(الصفحة 278)
فقال:
«هو بمنزلـة الـضرورة يتيمّم، و لاأرى أن يعود إلى هذه الأرض الـتي يوبق دينه».(1)
بناء على ما عرفت من عدم كون الـسؤال عن كيفيـة الـتيمّم بعد الـفراغ عن وجوبه حتّى يحمل الـجواب على أنّه يتيمّم من غبار ثوبه و نحوه كما صنعه صاحب «ا لـوسائل» (قدس سره)، بل الـسؤال إنّما هو عن لزوم الـغسل أو الـتيمّم.
و عليه فيظهر من قوله (عليه السلام):
«هو بمنزلـة الـضرورة» أنّ الـمسوّغ للتيمّم هو الـضرورة أو ما هو بمنزلتها، فكلّ ما كان كذلك يوجب الانتقال إلى الـتيمّم، و الـمورد و إن كان من الـضرورات الـتكوينيـة، لكن عموم الـتعليل أو الـكبرى لايكاد يتقيّد با لـمورد، بل الـحكم يدور مداره، و من الـمعلوم أنّ جميع ما ذكر ينطبق عليه عنوان الـضرورة و الـمحذور.
و لاينافي ذلك ما ذكرنا من كون الـمراد با لـعناوين الـمأخوذة في موضوعات الأحكام هو الـعرفي منها، و الـمحذور الـشرعي لايكون محذوراً عرفياً مطلقاً; و ذلك لأنّ الـعرف يرى أنّ الـمحذور الـشرعي محذور و ضرورة، إمّا مطلقاً، أو لخصوص الـمتعبّد با لـشرع، الـقاصد للعمل على طبقه.
فهل لايكون الـتصرّف في آنيـة الـذهب مثلاً بالاغتراف منه محذوراً في نظر الـعرف كذلك؟!
و با لـجملـة: فا لـظاهر دلالـة الـروايـة على ثبوت الانتقال إلى الـتيمّم في جميع موارد الـضرورة، أو ما هو بمنزلتها.
و صحيحـة أبي بصير ـ يعنى الـمرادي ـ عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«إذا كنت في
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 9.
(الصفحة 279)
حال لاتقدر إلاّ على الـطين فتيمّم به، فإنّ اللّه أولى با لـعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف، أو لبد تقدر أن تنفضه و تتيمّم به».(1)
نظراً إلى أنّه يظهر منها أنّ موضوع الـتبديل هو الـعذر من الـتيمّم با لـتراب، فيستفاد منها أنّ الـمناط في الانتقال مطلقاً هو ثبوت الـعذر، و من الـمعلوم أنّ الـعذر الـشرعي عذر لامحا لـة، فتدبّر.
و صحيحـة عبدا للّه بن أبي يعفور و عنبسـة بن مصعب جميعاً، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)قال:
«إذا أتيت الـبئر و أنت جنب، فلم تجد دلواً و لاشيئاً تغرف به، فتيمّم با لـصعيد، فإنّ ربّ الـماء هو ربّ الـصعيد، و لاتقع في الـبئر، و لاتفسد على الـقوم مائهم».(2)
فإنّ الإفساد الـمذكور:
إمّا أن يكون محرّماً شرعاً، فتدلّ الـروايـة على أنّ استلزام الـمحرّم الـشرعي يوجب الانتقال إلى الـتيمّم، و هو الـمطلوب.
و إمّا أن يكون مكروهاً لأجل حصول الـتنفّر منه، فتدلّ على ما ذكرنا بطريق أولى، كما لايخفى.
أضف إلى ما ذكر: أنّ الـمتفاهم من مجموع الـروايات الـواردة في الـتيمّم، الـدالّـة على أنّ الـتراب أحد الـطهورين، و يكفي عشر سنين، و أنّ ربّه و ربّ الـماء واحد، و على عدم لزوم الـطلب أزيد من غلوة أو غلوتين ولو احتمل أو ظنّ وجود الـماء في الـزائد منه، و على جواز إجناب الـنفس مع عدم الـماء، و على جواز إتمام الـصلاة مع الـتيمّم لو وجد الـماء بعد الـركوع، بل بعد الـدخول، و على جواز الـبدار و
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 7.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 2.
(الصفحة 280)
عدم وجوب الانتظار، و على الانتقال إلى الـتيمّم مع خوف الـعطش ولو على الـذمّي أو حيوان محرّم، أنّ الأمر في الـتبديل سهل الـسبيل، و هذه الاُمور و إن لم يكن كلّ واحد منها دليلاً مستقلاًّ، لكن مجموعها دليل خال عن الـمناقشـة، و يفيد أنّ الـمحذور الـشرعي ـ بأيّ نحو كان ـ يوجب الانتقال إلى الـتيمّم، كما هو ظاهر.
