(الصفحة 235)
ثمّ إنّ ظاهر الـمتن ـ باعتبار عدم الـتعرّض للإثم في صورة الـصحّـة في الـفرض الـثاني ـ هو عدم تحقّق الإثم، كما أنّ ظاهره حصوله في كلتا صورتي الـفرض الأوّل، مع أنّ الـمسلّم باعتبار ما ذكرنا هو حصوله في خصوص الـصورة الاُولى من الـفرض الأوّل، و هي ما لو طلب لعثر با لـماء، فإنّ الـمكلّف حينئذ يكون با لـتأخير إلى ضيق الـوقت مفوّتاً للمصلحـة الـكاملـة الـواجبـة الـرعايـة، لأجل إمكان تحصيلها على ما هو الـمفروض، فهو عاص حقيقـة.
و أمّا في صورة عدم كون الـطلب موصلاً للمكلّف إلى الـماء، فلايبقى مجال لثبوت الإثم إلاّ من باب الـتجرّي و احتمال وجدان الـماء، و حكم الـعقل و الـشرع بلزوم ترتيب الأثر عليه.
نعم، لو الـتزم بكون وجوب الـطلب نفسياً كما عرفت سابقاً أنّه ظاهر جماعـة، يكون تحقّق الإثم لأجل الإخلال با لـواجب الـنفسي، لكن قد مرّ بطلان هذا الـمبنى.
كما أنّه لو الـتزم بكون الـمراد بعدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم هو ما يقتضيه الـجمود عليه من حصول الـيأس بعد الـفحص و الـطلب، يكون حصول الإثم خا لـياً عن الإشكال، لكنّه حينئذ لايجتمع مع الـحكم بصحّـة الـتيمّم و الـصلاة معه; لأنّ الإثم الـثابت حينئذ إنّما هو لأجل الإخلال با لـصلاة الـواجبـة عليه، و الـمتن يصرّح با لـصحّـة في كلا الـفرضين، فلا يبقى مجال للإثم إلاّ إذا لم يكن الـمراد بالإثم ما يساوق الـعصيان، بل أعمّ منه و من الـخطأ الـذي وقع الـتعبير به في كلمات جماعـة من الأعلام كا لـفاضلين في «ا لـشرائع» و«ا لـقواعد» فتدبّر جيّداً.
(الصفحة 236)مسأ لة 6: لو طلب با لـمقدار الـلازم فتيمّم وصلّى، ثمّ ظفر با لـماء في محلّ الـطلب، أو في رحله أو قافلته صحّت صلاته، و لايجب الـقضاء أو الإعادة1 .
حكم ما لو ظفر با لـماء بعد الـصلاة
(1) الـظاهر أنّه من صغريات الـمسأ لـة الآتيـة الـتي حكم فيها بعدم وجوب الإعادة على من صلّى بتيمّم صحيح، للنصوص الـكثيرة الـصريحـة فيه، و إدّعاء جماعـة الإجماع عليه.
لكنّه ربّما نوقش في ذلك: بأنّ موضوع تلك الـمسأ لـة هو الـتيمّم الـصحيح، و هو أوّل الـكلام هنا; لأنّه انكشف كونه واجداً للماء حقيقـة، فلم يكن الـتيمّم مشروعاً له.
و تندفع الـمناقشـة بما مرّ من أنّ الـمراد بعدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم، هو عدم الاهتداء إلى ما يمكن استعما لـه في الـطهارة الـمائيـة، سواء كان الـماء غير موجود واقعاً، أو كان موجوداً، ولكنّ الـمكلّف لم يهتد إليه مع الـطلب با لـمقدار الـلازم و با لـنحو الـلازم، فانكشاف الـماء في محلّ الـطلب، أو في رحله، أو في قافلته لايكشف عن بطلان الـتيمّم بوجه.
نعم، لو اعتقد عدم الـماء، و لأجله ترك الـطلب و الـفحص مع وجوده واقعاً في محلّ الـطلب، لكان الـلازم عليه الإعادة أو الـقضاء; لعدم كون الـواقعـة بحيث لايهتدي الـمكلّف بماء يمكن له استعما لـه، و مجرّد اعتقاد الـعدم لايؤثّر إلاّ في الـمعذوريـة، و عدم ترتّب الـعقاب على الـمخا لـفـة مع كون الـتكليف بحسب الـواقع هي الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة، و فرق واضح بين انقلاب الـتكليف، و بين الـمعذوريـة في مخا لـفـة الـتكليف الأوّل.
و منه يظهر وجوب الإعادة على واجد الـماء الـذي نسيه و اعتقد عدم تمكّنه من استعما لـه فتيمّم و صلّى، سواء تحقّق الـطلب أم لا; لأنّه واجد له و إن كان غافلاً عنه، و
(الصفحة 237)مسأ لـة 7: يسقط وجوب الـطلب مع الـخوف على نفسه أو عرضه أو ما لـه الـمعتدّ به من سبع أو لصّ أو غير ذلك، و كذلك مع ضيق الـوقت عن الـطلب، ولو اعتقد الـضيق فتركه و تيمّم و صلّى، ثمّ تبيّن الـسعـة، فإن كان في مكان صلّى فيه فليجدّد الـطلب مع سعـة الـوقت، فإن لم يجد الـماء تجزي صلاته، و إن وجده أعادها، و مع عدم الـسعـة فالأحوط تجديد الـتيمّم و إعادة الـصلاة، و كذا في الـفروع الآيـة الـتي حكمنا فيها بالإعادة مع عدم إمكان الـمائيـة، و إن انتقل إلى مكان آخر فإن علم بأنّه لو طلبه لوجده يعيد الـصلاة، و إن كان في هذا الـحال غير قادر على الـطلب و كان تكليفه الـتيمّم، و إن علم بأنّه لو طلب لما ظفر به صحّت صلاته و لايعيدها، و مع اشتباه الـحال ففيه إشكال، فلايترك الاحتياط بالإعادة أو الـقضاء1 .
