(الصفحة 257)
ا لـخوف على الـنفس بمرض شديد، أو تلف من الـغسل في أرض باردة، عند صحّـة الـمزاج و اعتدا لـه كما هو منصرف الـسؤال; إنّما ينشأ من احتمال موهوم في الـغايـة، حيث إنّ الـمظنون فيه الـتحفّظ و الـسلامـة بشرط أن يتعقّبه الـتحفّظ من الـبرد بإكثار الـثياب و الـتحمّي، بل الـغا لـب في مثل الـفرض الأمن إلاّ من أمراض يسيرة من زكام و نحوه، و يفصح عن ذلك ما لووقع قهراً في الـماء فخرج و تحفّظ.
و الـحاصل: أنّ الـغا لـب أنّه لايترتّب على الـغسل كذلك إلاّ الـمشقّـة الـرافعـة للتكليف، و أمّا الـخوف من الـتلف أو الـمرض الـذي يجب الـتحرّز عنه، فلايكون غا لـباً إلاّ على سبيل الاحتمال الـموهوم الـذي لايؤثّر في حرمـة الـعمل، و لامانع من تنزيل الـصحيحتين على مثل الـفرض، و حملهما على الاستحباب، و لايعارضهما عمومات نفي الـحرج و الـصحاح الـمتقدّمـة; لأنّ الـعمومات لايفهم منها إلاّ الـرخصـة، و الـصحاح أيضاً كذلك، لورودها في مقام توهّم الـوجوب».
و يرد عليه: أنّ دعوى كون الاحتمال في مورد الـصحيحتين موهوماً في غايـة الـضعف، و لايساعدها الـتأمّل فيه، و كيف يكون كذلك؟! مع أنّه ذكر الإمام (عليه السلام) في صحيحـة عبدا للّه بن سليمان أنّه كان وجعاً شديد الـوجع، و كان الـمكان بارداً و الليلـة شديدة الـريح باردة، بحيث صار ذلك موجباً لخوف الـغلمان عليه، الـظاهر في الـخوف على نفسه، و لم ينكر في الـجواب ذلك حتّى يقال إنّ الـملاك هو خوف الـمكلّف لاغيره، بل قرّرهم و قال:
«ليس بدّ» مع أنّ مورد الـسؤال فيه هو إصابـة الـعنت من الـغسل، و الـعنت بمعنى الـمشقّـة الـشديدة الـتي ربّما توجب الـهلاكـة، و الـجواب دالّ على وجوب الاغتسال و إن أصابه ما أصابه.
و كذا صحيحـة محمّد بن مسلم واردة في مورد ثبوت الـبرودة، بحيث صار الـماء
(الصفحة 258)
جامداً، و الـجواب فيها دالّ على وجوب الاغتسال و إن كان موجباً للمرض شهراً، و الأمراض الـيسيرة ربّما لاتكون مرضاً بنظر الـعرف; لقلّـة زمانه و عوارضه فضلاً; عن أن يطول شهراً.
و با لـجملـة: حمل الـروايتين على كون موردهما صورة موهوميـة الاحتمال أسوء من طرحهما و الإعراض عنهما و ردّ علمها إلى أهله، مع أنّ الـحمل على الاستحباب لايلائم لحنهما بوجه، فإنّه كيف يمكن حمل قوله (عليه السلام):
«يغتسل و إن أصابه ما أصابه» على الاستحباب؟! و كذا الـتعبيرات الاُخر الـواقعـة في هذه الـروايـة و الـروايـة الاُخرى، فا لـجمع با لـحمل على الاستحباب غير صحيح.
و الإنصاف: أنّه لامحيص من الـطرح و الإعراض ولو لأجل الـمعارضـة و الـمخا لـفـة للمشهور، بل مع الـكتاب و الـسنّـة، بل و الـموافقـة للعامّـة كما حكي ذلك عن أصحاب الـرأي و أحمد في إحدى الـروايتين.
بقي الـكلام في الـشين الـذي ادّعى عدم الـخلاف في جواز الـتيمّم معه، بل ادّعى الإجماع عليه ظاهراً، بل صريحاً.
و أنّه هل الـمراد به بعض الأمراض الـجلديـة من قبيل الـجرب و الـسوداء؟
أو الـخشونـة الـتي تعلوا الـبشرة، و تشوّه الـخلقـة، أو توجب انشقاق الـجلد و خروج الـدم؟
فعلى الأوّل: لامجال للإشكال في صحّـة الـتيمّم معه; لأنّه من الأمراض الـتي يضرّها استعمال الـماء، فيدلّ على حكمه الآيـة بلحاظ ذكر الـمريض، و بلحاظ اشتما لـها على الـتعليل بنفي الـحرج.
