(الصفحة 240)
و في الـصورة الـثانيـة: و هي ما لـو انتقل منه إلى مكان آخر فروع:
الأوّل: ما لو علم بأنّه لو تحقّق الـطلب في مكان الـصلاة مع الـتيمّم لوجد الـماء، و لامجال للإشكال في وجوب الإعاده حينئذ، و إن كان في هذا الـحال غير قادر على الـطلب، و يكون تكليفه الـتيمّم; لأنّه كانت وظيفته الـطلب لفرض الـسعـة، و اعتقاد الـضيق بمجرّده لايكون موجباً للانقلاب، و قد تبيّن فعلاً أنّه لو تحقّق الـطلب لوجد الـماء، فهو في حال الـصلاة كان واجداً للماء واقعاً، و يمكنه الاهتداء إليه با لـطلب، فلاوجه لصحّـة صلاته.
نعم، لو كان في هذا الـحال غير قادر على الـطلب لامناص عن الالتزام بكون تكليفه الـفعلي هو الـتيمّم، فا لـتيمّم الأوّل كان باطلاً قطعاً و إن كان لايقدر على الـصلاة مع الـمائيـة فعلاً.
ا لـثاني: ما لو علم بأنّه لو طلب لما وجد الـماء و لما ظفر به، و الـوجه فيه صحّـة صلاته و عدم لزوم الإعادة، لما عرفت من أنّ وجوب الـطلب لايكون وجوباً غيريّاً، بحيث كان له مدخليـة في صحّـة الـصلاة مع الـتيمّم، مع أنّ وجوبه إنّما هو في مورد احتمال وجود الـماء; لبطلان الـوجوب الـنفسي أيضاً كما عرفت، إلاّ أن يقال: إنّ ترك الـطلب لم يكن لأجل الـعلم بعدم وجدان الـماء، فإنّ الـعلم إنّما حدث فعلاً، بل كان لأجل الاعتقاد بضيق الـوقت، و الـمفروض خطائه.
ولكنّ ذلك لايقتضي جريان الـمناقشـة في صحّـة صلاته بعد الـعلم فعلاً بعدم وجوب الـطلب في حال الـصلاة; لعدم وجود الـماء في محلّ الـطلب، فصلاته صحيحـة إلاّ على تقدير عدم الاجتزاء با لـصلاة مع الـتيمّم الـصحيح مطلقاً، و سيأتي خلافه إن شاء اللّه تعا لـى.
(الصفحة 241)مسأ لـة 8: الـظاهر عدم اعتبار كون الـطلب في وقت الـصلاة، فلو طلب قبل الـوقت و لم يجد الـماء لايحتاج إلى تجديده بعده، و كذا إذا طلب في الـوقت لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الـصلوات.
نعم، لو احتمل تجديد الـماء بعد ذلك الـطلب مع وجود أمارة ظنّيـة عليه، بل مطلقاً على الأحوط، يجب تجديده1 .
ا لـثا لـث: ما لـو اشتبه الـحال، و فيه إشكال ينشأ من وجوب الـطلب في حقّه في ظرفه، لاحتمال وجود الـماء في محلّ الـطلب، و عدم كون اعتقاد الـضيق بمجرّده رافعاً له، فكانت وظيفته الـطلب ثمّ الـصلاة، و من أنّه لايجب عليه الـطلب فعلاً; لعدم الـقدرة عليه من جهـة الـضيق أو غيره، و لامزيـة لإحدى الـصلاتين على الاُخرى; لأنّ كلاًّ منهما وقعت مع الـطهارة الـترابيـة، و حيث إنّه لاترجيح لأحد الـمنشأين فا لـلازم رعايـة الاحتياط بالإعادة أو الـقضاء، فتدبّر.
في عدم اعتبار كون الـطلب في وقت الـصلاة
(1) قال الـعلاّمـة (قدس سره) في محكيّ «ا لـمنتهى»: «لو طلب قبل الـوقت لم يعتدّ به و وجبت إعادته، لأنّه طلب قبل الـمخاطبـة با لـتيمّم فلم يسقط فرضه، كا لـشفيع لو طلب قبل الـبيع».
إلى أن قال: «لايقال: إذا كان قد طلب قبل الـوقت، و دخل الـوقت و لم يتجدّد حدوث ماء، كان طلبه عبثاً. لأنّا نقول: إنّما يتحقّق أنّه لم يحدث ماء إذا كان ناظراً إلى مواضع الـطلب، و لم يتجدّد فيها شيء، و هذا يجزئه بعد دخول الـوقت; لأنّ هذا هو الـطلب، و أمّا إذا غاب عنه جاز أن يتجدّد فيها حدوث الـماء، فاحتاج إلى الـطلب».
و ظاهر الـذيل هو الـفرق بين الـطلب قبل الـوقت و بعده، و وجوب الـتجديد مع
(الصفحة 242)
احتمال الـعثور في الأوّل و عدمه في الـثاني.
و يظهر ذلك من الـمحقّق في الـمعتبر و الـشهيد أيضاً، و استدلّ عليه في «ا لـجواهر».
تارة: بظاهر ما دلّ على وجوبه من الإجماعات و غيرها، و هو لايتحقّق إلاّ بعد الـوقت.
و اُخرى: بأنّ صدق عدم الـوجدان يتوقّف على الـطلب في الـوقت.
و ثا لـثـة: بظهور الآيـة في إرادة عدم الـوجدان عند إرادة الـتيمّم للصلاة و الـقيام إليها.
و رابعـة: بصحيحـة زرارة الـمتقدّمـة الـدالّـة على أنّه إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الـوقت ...
و خامسـة: بأنّه لو اكتفى به قبل الـوقت لصحّ الاكتفاء به مرّة واحدة للأيّام الـمتعدّدة، و هو معلوم الـبطلان.
