(الصفحة 306)
عرفت من تغاير الـمتعلّقين، لأنّ الـمتعلّق هي الـطبيعـة و الـماهيـة، فلا وجه لذلك.
ا لـثا لـث: أنّ الـفرد الـخارجي إنّما يعرضه صفـة الـحسن أو الـقبح باعتبار جهته الـقاهرة، فما يوجده الـمكلّف ليس من حيث صدوره عنه إلاّ حسناً أو قبيحاً على سبيل مانعـة الـجمع، لامتناع توارد الـوصفين الـمتضادّين على الـفعل الـخاصّ، الـصادر من الـمكلّف من حيث صدوره منه، فا لـفرد الـخارجي من الـصلاة الـذي يتحقّق به الـغصب الـمحرّم على الإطلاق، يمتنع أن يطلبه الـشارع، ضرورة أنّ الأمر بشيء في الـجملـة ينافي الـنهي عنه على الإطلاق.
و الـجواب: أنّه إن كان الـنظر إلى اجتماع الـحكمين ولو في مورد، فقد عرفت أنّ الـحكمين لايجتمعان بوجه; لاختلاف الـمتعلّقين دائماً لأجل تغاير الـحقيقتين، و إن كان الـنظر إلى امتناع عروض صفتي الـحسن و الـقبح معاً على الـفرد الـخارجي، لأنّهما وصفان متضادّان.
فيرد عليه: أنّ الـحسن و الـقبح ليسا من الأعراض الـخارجيـة الـحالّـة في الـموضوع، كا لـسواد و الـبياض حتّى لايكفي اختلاف الـجهـة في رفع الـتضادّ بينهما، ضرورة أنّ قبح الـظلم مثلاً لايكون له صورة خارجيـة حالّـة فى الـجسم، بل هو أمر اعتباري عقلي، و كذا حسن الـعدل مثلاً.
و عليه فيمكن أن يكون شيء واحد ذا عناوين حسنـة و قبيحـة، و لايسري الـقبح من عنوانه إلى عنوان الـحسن، فإنّ الـجهات في الاُمور الـعقليـة تقييديـة، فتكون الـحيثيات بما هي موضوعـة للحسن و الـقبح.
و ممّا ذكرنا يظهر: الـنظر فيما قيل من وقوع الـكسر و الانكسار، في الـجهات الـمقتضيـة، و تمحّض الـفعل في الـجهـة الـقاهرة، فا لـفعل الـواحد الـصادر من
(الصفحة 307)
ا لـمكلّف لايكون إلاّ حسناً أو قبيحاً على الـنحو الـمذكور، و هو منع الـجمع.
وجه الـنظر: ما عرفت من أنّ الـفعل الـخارجي مجمع الـعناوين الـمتعدّدة، و مع فرض كون بعضها قبيحاً، و الـبعض الآخر حسناً، و فرض قاهريـة أحد الأمرين على الآخر، لايلزم خروج الـجهـة الـمقهورة عن وصفها الاُولى، فإنّ مرجع الـقاهريـة ليس إلى الـسرايـة و فناء وصف الـمقهور، بل إلى الأهمّ و الـمهمّ، فلا يعقل أن تكون نتيجـة الـكسر و الانكسار إعدام الـجهـة الـمقهورة، بل هي باقيـة على ما كانت و إن كان مقتضى حكم الـعقل هو لزوم الأخذ با لـجهـة الـقاهرة; لأنّها أهمّ.
ا لـرابع: امتناع كون شيء واحد شخصي مقرّباً و مبعّداً معاً، و ذا مصلحـة و مفسدة كذلك، فلامحيص إلاّ من ثبوت إحدى الـجهتين.
و الـجواب يظهر ممّا ذكرنا، فإنّ الـمقرّبيـة و إن كانت من لوازم الـوجود الـخارجي، إلاّ أنّ اتّصاف الـوجود الـخارجي بها إنّما هو لأجل كونه مصداقاً لعنوان كذلك، فلا ينافي ثبوت عنوان الـمبعّديـة لذلك الـوجود باعتبار كونه مصداقاً لعنوان آخر، و ليست الـمقرّبيـة و الـمبعّديـة كالأعراض الـخارجيـة الـمتضادّة حتّى لايكفي اختلاف الـعنوان في الـجمع بينهما.
