(الصفحة 28)
قلت: نعم، لولا أنّ مورد الأخبار الـثانيـة خصوص صورة وجود الـحشفـة، لما عرفت من انصرافها إليه، و معه يبقى إطلاق الـطائفـة الاُولى بحا لـه.
و يرد على الـثا لـث: منع ظهور الإدخال و الإيلاج في الـمجموع، بل هو ظاهر إمّا في الـمسمّى، أو في الـمقدار الـمعتدّبه.
و يرد على الأوّل: منع الـظهور في الـمقدار الـمعتدّبه، الـمتحدّ مع غيبوبـة الـحشفـة في الأفراد الـمتعارفـة، فإنّ الإدخال ظاهر في الـمسمّى الـذي يتحقّق بجزء منه ولو كان أقلّ منها، غايـة الأمر أنّ اعتبار الالتقاء إنّما هو في واجدها، فلا وجه للتقدير في غيره. و لعلّه لذا جعل هذا الـوجه غير خال عن الـقوّة، كما في الـمتن.
نعم، في خصوص مقطوع بعض الـحشفـة، لايبعد أن يكون الـمدار على غيبوبـة تمام الـمقدار الـباقي منها; لعدم وضوح الانصراف با لـنسبـة إليه أيضاً، فلابدّ من أن يتحقّق الالتقاء في تحقّق الـجنابـة، و ترتّب وجوب الـغسل.
ثمّ إنّه لافرق في سببيـة الـجماع لوجوب الـغسل بين كونه صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً، مختاراً أو مكرهاً، و لابين كون الـموطوئـة كذلك; لعموم الـسببيـة الـمستفادة من الـروايات. و لاينافي ذلك عدم وجوب الـغسل على الـصبي و الـمجنون با لـفعل، بل هو واجب عليهما ـ كغيرهما ـ عند اجتماع شرائط الـتكليف. هذا بناء على الـقول بوجوب الـمقدّمـة.
و أمّا بناء على الـقول با لـعدم كما اخترناه و حقّقناه، فلا يتحقّق الـوجوب ولو عند اجتماع شرائط الـتكليف، غايـة الأمر مدخليـة الـغسل في صحّـة الـعمل الـعبادي، الـمشروط با لـطهارة من الـحدث، و عليه فا لـتعبير با لـوجوب كما في الـمتن، لايخلو عن مسامحـة إلاّ أن يكون الـمراد هو اللزوم و الـلابديّـة الـعقليـة.
(الصفحة 29)
مسأ لـة 2: لو رأى في ثوبه منيّاً، و علم أنّه منه و لم يغتسل بعده، يجب عليه قضاء الـصلوات الـتي صلاّها بعده، و أمّا الـتي يحتمل وقوعها قبله فلا يجب قضائها.
ولو علم أنّه منه، و لم يعلم أنّه من جنابـة سابقـة اغتسل منها، أو جنابـة اُخرى لم يغتسل منها، فا لـظاهر عدم وجوب الـغسل عليه، و إن كان أحوط1 .
ثمّ إنّ صحّـة الـغسل من الـصبي الـمميّز، تتوقّف على الـقول بشرعيّـة عبادات الـصبي و صحّتها، و عليه فلو اغتسل الـصبي الـمميّز يرتفع عنه حدث الـجنابـة، ولا تجب الإعادة بعد الـبلوغ، و قد مرّ الـكلام في ذلك سابقاً.