و على الـثانى: يمكن الـمناقشـة فيه; لعدم الـدليل عليه، و عدم دلالـة دليل نفي
(الصفحة 259)
ا لـحرج على حكمه مطلقاً، و معاقد الإجماعات و إن كان أكثرها مطلقـة إلاّ أنّها لاتكون حجّـة في مثل الـمقام، مضافاً إلى ثبوت الـقدر الـمتيقّن، خصوصاً مع ما حكي عن موضع من «ا لـمنتهى» و جماعـة من الـمتأخّرين من تقييده با لـفاحش، و عن جماعـة اُخرى تقييده بما لايتحمّل، و عن «ا لـكفايـة» أنّه نقل بعضهم الاتّفاق على أنّ الـشين إذا لم يغيّر الـخلقـة و يشوّهها لايشرع معه الـتيمّم.
حول الـحرج الـمذكور في الـمقام
ثمّ إنّه يظهر من تقييد بعضهم بما لايتحمّل عادة، أنّ الـحرج عبارة عن الـمشقّـة الـتي لاتتحمّل كذلك، و أهل اللغه يظهر منهم الاختلاف في معنى الـحرج، و أنّ الـمراد به هل هو مطلق الـضيق كما يظهر من كثير من كتبهم؟ أو أنّه ضيق خاصّ، و هو أضيق الـضيق كما عبّر به بعضهم؟ و في كلام الـشيخ علي بن إبراهيم: «ا لـحرج الـذي لامدخل له، و الـضيق ما يكون له مدخل».
لكنّ الـمستفاد من الـروايات الـواردة في الـموارد الـمختلفـة تفسيره بمطلق الـضيق صريحاً، أو يظهر منها ذلك، كما أنّه يظهر من بعضها أنّه ليس الـمراد با لـضيق ما لايتحمّل، بل مطلق الـمشقّـة و الـكلفـة، ففي صحيحـة زرارة الـمعروفـة الـطويلـة الـتي نقلها الـمشايخ الـثلاثـة، بعد الـجواب عن سؤال زرارة: من أين علمت و قلت إنّ الـمسح ببعض الـرأس؟
قال في آخرها: ثمّ قال:
«ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج، و الـحرج الـضيق».(1)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 23، الـحديث 1.
(الصفحة 260)
و في موثّقـة أبي بصير الـواردة في باب الـمياه قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): إنّا نسافر فربّما بلينا با لـغدير من الـمطر، إلى أن قال:
«اخرج الـماء بيدك ثمّ توضّأ، فإنّ الـدين ليس بمضيق، فإنّ اللّه يقول: (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الـدِّيْنِ مِنْ حَرَج).(1)
و يظهر من روايـة عبدالأعلى الـمعروفـة ـ الـواردة في الـمسح على الـمرارة ـ أوسعيـة الأمر ممّا قيل، فإنّ رفع الـمرارة و الـمسح على الـبشرة ليس ممّا لايتحمّل عادة، بل غايته أنّه مشقّه و كلفـة.
مضافاً إلى أنّ لسان الآيات الـشريفـة الـواردة في مقام الامتنان في الـموارد الـمختلفـة ـ ا لـمعبّرة بتعبيرات متعدّدة ـ لسان عدم جعل مطلق الـضيق، كقوله تعا لـى في ذيل آيـة الـصوم:
(يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لايُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)،(2)
و قوله تعا لـى:
(رَبَّنا وَ لاتَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا).(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 9، الـحديث 14.
- (2)
البقرة / 185.
- (3)
البقرة / 286.
(الصفحة 261)و منها: الـخوف باستعما لـه من الـعطش للحيوان الـمحترم1 .
ا لـرابع: في خوف الـعطش باستعمال الـماء
(1) أمّا إذا خاف على نفسه، فيدلّ على جواز الـتيمّم معه ـ مضافاً إلى أنّه لاخلاف فيه ظاهراً، و عن «ا لـمعتبر» نسبته إلى أهل الـعلم، و إلى أدلّـة نفي الـحرج و شمولها للمقام بنحو الـوضوح ـ الـروايات الـكثيرة الـدالّـة عليه، كصحيحـة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)أنّه قال في رجل أصابته جنابـة في الـسفر، و ليس معه إلاّ ماء قليل، و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش.
قال:
«إن خاف عطشاً فلايهريق منه قطرة، و ليتيمّم با لـصعيد، فإنّ الـصعيد أحبّ إليّ».(1)
و صحيحـة محمّد الـحلبي قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام) الـجنب يكون معه الـماء الـقليل، فإن هو اغتسل به خاف الـعطش، أيغتسل به أو يتيمّم؟
فقال:
«بل يتيمّم، و كذلك إذا أراد الـوضوء».(2)
و موثّقـة سماعـة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يكون معه الـماء في الـسفر، فيخاف قلّته.
قال:
«يتيمّم با لـصعيد، و يستبقي الـماء، فإنّ اللّه عزّوجلّ جعلهما طهوراً: الـماء و الـصعيد».(3)
و خبر ابن أبي يعفور قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب و معه من الـماء قدر ما يكفيه لشربه، أيتيمّم أو يتوضّأ به؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 2.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 3.