عدم الـوجدان في غير محلّ وجود الـماء كا لـرحل و نحوه لايوجب الانقلاب، و يدلّ عليه ـ مع ذلك ـ خبر أبي بصير الـمتقدّم قال: سأ لـته عن رجل كان في سفر، و كان معه ماء فنسيه فتيمّم و صلّى، ثمّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الـوقت.
قال:
«عليه أن يتوضّأ، و يعيد الـصلاة».(1)
(1) يقع الـكلام في هذه الـمسأ لـة في مقامين:
موارد سقوط وجوب الـطلب
ا لـمقام الأوّل: في موارد سقوط وجوب الـطلب، و قد صرّح في الـمتن بسقوطه في موردين:
أحدهما: مورد الـخوف على نفسه أو عرضه أو ما لـه الـمعتدّ به من سبع أو لصّ أو
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 5.
(الصفحة 238)
غير ذلك، و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى ملاحظـة الـنكتـة في تشريع الـتيمّم الـمذكورة في الآيه الـشريفـة، و هي عدم تعلّق إرادة اللّه تعا لـى بأن يجعل على الـناس من حرج ـ روايتا داود الـرقّي و يعقوب بن سا لـم الـمتقدّمتان.
قال الأوّل: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام) أكون في الـسفر فتحضر الـصلاة و ليس معي ماء، و يقال إنّ الـماء قريب منّا، فأطلب الـماء و أنا في وقت يميناً و شمالاً.
قال:
«لاتطلب الـماء، ولكن تيمّم، فإنّي أخاف عليك الـتخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك الـسبع».(1)
و قال الـثاني: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل لايكون معه ماء، و الـماء عن يمين الـطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك.
قال:
«لا آمره أن يغرّر بنفسه، فيعرض له لصّ أو سبع».(2)
ثانيهما: مورد ضيق الـوقت، و قد عرفت أنّ الانتقال إلى الـتيمّم مع عدم وجدان الـماء إنّما هو لحفظ مصلحـة الـوقت و رعايتها، و أنّ الـمراد بعدم الـوجدان هو عدمه بحيث يمكن الـصلاة مع الـمائيـة في الـوقت، فإذا ضاق الـوقت عن الـطلب فلا يكون واجباً بوجه، و يشهد له أيضاً ذيل صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، فراجع.
ما لو اعتقد ضيق الـوقت فتبيّن خلافه
ا لـمقام الـثاني: فيما لو اعتقد الـضيق فترك الـطلب و تيمّم و صلّى ثمّ تبيّن الـسعـة، فتارة يكون في مكان صلّى فيه، و اُخرى قد انتقل منه إلى مكان آخر.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 2، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 2، الـحديث 2.
(الصفحة 239)
ففي الـصورة الاُولى: يجب عليه الـطلب أو تجديده ـ كما في الـمتن و إن كان فيه مسامحـة لأنّ الـمفروض أنّه لم يطلب بعد لاعتقاده ضيق الـوقت ـ مع سعـة الـوقت فعلاً و إمكان الـطلب، ثمّ إيقاع الـصلاة في الـوقت، و الـدليل على وجوبه هو الـدليل على أصل وجوب الـطلب بعد عدم كون اعتقاد الـضيق بمجرّده مصحّحاً و موجباً للانقلاب، ضرورة أنّ الـمصحّح هو ضيق الـوقت واقعاً، و قد انكشف خلافه بتبيّن الـسعـة، فأصل وجوب الـطلب باق بحا لـه في هذه الـصورة، فإذا تحقّق الـطلب فإن لم يجد الـماء تجزي صلاته; لأنّه با لـطلب و عدم الـوجدان ينكشف أنّ الـمصحّح للانقلاب و الـمعلّق عليه شرع الـتيمّم كان موجوداً و الـتيمّم كان مشروعاً، فلا وجه لتوهّم بطلانه و بطلان الـصلاة. و إن وجد الـماء تجب عليه الإعادة; لأنّه با لـوجدان يتبيّن أنّه لم يكن مصحّح للتيمّم و موجب للانقلاب أصلاً، لا من جهـة ضيق الـوقت، و لا من ناحيـة فقدان الـماء، فلا مجال لتوهّم صحّته و صحّـة الـصلاة معه.
و أمّا إذا لم يسع الـوقت فعلاً للطلب و إن كان يسع له حين إرادة الـصلاة ـ كما هو الـمفروض ـ فقد احتاط في الـمتن وجوباً بتجديد الـتيمّم و إعادة الـصلاة، و الـظاهر أنّ الـوجه فيه أنّه يجري فيه احتمالان; فإنّه من جهـة أنّ اعتقاد الـضيق كان خطأً، و أنّه كانت وظيفته الـطلب، و قد تركها باعتقاده الـضيق، فا لـتيمّم لم يكن مشروعاً بالإضافـة إليه تجب عليه الإعادة و الـتجديد، و من جهـة أنّه لايمكن الـطلب فعلاً; لعدم سعـة الـوقت واقعاً، و لامجال لتكرار الـصلاة مع الـترابيـة، لعدم ثبوت ترجيح لأحدهما على الآخر، فلا تجب عليه الإعادة بوجه، و مع جريان الاحتما لـين يشكّ في تحقّق امتثال الـتكليف الـمتوجّه إليه قطعاً، و مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم تحقّق الـفراغ الـيقيني الـمتوقّف على الـتجديد و الإعادة، فلابدّ من الاحتياط.