في من رأى في ثوبه منيّاً
(1) من رأى في ثوبه منيّاً تارة: يعلم أنّه منه، و اُخرى: يشكّ في ذلك، و يحتمل أن يكون من غيره. و في الـصورة الاُولى تارة: يعلم بأنّه لم يغتسل بعده، و اُخرى لايعلم ذلك بل يحتمل أن يكون من جنابـة سابقـة اغتسل منها. ففي الـمسأ لـة صور ثلاثـة:
فيما إذا لم يعلم كونه منه
ا لـصورة الاُولى: ما إذا لم يعلم كون الـمنيّ منه، بل يحتمل أن يكون من غيره، كما إذا لم يكن الـثوب مختصّاً به، و مقتضى الـقاعدة فيها عدم وجوب الـغسل عليه; لاستصحاب عدم جنابته، و بقاء الـطهارة من الـحدث، بعد عدم صلاحيـة الـعلم الإجما لـي بكونه منه أو من غيره للمنجزيّـة; لعدم كون الـتكليف منجّزاً على كلّ تقدير، ضرورة أنّ جنابـة الـغير لا أثر لها بالإضافـة إليه.
نعم، لو كان لها أثر با لـنسبـة إليه ـ كما إذا أراد الاقتداء به في الـصلاة ـ فلا مجال
(الصفحة 30)
للرجوع إلى أصا لـة الـطهارة; فإنّ الـعلم الإجما لـي يؤثّر في تنجّز الـتكليف بلحاظ هذا الأثر، و أمّا بالإضافـة إلى الآثار الاُخر فلا، و قد تقدّم تحقيق ذلك.
و يدلّ على أصل الـحكم: ـ مضافاً إلى كونه مقتضى الـقاعدة كما عرفت ـ روايـة أبي بصير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يصيب بثوبه منيّاً، و لم يعلم أنّه احتلم.
قال:
«ليغسل ما وجد بثوبه، و ليتوضّأ».(1)
و الـمراد من قوله:
«و ليتوضّأ» ليس هو إيجاب الـتوضّؤ من جهـة رؤيـة الـمنيّ في ثوبه، بل نفي وجوب الـغسل، و الاكتفاء با لـوضوء مع وجود سببه.
و عن الـشيخ (قدس سره) حمل الـروايـة على الـثوب الـذي يشاركه فيه غيره; جمعاً بينها و بين الـروايتين الآتيتين.
اُورد عليه: بأنّ ظاهر إضافـة الـثوب إليه في كلام الـسائل، اختصاصه به، فيتعذّر الـحمل على الـثوب الـمشترك. و الـمتبادر من قول الـسائل: «و لم يعلم أنّه احتلم» عدم علمه بكون الـمنيّ من احتلام حادث يوجب عليه الـغسل با لـفعل، و غرضه بحسب الـظاهر بيان كونه شاكّاً في جنابته الـفعليـة، بحيث يكون مكلّفاً با لـغسل. و إنّما عبّر بعدم علمه بأنّه احتلم لأنّ احتمال الاحتلام هو الـسبب الـعادي للشكّ في الـجنابـة، فإنّ احتمال حصولها في حال الـيقظـة مع عدم الالتفات لايكون احتمالاً عقلائياً، فيدلّ جواب الإمام (عليه السلام) على عدم وجوب الـغسل عليه ما لم يعلم با لـجنابـة، سواء نشأ شكّه من احتمال كون الـمنيّ الـذي أصاب ثوبه من الـغير، أو من بقيّـة جناباته الـسابقـة الـصادرة منه الـتي اغتسل منها.
أقول: الـظاهر أنّه كما لاوجه للحمل على خصوص الـثوب الـمشترك، كذلك
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 3.
(الصفحة 31)
لاوجه للحمل على خصوص الـثوب الـمختصّ، و الإضافـة لاتقتضي ذلك بعد توقّفها على أدنى الـملابسـة. ولكن دلالـة الـروايـة على عدم وجوب الـغسل في هذه الـصورة، لا إشكال فيها على كلّ تقدير.
نعم، تعارضها روايتان اُخريان:
إحداهما: موثّقـة سَماعـة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل ينام و لم ير في نومه أنّه احتلم، فوجد في ثوبه و على فخذه (جسده خ ل) الـماء، هل عليه غسل؟
قال:
«نعم».(1)
و الاُخرى: موثّقته الاُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـرجل يرى في ثوبه الـمنيّ بعد ما يصبح، و لم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم.
