(الصفحة 249)
نزع الـخرقـة و رفع الـمرارة، فتدبّر.
هذا، مضافاً إلى إمكان استفادته من ذيل آيـة الـتيمّم، الـدالّ على بيان الـنكتـة في تشريعه في جميع موارده حتّى الـمسافر، مع أنّ من الـمعلوم أنّ حرجيّـة الـوضوء أو الـغسل بالإضافـة إلى الـمسافر لاتختصّ بما إذا لم يجد الـماء، بل تشمل ما إذا خاف عن الـوصول إليه للتخلّف عن الـرفقـة و غيره، فالاستدلال بدليل نفي الـحرج في الـمقام تامّ، و ربّما استدلّ لذلك بروايات:
منها: صحيحـة الـحلبي أنّه سأ لـه أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يمرّ با لـركيـة و ليس معه دلو.
قال:
«ليس عليه أن يدخل الـركيـة، لأنّ ربّ الـماء هو ربّ الأرض، فليتيمّم».(1)
و مثلها روايـة الـحسين بن أبي ا لـعلاء.(2)
و منها: روايـة عبدا للّه بن أبي يعفور و عنبسـة بن مصعب جميعاً، عن أبي عبدا للّه(عليه السلام)قال:
«إذا أتيت الـبئر و أنت جنب، فلم تجد دلواً و لا شيئاً تغرف به، فتيمّم با لـصعيد، فإنّ ربّ الـماء هو ربّ الـصعيد، و لاتقع في الـبئر، و لاتفسد على الـقوم مائهم».(3)
و قد نوقش في الأخيرة: بأنّ الـنهي عن الـدخول إنّما هو لإفساد الـماء الـمعدّ لشرب الـقوافل و الـمارّة، و تلك الآبار لايجوز إفسادها و الـدخول فيها; لعدم كونها كا لـمياه الـمباحـة، لأنّها إنّما حفرت لاستقاء الـمارّة لجميع حوائجهم الـتي عمدتها
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 2.
(الصفحة 250)
ا لـشرب منها، و عليه يمكن أن يكون الـوجه في الأوليين أيضاً ذلك، و إن كان لايلائمه الـتعبير بـ «على» في قوله: «ليس عليه أن يدخل الـركيـة».
ولكنّه يمكن الاستفادة منها أنّ أمر الـتيمّم يكون مبتنياً على الـتوسعـة و الـتسهيل، و لايتوقّف على الـعجز الـعقلي، بل يكفي في مشروعيته أدنى عذر، فتدبّر.
و منها: روايـة الـسكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الـزحام يوم الـجمعـة أو يوم عرفـة، لايستطيع الـخروج من الـمسجد من كثرة الـناس.
قال:
«يتيمّم و يصلّي معهم، و يعيد إذا انصرف».(1)
و منها: طائفـة من الـروايات الـواردة في الـطلب الـنافيـة لوجوبه، أو الـناهيـة عنه بالإضافـة إلى الـمسافر; معلّلاً بخوف الـتخلّف عن أصحابه و الـضلال و أكل الـسبع، أو دالاًّ على أنّه (عليه السلام) لايأمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع، و قد تقدّم نقل هذه الـطائفـة و جمعها في «ا لـوسائل» في الـباب الـثاني من أبواب الـتيمّم.
و يتـحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّه لامجال للإشكال فيما إذا تحقّق الـخوف بالإضافـة إلى الـنفس; لدلالـة دليل نفي الـحرج مضافاً إلى الـطائفـة الأخيرة كما هو واضح.
و أمّا فيما إذا تحقّق الـخوف على الـعرض، فإنّهم و إن لم ينصّوا في معاقد إجماعاتهم الـمحكيـة ككثير من الأصحاب في فتاويهم عليه، إلاّ أنّه لاتنبغي الـمناقشـة فيه; لأنّه من أوضح موارد الـحرج، فإنّ تحمّل هتك الـعرض ربّما يكون أشقّ من تلف الـمال، بل ربّما يهون دونه بذل الـنفوس.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 3.
(الصفحة 251)
و أمّا فيما إذا تحقّق الـخوف على الـمال، ففيما إذا حصل الـحرج فا لـدليل على الانتقال إلى الـتيمّم هو ما يدلّ على عدم مجعوليـة الـحرج في الـدين، و فيما إذا لم يحصل، بل يكون في الـوصول إلى الـماء خوف مجرّد ضرر ما لـي، فقد استدلّ على سقوط الـطهارة الـمائيـة بدليل نفي الـضرر، و بالإجماع الـمحكيّ عن جمع من الـكتب الـفقهيـة، و با لـطائفـة من الـروايات الـتي اُشير إليها، الـواردة في الـنهي عن الـطلب أو نفي وجوبه، و باستقراء أخبار الـتيمّم الـكاشف عن الـسقوط بأقلّ من ذلك.