و من هنا يورد على بعض الأعاظم (قدس سره) حيث جمع بين الـقول بجواز اجتماع الأمر و الـنهي، و بين الـقول ببطلان الـمجمع إذا كان عبادة كا لـصلاة في الـدار الـمغصوبـة; نظراً إلى امتناع كون شيء واحد مقرّباً و مبعّداً، فإنّه مع الالتزام باختلاف الـمتعلّقين، و جواز اجتماع الـحكمين، لاوجه للإشكال في صحّـة الـعبادة بعد ثبوت وصف الـمقرّبيـة لها بما هي صلاة و إن كانت مبعّدة بما هي غصب، فتدبّر.
هذا كلّه فيما إذا كان الـمحرّم من الـعناوين الـمتّحدة مع الـطهارة الـمائيـة. و أمّا
(الصفحة 308)
إذا توقّف فعلها على مقدّمـة مقارنـة محرّمـة، فالأمر فيه أوضح لعدم كونه متّحداً مع الـمحرّم حتّى يجري فيه بعض الاُمور الـمذكورة.
نعم، ربّما يقال هاهنا: بأنّ الأمر بما يتوقّف على الـقبيح قبيح كالأمر با لـقبيح، بل هو هو، فإنّ الأمر با لـشيء يقتضي إيجاب ما يتوقّف عليه، و لاأقلّ من أنّه يقتضي جوازه، و الـمفروض حرمـة الـمقدّمـة، فيمتنع أن يكون ما يتوقّف عليه واجباً.
و فيه: أنّه إن اُريد بالامتناع ما يرجع إلى امتناع اجتماع الأمر و الـنهي، فيرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى الـتحقيق عدم وجوب الـمقدّمـة ـ ما عرفت من منع الـمبنى و جواز الاجتماع، و إن اُريد به قبح نفس تعلّق الأمر بما يتوقّف على مقدّمـة محرّمـة، فيرد عليه منع الـقبح على فرض، و منع الـتعلّق على فرض آخر، يتّضح با لـتأمّل فيما ذكرناه.
و قد يقال: بعدم إمكان تصحيح الـوضوء الـمتوقّف على الاغتراف من الآنيـة الـمغصوبـة; لاشتراط تحقّقه في الـخارج بقصد حصول عنوانه بداعي الـتقرّب، فيكون الـقصد الـمحصّل لعنوانه من مقوّمات ماهيـة الـمأمور به، فيشترط فيه عدم كونه مبغوضاً للشارع، فغسل الـوجه إنّما يقع جزء من الـوضوء إذا كان الآتي به بانياً على إتمامه وضوءً، و هذا الـبناء ممّن يرتكب الـمقدّمـة الـمحرّمـة قبيح، يجب هدمه، و الـعزم على ترك الـوضوء بترك الـغصب، فلايجوز أن يكون هذا الـعزم من مقوّمات الـعبادة، بل الـعزم على ذي الـمقدّمـة عزم على إيجاد مقدّمته إجمالاً ولدى الـتحليل، لا أنّه موقوف عليه.
و فيه: أنّ ما هو الـقبيح هو الـعزم على الـغصب، لا الـعزم على إتمام الـوضوء، و حكم الـعقل بلزوم ترجيح جانب الـغصب و هدم الـعزم، ليس لأجل كون الـوضوء أو عزمه قبيحاً أو حراماً، بل لأجل ترجيح الأهمّ، فما هو من مقوّمات ماهيّـة الـوضوء هو
(الصفحة 309)
ا لـعزم على الـوضوء متقرّباً به إلى اللّه، و ما هو قبيح هو الـعزم على الـمعصيـة و الـتصرّف في الآنيـة الـمغصوبـة.
