(الصفحة 273)
«ا لـمنتهى» و «ا لـمدارك» هو الاحتمال الـثا لـث، فتدبّر.
و أمّا الـنسبـة بين دليل «من أدرك»، و بين الـصحيحـة الـمتقدّمـة، فنقول بعد ما استظهرنا منها: إنّ الـمراد بخوف أن يفوته الـوقت هو خوف أن لاتقع الـصلاة بتمامها في ظرفها الـزماني الـمضروب لها.
فتارة يقال: بانصراف الـوقت الـمأخوذ فيها إلى خصوص الـوقت الاختياري، و لايشمل الـوقت الاضطراري الـثابت بدليل «من أدرك»، بناءً على الاحتمال الأوّل.
واُخرى يقال: بمنع الانصراف، وأنّ الـمراد منه مطلق الوقت وإن لم يكن اختيارياً.
فعلى الـثاني: يكون دليل «من أدرك» حاكماً على الـصحيحـة، بناءً على الاحتمال الأوّل; لأنّ الـمفروض دلالته على توسعـة الـوقت، و عدم انصراف الـوقت الـمأخوذ فيها إلى خصوص الاختياري، بل على هذا الـتقدير يكون وارداً عليها; لدلالته على توسعـة الـوقت حقيقـة، و ورودها في مورد خوف فوات الـوقت مطلقاً.
و على الأوّل: لامجال للورود أو الـحكومـة; لاختصاص الـصحيحـة بخصوص الـوقت الاختياري على ما هو الـمفروض، فتقع الـمعارضـة بينهما، إلاّ أن يقال: بأنّ دليل «من أدرك» لايكون ناظراً إلاّ إلى إدراك ركعـة مع الـشرائط الـمعتبرة فيها، و أمّا خصوصيّات الـشرائط فلابدّ من أن تستفاد من دليل آخر، و الـمفروض دلالـة الـصحيحـة على أنّ خوف فوات الـوقت الاختياري يوجب الانتقال إلى الـتيمّم، فهي متعرّضـة لبيان الـشرط، و أنّه في أيّـة صورة يكون الـشرط هي الـطهارة الـمائيـة، و في أيّـة صورة هي الـترابيـة، و أمّا دليل «من أدرك» فلا يكون ناظراً إلاّ إلى خصوصيـة الـوقت مع حفظ سائر الـشرائط، فهي ناظرة إلى خصوصيـة الـشرط، و هو دالّ على وجوده، هذا على تقدير الاحتمال الأوّل.
(الصفحة 274)
و أمّا على تقدير سائر الاحتمالات فلاوجه للحكومـة أصلاً; لأنّ الـموضوع هو الـخوف الـوجداني، و الـتنزيل بأيّ فروضه لايوجب رفع الـخوف، كماأنّ استصحاب بقاء الـوقت لايكاد يجدي في رفعه; لعدم زوال الـخوف الـوجداني به، و الـمفروض عدم دلالـة دليل على توسعـة الـوقت، و لا على تنزيل خوف الـفوت منزلـة عدم الـخوف، كما هو الـظاهر.
و كيف كان: فا لـظاهر في الـفرض الـمذكور هو تقدّم الـصلاة مع الـتيمّم عليها مع الـوضوء; لشمول الـصحيحـة لهذا الـفرض، و عدم دلالـة دليل «من أدرك» على حكمه، لأنّ موضوعه ما إذا لم يبق من الـوقت إلاّ ركعـة، و من الـواضح أنّه ليس الـمراد من الـوقت الـمذكور فيه صريحاً أو تلويحاً إلاّ الـوقت الاختياري الـمعهود; لأنّ ثبوت الـوقت الاضطراري على تقديره إنّما هو بلحاظ نفس الـدليل، فا لـموضوع خصوص الـوقت الاختياري، و الـمفروض في الـمقام ظرفيـة الـوقت الـباقي لجميع الـصلاة.