ولكن قد حقّق في محلّه: أنّ دليل نفي الـضرر لايكون كدليل نفي الـحرج بصدد رفع الأحكام الـضرريـة، بل هو حكم سياسي سلطاني صادر من الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما هو سلطان على الـناس و زعيم با لـنسبـة إليهم، لا بما هو واسطـة في تبليغ أحكام اللّه تعا لـى و مبيّن للتكا لـيف الـمجعولـة الإلهيـة، نعم لو كان إفادته با لـكتاب أو بلسان الـرسول، لابما هو سلطان و حاكم، لكان كدليل نفي الـحرج ناظراً إلى الأحكام، و مبنياً لرفع الـضرريـة منها.
و الإجماع الـمحكيّ في مثل هذه الـمسأ لـة ـ الـتي يجري فيها دليل نفي الـحرج، أو الـضرر باعتقادهم، و ورد فيها روايات ـ لا أصا لـة له أصلاً لو سلّم حجّيته بنفسه.
و الـطائفـة الـمذكورة و إن كان بعضها مشتملاً على ذكر اللصّ، إلاّ أنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـنظر فيه إلى اللصّ الـمتعرّض للنفس، لا الـمتعرّض للمال فقط، و على تقديره فلا دلالـة لها على خوف الـضرر الـما لـي من غير ناحيـة اللصّ، و الـفرق بينهما أنّ لأخذ اللصّ الـمال و الـتسلّط عليه مهانـة و ذلّـة، تأبى عنها الـنفوس غا لـباً، و لأجله يكون تحمّله حرجياً، بخلاف مجرّد ترتّب الـضرر الـما لـي من غير هذه الـناحيـة.
(الصفحة 252)و منها: خوف الـضرر من استعما لـه لمرض، أو رمد، أو ورم، أو جرح، أو قرح، أو نحو ذلك ممّا يتضرّر معه باستعمال الـماء على وجه لايلحق با لـجبيرة و ما في حكمها، و لافرق بين الـخوف من حصوله أو الـخوف من زيادته و بطوء برئه، و بين شدّة الألم باستعما لـه على وجه لايتحمّل للبرد أو غيره1 .
و الـتمسّك بالاستقراء في غير محلّه، بعد ورود وجوب شراء ماء الـوضوء با لـغاً ما بلغ، كما مرّ، و يأتي إن شاء اللّه تعا لـى.
و قد انقدح بذلك: أنّه لادليل على سقوط الـمائيـة بمجرّد خوف الـضرر الـما لـي إلاّ إذا كان بقاء وجوبها حرجياً، فتدبّر جيّداً.
ا لـثا لـث: في خوف الـضرر من استعمال الـماء
(1) و الـدليل على مشروعيـة الـتيمّم في هذه الـموارد اُمور:
أحدها: الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـتيمّم، الـدالّـة على مشروعيته بالإضافـة إلى الـمريض، فإنّ إطلاق عنوان «ا لـمرض» و إن كان يشمل الـمرض الـذي لايضرّه استعمال الـماء، إلاّ أنّ الـمناسبـة بين الـحكم و الـموضوع، و كذا ذكر الـمرض عقيب إيجاب الـطهارة الـمائيـة، توجب الانصراف إلى خصوص ما كان استعمال الـماء مضرّاً به و منافياً له.
كما أنّه يستفاد من هذه الـمناسبـة مشروعيـة الـتيمّم في مثل الـقرح و الـجرح، ممّا لايعدّ مرضاً عرفاً إذا كان استعمال الـماء مضرّاً به، فالآيه بلحاظ اشتما لـها على ذكر الـمرض، و مناسبـة الـحكم و الـموضوع الـمذكورة، من أدلّـة الـمقام.
ثانيها: الآيـة الـكريمـة بلحاظ اشتما لـها على الـتعليل بقوله تعا لـى:
(ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج ...) نظراً إلى لزوم الـحرج من وجوب الـطهارة الـمائيـة
(الصفحة 253)
في الـموارد الـمذكورة، و الآيـة بهذا اللحاظ تدلّ على مشروعيـة الـتيمّم حتّى فيما لم يكن مرضاً بوجه، بل كان مثل الـبرد الـذي لايتحمّل.
ثا لـثها: الـروايات الـواردة الـمستفيضـة لو لم تكن متواترة:
منها: صحيحـة محمّد بن سكّين، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابـة و هو مجدور، فغسّلوه فمات.
قال:
«قتلوه ألاّ سأ لـوا، ألاّ يمّموه؟! إنّ شفاء الـحيّ الـسؤال».(1)
و منها: صحيحـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـرجل يكون به الـقرح و الـجراحـة يجنب.
قال:
«لابأس بأن لايغتسل، يتيمّم».(2)
و منها: صحيحـة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الـرضا (عليه السلام) في الـرجل تصيبه الـجنابـة، و به قروح أو جروح، أو يكون يخاف على نفسه من الـبرد.
فقال:
«لايغتسل و يتيمّم».(3)
و مثلها صحيحـة داود بن سرحان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام).(4)
و منها: مرسلـة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«يؤمّم الـمجدور و الـكسير إذا أصابتهما الـجنابـة».(5)
و غير ذلك من الـروايات الـواردة، الـدالّـة على الانتقال إلى التيمّم في مورد
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 5.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 7.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 8.
- (5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 10.