(الصفحة 311)
ا لـمتحقّق في الـمقام هو الـحكم الـوجوبي الـثابت على هذا الـعنوان، و لايكون شيء آخر متعلّقاً للحكم، و لايكون هنا حكم آخر أصلاً.
ثا لـثها: أن يكون الـحكم هو الـحرمـة، و متعلّقها عنوان إيقاع الـعسر على الـنفس، من دون أن يكون متعلّقاً بشيء آخر، أو يكون هنا حكم آخر.
و الـثمرة تظهر في بطلان الـعبادة و عدمه، فعلى الأخيرين لا يلزم الـبطلان; لعدم كون الاتّحاد مع الـعنوان الـمحرّم أو الـمضادّة للواجب الأهمّ موجباً للبطلان بوجه، و على الأوّل تبطل; لتعلّق الـحرمـة بنفس عنوان الـعبادة.
و أقرب الاحتمالات هو الأوّل لأحد الأمرين:
الأمر الأوّل: مفهوم قوله تعا لـى:
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، بناء على ثبوت الـمفهوم أوّلاً، و كون الـمفهوم في مثله ممّا كان الـجزاء هي الـهيأة الـدالّـة على الـبعث هي الـهيأة الـدالّـة على الزجر ثانياً، و كلا الأمرين و إن كانت فيهما مناقشـة مذكورة في محلّه، إلاّ أ نّه لايبعد دعوى مساعدة الـعرف عليهما في مثل الآيـة ممّا كان الـجزاء من قبيل الـهيأة دون الـمعنى الاسمي، فا لـمفهوم في الـمقام: و من لم يشهد منكم الـشهر فلا يصمه.
و تؤيّده، بل تدلّ عليه في الـمورد روايـة عبيد بن زرارة ـ الـتي لايبعد أن تكون حسنـة على روايـة الـصدوق ـ قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): قوله عزّوجلّ:
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
قال:
«ما أبينها، من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه».(1)
و روايـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، الـتي رواها في «مجمع الـبيان»، أ نّه قال لمّا
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 8.
(الصفحة 312)
سئل عن هذه الآيـة:
«ما أبينها لمن عقلها قال: من شهد شهر رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر»، و مع الأمر بالإفطار في هذه الـروايـة كالأمر با لـصيام، لايبقى مجال لتوهّم أنّ الـنهي عن الـصوم ـ كما في الـروايـة الـسابقـة ـ لعلّه وارد مورد توهّم الـوجوب، فلا دلالـة له على أزيد من نفي الـوجوب، فتدبّر.
الأمر الـثاني: إطلاق قوله تعا لـى:
(وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)، حيث يدلّ على أنّ نفس الـمرض و الـسفر توجب عدّة من أيّام اُخر، من غير دخا لـة شيء آخر من إفطار أو غيره فيه، و لاشبهـة في أنّ هذه الـعدّة بدل و قضاء لشهر رمضان; لأنّ الـمستفاد من الـكريمـة أنّ الـواجب الأصلي هو صوم الـشهر، فإذا وجب الـقضاء بمجرّد طروّ أحد الـعنوانين مطلقاً، فلابدّ و أن يكون صومهما في الـشهر باطلاً، و إلاّ يلزم أن يكون وجوب الـقضاء مقيّداً بعدم الـصوم فيه، و هو خلاف إطلاق الآيـة، فتدبّر.
و يدلّ على ثبوت الإطلاق ـ مضافاً إلى ظهور الآيـة في نفسها ـ روايـة الـزهري، عن علي بن الـحسين (عليهما السلام) في حديث قال:
«و أمّا صوم الـسفر و الـمرض، فإنّ الـعامّـة قد اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لايصوم، و قال قوم: إن شاء صام و إن شاء أفطر، و أمّا نحن فنقول: يفطر في الـحا لـين جميعاً، فإن صام في حال الـسفر أو في حال الـمرض فعليه الـقضاء، فإنّ اللّه عزّوجلّ يقول: (وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ) فهذا تفسير الـصيام».(1)
فإنّ الاستشهاد بالآيـة، سيّما في مقابل الـعامّـة، يدلّ على دلالتها على الـبطلان في نفسها من دون إعمال تعبّد.
و يدلّ على بطلان الـصوم في الـسفر روايات كثيرة بتعابير مختلفـة، كتسميـة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 2.