إلاّ أن يقال: ليس الـمراد من إدراك الـركعـة إلاّ إدراكها مع تمام الـشرائط الـمعتبرة فيها، و الـمحتمل في الـمقام أن تكون الـوظيفـة هي تحصيل الـطهارة الـمائيـة الـتي لايبقى معها إلاّ إدراك الـركعـة فقط، فلم لايكون الـدليل دالاًّ على لزوم تحصيلها، و إتيان ركعـة من الـصلاة في الـوقت؟!
و يرد عليه: ما عرفت من عدم تعرّض دليل «من أدرك» لبيان الـوظيفـة من جهـة الـشرائط أصلاً، بل الـمفروض فيها إدراك الـركعـة مع الـشرائط.
و أمّا صحيحـة زرارة فهي تدلّ على بيان الـشرط، و أنّه مع خوف فوات الـوقت يصلّي مع الـتيمّم، بحيث يدرك جميع الـوقت، فلايبقى مجال لدليل «من أدرك» مع وجود الـصحيحـة أصلاً.
(الصفحة 275)و منها: وجوب استعمال الـموجود من الـماء في غسل نجاسـة و نحوه ممّا لايقوم غير الـماء مقامه، فإنّه يتعيّن الـتيمّم حينئذ، لكنّ الأحوط صرف الـماء في الـغسل أوّلاً، ثمّ الـتيمّم1 .
و منه يظهر: أنّه إذا كان الـوقت واسعاً للتيمّم و الإتيان بركعـة فقط، لايبعد أن يقال بشمول دليل «من أدرك» له و الـحكم بلزوم الـصلاة كذلك، و من الـمعلوم عدم دلالـة الـصحيحـة على الـحكم في هذه الـصورة، فتدبّر.
ا لـثامن: في لزوم استعمال الـماء في غسل نجاسـة و نحوه
(1)
أقول: في دوران الأمر بين الوضوء وا لغسل، وبين رفع النجاسة عن البدن أو الثوب، لامجال للإشكال في وجوب استعما له في رفع الخبث إجماعاً صريحاً وظاهراً، محكيّاً عن «ا لـمعتبر» و «ا لـمنتهى» و «ا لـتذكرة» و «ا لـذخيرة» و «حاشيـة الإرشاد».
قال في «ا لـمعتبر»: «ولو كان على جسده نجاسـة و معه ماء يكفيه لإزا لـتها أو للوضوء، أزا لـها به و تيمّم بدلاً من الـوضوء، و لا أعلم في هذه خلافاً بين أهل الـعلم; لأنّ للطهارة بدلاً هو الـتيمّم، و لا كذلك إزا لـة الـنجاسـة».
و قال في «ا لـمنتهى»: لو كان على بدنه نجاسـة، و معه من الـماء مايكفي إحداهما صرفه إلى الإزا لـة، لا إلى الـطهارة; لأنّ الـطهارة واجب لها بدل، بخلاف إزا لـة الـنجاسـة، لانعرف فيه خلافاً، و كذا لو كانت الـنجاسـة على ثوبه.
و قال أحمد: إنّه يتوضّأ و يدع الـثوب; لأنّه واجد للماء، و هو ضعيف إذ الـمراد من الـوجدان الـتمكّن من الاستعمال، و هذا غير متمكّن منه شرعاً.
و تشهد له روايـة أبي عبيدة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـمرأة الـحائض ترى الـطهر و هي في الـسفر، و ليس معها ماء يكفيها لغسلها، و قد حضرت الـصلاة.
(الصفحة 276)
قال:
«إذا كان معها بقدر ما يغتسل به فرجها فتغسله، ثمّ تتيمّم و تصلّي».(1)
بناء على عدم الاكتفاء بغسل الـحيض عن الـوضوء و لزومه معه، و هو محلّ إشكال، و على ثبوت الإطلاق لقوله (عليه السلام):
«إذا كان ...»، و شموله لما إذا كان الـماء بقدر الـوضوء أيضاً.