ولو اُغمض عمّا ذكرنا: فا لـلازم الـرجوع إلى قاعدة باب الـتزاحم و ترجيح ما هو الأهمّ، أو محتمل الأهمّيـة; لأصا لـة الـتعيين في الـدوران بينه و بين الـتخيير، و مع الـتساوي يكون الـحكم الـعقلي هو الـتخيير، ففي مثل ما إذا لزم من الـصلاة مع الـمائيـة ترك إنقاذ غريق يتعيّن الانتقال، و في مثل ما إذا كان استعمال الـماء مستلزماً للتصرّف في آنيه الـذهب و الـفضّـة لايعلم الـحال، فا لـلازم الـحكم با لـتخيير لو لم يكن في الـبين ـ لإهمّيـة أحد الـطرفين ـ احتمال.
و أمّا ما يظهر من الـفاضلين في عبارتهما الـمتقدّمـة: من أنّ ثبوت الـبدل للطهارة الـمائيـة يقتضي ترجيح مزاحمه الـذي ليس له بدل مطلقاً، و لعلّه يشعر بذلك عبارة الـمتن، فتدبّر.
فيرد عليه: أنّه إن كان الـمراد أنّ ثبوت الـبدل طريق لإحراز أهمّيـة الـمعارض، أو احتما لـها، فهو كما ترى، لعدم ثبوت الـطريقيـة، و لادلالـة لجعل الـبدل على نفي الأهمّيـة، و لالعدمه على ثبوتها، و إن كان الـمراد أنّ الانتقال جمع بين الـغرضين ولو في مرتبـة الـبدل، و الأخذ با لـطهارة الـمائيـة يوجب ترك الآخر رأساً، فيدفعه عدم كونه كذلك; لأنّه كما يجري احتمال الأهمّيـة في الـمعارض كذلك يجري في الـمبدل، و لاترجيح في الـبين.
نعم، حكي عن الـشيخ الأعظم (قدس سره) في «طهارته» في مبحث الـشبهـة الـمحصورة،
(الصفحة 281)
أنّه علّل في بعض الأخبار لزوم ترجيح سائر الـواجبات و الـمحرّمات على الـطهارة الـمائيـة، بأنّ اللّه تعا لـى جعل للماء بدلاً، و الـظاهر عدم وجود هذا الـتعليل بهذه الـكيفيـة، و لعلّه أراد الـروايات الـتي استفدنا منها أنّ الانتقال يتحقّق بأدنى عذر، و يتوقّف على ثبوت مجرّد الـمحذور.
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا: ثبوت الانتقال في جميع الـموارد الـمذكورة، ولكنّ مقتضى الاحتياط صرف الـماء أوّلاً في الـمعارض، ثمّ الـتيمّم; ليتحقّق عدم الـوجدان الـحقيقي أيضاً.
(الصفحة 282)مسأ لـة 11: لافرق في الـعطش الـذي يسوغ معه الـتيمّم بين الـمؤدّي إلى الـهلاك، أو الـمرض، أو الـمشقّـة الـشديدة الـتي لاتتحمّل و إن أمن من ضرره.
كما لافرق فيما يؤدّي إلى الـهلاك بين ما يخاف على نفسه، أو على غيره، آدمياً كان أو غيره، مملوكاً كان أو غيره، ممّا يجب حفظه عن الـهلاك، بل لايبعد الـتعدّي إلى من لايجوز قتله، و إن لايجب حفظه كا لـذمّي.
نعم، الـظاهر عدم الـتعدّي إلى مايجوز قتله بأيّ حيلـة، كا لـمؤذيات من الـحيوانات، و من يكون مهدور الـدم من الآدمي، كا لـحربي، و الـمرتدّ عن فطرة، و نحوهما.
و لو أمكن رفع عطشه بما يحرم تناوله، كا لـخمر و الـنجس، و عنده ماء طاهر يجب حفظه لعطشه، و يتيمّم لصلاته، لأنّ وجود الـمحرّم كا لـعدم1 .
في تفصيل مسوّغيـة الـخوف من الـعطش
(1) قد تقدّم الـكلام في هذه الـمسأ لـة في مسوّغيـة الـخوف من الـعطش باستعمال الـماء، نعم يظهر حكم الـفرع الأخير منها، و هو ما لو أمكن رفع عطشه بما يحرم تناوله، ممّا ذكرناه آنفاً من أنّ الـمستفاد من الـروايات أنّ ثبوت أيّ محذور شرعي يوجب الانتقال إلى الـتيمّم، فلايجب صرف الـماء في الـطهارة الـمائيـة حتّى يضطرّ إلى رفع الـعطش بما يحرم تناوله، و الـترديد الـذي يظهر من «ا لـمدارك» إنّما هو لعدم ثبوت حرمـة شرب الـنجس عنده، و إن كان مخا لـفاً للإجماع ظاهراً.