قال:
«فليغتسل، و ليغسل ثوبه، و يعيد صلاته».(2)
وقد أفتى على طبقهما جماعـة، فحكموا بوجوب الـغسل في الـصورة الـمفروضـة، و قد عرفت أنّه جمع الـشيخ بينهما و بين روايـة أبي بصير; بحملهما على الـثوب الـمختصّ، و حملها على الـثوب الـمشترك.
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّ مورد الـموثّقتين ـ اللتين لايبعد كونهما روايـة واحدة; و أنّ الاختلاف إنّما يكون ناشياً عن الـرواة ـ صورة الـعلم بخروج الـمنيّ منه، خصوصاً مع رؤيته على فخذه، ومع الـتعبير عنه با لـماء الظاهر في كونه رطباً ومنشأ شكّه في وجوب الـغسل، هو تخيّله كون رؤيـة الاحتلام دخيلـة في وجوب الاغتسال، لفتوى بعض العامّة باشتراط تذكّر احتلامه في النوم، أو لفتوى أبي حنيفة باشتراط خروجه من شهوة،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 2.
(الصفحة 32)
وتحقّق الـشرط مشكوك; لأنّه لم ير في نومه الاحتلام، أومقطوع الـعدم. وعليه فموردهما يختلف مع مورد روايـة أبي بصير، الـواردة في مورد الـشكّ في كون الـمنيّ منه.
إن قلت: إنّ الـنسبـة بينها و بينهما عموم من وجه; لاختصاصهما بمن رأى الـمنيّ في ثوبه بعد الانتباه بلا فصل، و عموميتها من هذه الـجهـة، لأنّ موردها مطلق الـشاكّ في الاحتلام، و عدم اختصاصهما بخصوص الـعا لـم; لأنّ ظاهر الـسؤال فيهما أعمّ من صورة الـعلم و الـشمول لصورة الـشكّ مع الـعلم بعدم الاغتسال منه، و أمّا روايـة أبي بصير فتختصّ با لـشاكّ، فا لـنسبـة هي الـعموم من وجه.
قلت: ـ مضافاً إلى أنّك عرفت عدم شمول الـموثّقتين لصورة الـشكّ أصلاً، و أنّ الـظاهر اختصاصهما بصورة الـعلم، و إلى عدم اختصاص الـروايـة بصورة الـشكّ أيضاً، لشمولها لما إذا علم أنّه منه، و شكّ في وجوب الـغسل عليه، لاحتمال كونه من الـجنابـة الـسابقـة الـتي اغتسل منها ـ إنّه على تقدير كون الـنسبـة كذلك، تكون أقوائيـة ظهور الـروايـة في الإطلاق موجبـة لتقدّمها عليهما.
و قد انقدح من ذلك: أنّ الـقول بكون رؤيـة الـمنيّ في الـثوب الـمختصّ ـ مطلقاً أوبعد الانتباه من الـنوم ـ أمارة شرعيـة تعبّديـة، حاكمـة على استصحاب عدم الـجنابـة، في غايـة الـضعف، سواء كان مستنداً إلى الـروايات الـتي قد عرفت وجه الـجمع بينها، أو إلى تعرّض الـعلماء لذكر هذا الـفرع با لـخصوص; نظراً إلى أنّه لولا كونها أمارة تعبّديـة، لكان الـتعرّض له بعد بيان وجوب الـغسل بخروج الـمنيّ مطلقاً مستدركاً، فإنّ منشأ الـتعرّض له هو تعرّض الـروايات له و وقوع الـخلاف فيه، مع أنّ الـمحكي عن كثير منهم تعليل ذلك بما يناسب الـقاعدة الـظاهر في اقتضائها له، فراجع. فكيف يمكن أن يكون حكماً تعبّدياً مخا لـفاً لها؟! كما لايخفى.