و أمّا ما قيل: من أنّ محتمل الـسؤال الـمفروغيـة عن وجوب الـغسل إذا كان الـماء يكفي له، و لا يجب غسل الـفرج حينئذ، فا لـسكوت في الـجواب عن الـردع عنه دليل على عدم الأهمّيـة.
فيرد عليه: وضوح أنّ الـكفايـة للغسل مرجعها إلى الـكفايـة لغسل الـفرج أيضاً; لأنّه لايتمّ الـغسل بدونه، ضرورة أنّ الـمراد به هو غسل ظاهره، و هو شرط في صحّـة الـغسل.
و ربّما يستشعر ذلك من مجموع الـطائفتين من الأخبار الـواردة:
إحداهما: في تتميم الـصلاة مع الـتيمّم إذا دخل فيها أو ركع فأصاب الـماء.
و الاُخرى: في وجوب غسل الـنجاسـة الـعارضـة في الأثناء أو نزع الـثوب، و أنّه مع عدم الإمكان تبطل الـصلاة. و با لـجملـة لا مجال للإشكال في هذه الـصورة.
فيما إذا لزم من استعمال الـماء محذور
و أمّا في مطلق ما إذا لزم من استعما لـه في الـطهارة الـمائيـة محذور شرعي من ترك واجب، أو فعل محرّم، أو ترك شرط معتبر في الـصلاة، أو حصول مانع، فهل الـحكم
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـحيض، الـباب 21، الـحديث 1.
(الصفحة 277)
كذلك، أو يدور مدار الأهمّيـة و تلزم رعايـة قاعدة باب الـمزاحمـة؟
ربّما يقال: بأنّه يستفاد من آيـة الـتيمّم أنّ كلّ عذر شرعي أو عقلي مسوّغ للتيمّم وموجب للانقلاب، نظراً إلى أنّه ليس الـمراد من عدم الـوجدان الـذي علّق عليه جوازه، إلاّ عدم وجدان ما يستعمل في الـطهور بلا محذور مطلقاً، ألا ترى أنّه لو وجد بأقلّ من الـوضوء أو كان الـماء للغير، لاينقدح في الـذهن صدق وجدانه، و عدم صحّـة الـتيمّم معه، فيكشف ذلك عن كون الـمراد هو عدم الـوجدان بلا أيّ محذور.
و أورد عليه الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» بما يرجع إلى أنّ عدم الـوجدان الـمأخوذ في آيـة الـتيمّم، ليس إلاّ كسائر الـموضوعات الـمأخوذة متعلّقـة للأحكام، فكما أنّه لابدّ في فهم الـمراد منها من الـرجوع إلى الـعرف، و جعله هو الـملاك في الـموضوع، كذلك لابدّ في فهم الـمراد من عدم الـوجدان من الـمراجعـة إلى الـعرف.
و بعبارة اُخرى: الـمراد بعدم الـوجدان هو ما يكون كذلك عرفاً، مع قطع الـنظر عن تعلّق حكم به أصلاً، و عليه ففي الـمثا لـين و إن كان لايصدق ذلك عرفاً، و أمّا في مثل ما إذا كان استعمال الـماء مستلزماً لترك إنقاذ غريق، أو تأخير أداء دين لازم، لأجل الـمطا لـبـة و الاستطاعـة، أو فعل محرّم كالأخذ من آنيـة الـذهب و الـفضّـة، أو الـعبور من طريق مغصوب، فا لـظاهر عدم الـصدق.
و دعوى أنّه لافرق بين الأخير، و بين ما إذا كان الـماء للغير، مدفوعـة بوضوحه، فإنّه لايتحقّق عنوان الـواجد في الـثاني دون الأوّل، فالاستفادة من الآيـة ممنوعـة.
نعم، يمكن أن يستدلّ عليه ببعض الـروايات الـواردة في الـموارد الـمختلفـة: كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـت عن رجل أجنب في سفر و لم يجد إلاّ الـثلج أو ماء جامداً.