و سادسـة: بأنّ الـمنساق إلى الـذهن من الأدلّـة إرادة الـطلب عند الـحاجـة إلى الـماء. ثمّ استشكل في الاستصحاب بأنّه لا يعارض ما ذكره من ظهور أدلّـة شرطيـة الـطلب في اعتبار أن يكون بعد الـوقت.
و أنت خبير بأنّ مقتضى أدلّته عدم الاكتفاء با لـطلب قبل الـوقت مطلقاً و لو لم يحتمل تجدّد الـماء بعد ذلك الـطلب، و إن كان الاقتصار على الاستصحاب في مقام بيان الـمعارضـة، و الاستشكال فيه ربّما يعيّن كون محلّ كلامه خصوص صورة احتمال تجدّد الـماء، و لايشمل صورة الـعلم باستمرار الـعدم الأوّل.
و كيف كان: فإن كان الـمراد عدم الاكتفاء با لـطلب قبل الـوقت مطلقاً:
(الصفحة 243)
فيرد على دليله الأوّل: ما عرفت من أنّ وجوب الـطلب لايكون شرعياً بوجه، بل هو حكم عقلي، منشأه حفظ الـمطلوب الـمطلق، و تحصيل الـصلاة مع الـمائيـة، و لادليل على الـوجوب غير حكم الـعقل ولو فرض فهو إرشاد إليه، مع أنّ الـقدر الـمتيقّن من الإجماع هو وجوب الـطلب، و أمّا لزوم وقوعه في الـوقت فهو أمر زائد، لايعلم مدخليته في معقد الإجماع بوجه.
و على دليله الـثاني: أنّ توقّف عدم الـوجدان على الـطلب في الـوقت أوّل الـكلام، بل ممنوع; لأنّ الـظاهر كون الـمراد منه هو عدم الـوجدان في الـوقت، و هو لايتوقّف على الـطلب فيه، بل يمكن وقوعه قبله، ثمّ إحرازه في الـوقت با لـعلم باستمرار الـعدم الأوّل، أو بالاستصحاب، و لامانع لأن يكون الأصل محقّقاً لموضوع وجوب الـتيمّم و مشروعيته.
و دعوى: أنّ شرط الـتيمّم هو عدم وجدان الـماء، و هو صفـة اعتباريـة وجوديـة، و لايحرز بالاستصحاب لعدم حجّيـة الاُصول الـمثبتـة.
مدفوعـة: بما عرفت في بيان الـمراد من عدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم، من أنّه عبارة عن عدم الـماء الـذي يمكن عقلاً و شرعاً استعما لـه في الـطهارة، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحقّقه، ولاوجه بعده للطلب، كما أنّه مع الـطلب و عدم الـوجدان يتحقّق الـموضوع، و في هذا الـفرض إذا كان الـطلب قبل الـوقت و لم يجد الـماء يستصحب عدم الـوجدان في الـوقت، و يتحقّق موضوع الـتيمّم.
و على دليله الـثا لـث: ما أوردناه على سابقه من إحراز عدم الـوجدان حين إرادة الـتيمّم و الـصلاة با لـعلم أو بالاستصحاب، مع أنّ لازمه عدم الاكتفاء با لـطلب في أوّل الـوقت إذا أراد الـتيمّم و الـصلاة في وسط الـوقت أو آخره، كما لايخفى.
(الصفحة 244)
و على دليله الـرابع: ما ذكرناه سابقاً من أنّه لامحيص عن حمل الـصحيحـة على الاستحباب، جمعاً بينها و بين روايـة الـسكوني الـمتقدّمـة الـتي عمل بها الأصحاب قديماً و حديثاً.
و على دليله الـخامس: منع كون صحّـة الاكتفاء به مرّة واحدة للأيّام الـمتعدّدة معلوم الـبطلان بعد الـعلم أو جريان الاستصحاب، و إحراز عدم الـوجدان به في جميعها، و قد صرّح في الـمتن بالاكتفاء.
و على دليله الأخير: ما عرفت من عدم دلالـة الأدلّـة على وجوب الـطلب حتّى يكون الـمنساق إلى الـذهن منها هو إرادته عند الـحاجـة إلى الـماء، بل الـدليل هو حكم الـعقل، و لافرق بنظره بين الـطلب قبل الـوقت، و بعده أصلاً.
و إن كان الـمراد هو عدم الاكتفاء با لـطلب قبل الـوقت في خصوص ما إذا احتمل تجدّد الـماء و حدوثه في الـوقت، فإن لم يكن لاحتما لـه منشأ عقلائي، و لايكون معتدّاً به عندهم، فا لـظاهر عدم لزوم الـطلب في الـوقت; لجريان استصحاب عدم الـوجدان الـمحقّق لموضوع الـتيمّم و مشروعيته.
و إن كان لاحتما لـه منشأ كذلك، كما إذا نزل الـمطر بعد الـطلب، و احتمل اجتماع الـماء في محلّ الـطلب بقدر ما يكفيه لطهارته من الـوضوء أو الـغسل، فقد ذكر في «ا لـمستمسك» أنّ الـظاهر وجوب الـطلب ثانياً و إن وقع الأوّل في الـوقت; لظهور الـنصّ في أنّه يعتبر في صحّـة الـتيمّم و الـصلاة به بقاء الـمكلّف على الـحا لـة الـتي كان عليها.
و بعبارة اُخرى: ظاهر الـنصّ الـدال على اعتبار الـطلب في صحّـة الـتيمّم ظاهراً إنّما هو اعتبار نفس الـحا لـة الـتي تحصل للطا لـب بعد الـطلب، و هو الـيأس من
|