مع أنّ ما ذكره أخيراً: من كون الـعزم على ذي الـمقدّمـة عزم على إيجاد مقدّمته، ممّا لايمكن الـمساعدة عليه، فإنّ الـعزم و الإرادة من الأوصاف ذات الإضافـة، و يكون تشخّصها بمتعلّقها، و مع تعدّد الـمتعلّق لاتعقل وحدة الـصفـة، مضافاً إلى أنّ الإرادة تتوقّف على مبادئ مخصوصـة، و الـمبادئ فيهما مختلفـة، و مع اختلاف الإرادتين لايبقى مجال للقول بقبح الـعزم على إتمام الـوضوء.
و بما ذكرنا ظهر: فساد ما ربّما يقال من أنّه لايعقل الأمر با لـوضوء مع الـمقدّمـة الـمحرّمـة الـمنحصرة، للزوم الأمر بما يلازم الـحرام و هو قبيح، بل محال مع بقاء الـنهي على فعليته، كما هو الـمفروض، لما عرفت من تعلّق الأمر و الـنهي با لـعناوين، و لايسري حكم عنوان إلى آخر و إن اتّحد الـعنوانان في الـخارج، و الـحاكم في مقام الامتثال من جهـة كيفيته، و ترجيح الـراجح على الـمرجوح إنّما هو الـعقل، ولو فرض ورود حكم من الـشارع بلحاظ هذا الـمقام، فلابدّ أن يكون إرشاداً إلى حكم الـعقل، نعم إذا كان بين الـعنوانين تلازم، فلا مجال لجعل الـحكمين الـمتضادّين عليهما، ولكنّه خارج عن محلّ الـبحث.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّه لا حاجـة في إثبات الأمر با لـوضوء مع مزاحمته بالأهمّ إلى الـتشبّث بذيل مسأ لـة الـترتّب الـمعروفـة، بناء على صحّته في نفسه; لثبوت الإطلاق لدليل الـمتزاحمين الـشامل لحال الـتزاحم من غير تقييد، و إنّما يحكم الـعقل بلزوم الأخذ بالأهمّ و ترك الـمهمّ مع كونه مأموراً به، و يكون الـمكلّف معذوراً في ترك الـمهمّ، إذا اشتغل بالأهمّ، و مع الـعكس أتى با لـمأمور به و يثاب عليه، ولكنّه لايكون معذوراً
(الصفحة 310)
في ترك الأهمّ، كما أنّه إذا تركهما يستحقّ الـعقوبـة على كليهما.
هذا كلّه بناء على احتياج صحّـة الـعبادة إلى الأمر، ولكنّ الـحقّ خلافه، بل لايبعد الـقول با لـصحّـة مع الالتزام بكون الأمر با لـشيء يقتضي الـنهي عن ضدّه; لعدم اقتضاء الـنهي الـغيري للفساد، كما هو ظاهر، و على أيّ تقدير لاإشكال في صحّـة الـوضوء في الـفرض الـذي هو مورد الـبحث با لـنظر إلى الـقاعدة الـعقليـة.
و أمّا من الـجهـة الـثانيـة: فيقع الـكلام تارة في الـبطلان في الـموارد الـتي سقط الـتكليف الأوّلي بدليل الـعسر و الـحرج، و اُخرى فيه في الـموارد الـتي دلّت على الـسقوط فيها الـروايات الـخاصّـة، فهنا مقامان:
الأوّل: في الـبطلان في موارد جريان دليل الـعسر و الـحرج، و قد حقّق الـكلام في هذا الـمقام الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» بما لامزيد عليه، و ملخّصه مع تقريب و تقديم و تأخير منّا: «أنّ الأقرب هو الـبطلان، للتعليل الـمستفاد من الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـصوم، قال اللّه تعا لـى:
(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَ بَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).(1)
فإنّه يجري فيه احتمالات:
أحدها: أن يكون متعلّق الـتكليف هو نفس عنوان صوم الـمريض و الـمسافر، فهو بهذا الـعنوان موضوع للحرمـة، و إرادة الـيسر أو عدم إرادة الـعسر يكون واسطـة في ثبوت الـحكم لموضوعه.
ثانيها: أن يكون الـمتعلّق للحكم هو عنوان إبقاء الـيسر و عدم هدمه، فا لـحكم