لأنّ الـخطاب با لـطلب للمتيمّم، فلايجوز أن يتولاّه غيره، كما لايجوز له أن ييمّمه»، و من الـمعلوم ابتنائه على أمرين:
أحدهما: كون وجوب الـطلب نفسياً أو غيرياً.
و ثانيهما: عدم كونه من موارد الـنيابـة، لعدم الـدليل عليه بعد اقتضاء الأصل الأوّلي الـمباشرة.
و قد عرفت بطلان الأمر الأوّل، و أنّ وجوب الـطلب لايكون إلاّ حكماً عقلياً، ناشياً من لزوم إحراز الـعذر عن ترك الـمطلوب الـمطلق.
و قد عرفت أيضاً: أنّه ليس الـمراد بعدم الـوجدان ما يقتضيه الـجمود عليه من مدخليـة الـطلب و الـفحص، بل يجتمع ذلك مع عدم الـماء ولو كان محرزاً با لـعلم، أو ما يقوم مقامه من الاطمينان الذي هو علم عرفي، أو البيّنة الـمعتبرة في الموضوعات.
و عليه فالاكتفاء بحصول الاطمئنان من قول شخص أو أشخاص لايتوقّف على الاستنابـة، و كون طلبه أو طلبهم بعنوان الـنيابـة الـراجعـة إلى جعل الـنائب نفسه في الـنيّـة كأنّه هو الـمنوب عنه، بل يكفي طلبهم ولو لأجل أنفسهم; لأنّ الـملاك ليس حصول الـطلب من الـمكلّف ولو بالاستنابـة، بل هو عنوان عدم الـوجدان با لـمعنى
ا لـمذكور، و هو لايتوقّف عليها.