(الصفحة 313)
ا لـصائم فيه عاصياً، أو أنّه لايصلّي على من مات صائماً في الـسفر، أو أنّ الـصوم فيه ليس من الـبرّ، أو أنّ الـصائم في شهر رمضان في الـسفر كا لـمفطر فيه في الـحضر، و مثل ذلك من الـتعبيرات الـظاهرة في كونه بنفسه محرّماً و باطلاً.
هذا بالإضافـة إلى الـصوم و أمّا الـتطبيق على الـمقام فمن وجهين:
ا لـوجه الأوّل: اشتراك الآيتين في الـتعبيرات و بيان الـحكم، فإنّ قوله تعا لـى في آيـة الـتيمّم:
(وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر) إلى قوله:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، إنّما هو كقوله تعا لـى في آيـة الـصوم:
(وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)فكما أنّ مقتضى إطلاقه وجوب الـقضاء ولو مع الـصوم في الـشهر، فكذلك مقتضى إطلاقه وجوب الـتيمّم ولو مع الـوضوء، و هذا لايجتمع مع صحّـة الـوضوء، كما لايخفى.
مع أنّ تمسّك الأئمّـة (عليهم السلام) بآيـة الـصوم للحرمـة تارة بمفهوم قوله تعا لـى:
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) كما في روايـة الـزهري، و اُخرى بقوله تعا لـى:
(فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)كما في روايتي زرارة و ابنه، مع كونها في مقام الامتنان، و سياقها كسياق آيـة الـتيمّم دليل على بطلان ما ذكره الـمتأخّرون من أنّ الـرفع في مقام الامتنان لا دلالـة له على الـعزيمـة و الـبطلان على فرض الـتخلّف، ضرورة أنّه معه لا موقع للتمسّك، فيدلّ ذلك على أنّ جعل الـتيمّم بدل الـوضوء أيضاً يكون كذلك.
ا لـوجه الـثاني: أنّ الـقضايا الـمشتملـة على الـتعليل الـمعمّم لاظهور لها في أنّ موضوع الـحكم حقيقـة إنّما هو حيثيـة الـعلّـة، بحيث لايكون مااُخذ في ظاهر الـقضيّـة موضوعاً عنواناً للموضوع أصلاً، بل الـظاهر بحسب نظر الـعرف كون الـموضوع هو نفس ذلك الـعنوان، غايـة الأمر أنّ حيثيـة الـعلّـة واسطـة في ثبوت
(الصفحة 314)
ا لـحكم لموضوعه، فقوله: «ا لـخمر حرام لأنّه مسكر» ظاهر عرفاً في أنّ موضوع الـحرمة هو الـخمر، وأنّ الـمسكريـة واسطـة لثبوت الـحكم على نفس عنوان الخمر.
و لاينافي ذلك كون الـعلّـة معمّمـة; لأنّ معنى الـتعميم لايرجع إلى ثبوت الـحكم لنفس حيثيـة الـعلّـة، بل يرجع إلى ثبوتها في جميع موارد تحقّقها و إن كان الـموضوع هي الـعناوين الـتي تكون الـعلّـة ثابتـة في مواردها، كما لايخفى.
و عليه فيصير الـمتفاهم من الآيـة: أنّ صوم الـمريض و الـمسافر حرام بعنوانه، لأجل إرادة الـيسر، و مقتضى تعميم الـعلّـة أنّ جميع ما يلزم منه الـحرج و الـعسر بعنوانه حرام، فا لـوضوء الـحرجي بعنوانه حرام، فيكون باطلاً، و كذا الـغسل الـحرجي.
و مثله الـكلام في عنوان ردّ الـصدقـة، الـذي تدلّ عليه روايـة يحيى بن أبي ا لـعلاء، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«ا لـصائم في الـسفر في شهر رمضان كا لـمفطر فيه في الـحضر».
ثمّ قال:
«إنّ رجلا ً أتى الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، أصوم شهر رمضان في الـسفر؟
فقال: لا.
فقال: يا رسول اللّه، إنّه عليّ يسير.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ اللّه تصدّق على مرضى اُمّتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أيحبّ أحدكم لو تصدّق بصدقـة أن تردّ عليه صدقته».(1)
و الـظاهر منها هي حرمـة عنوان الـصوم لعلّـة كونه ردّ الـصدقـة، فيجري في
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 5.
(الصفحة 315)
جميع موارد ثبوت الـعلّـة كا لـمقام.
و ليعلم أنّ هاهنا نكتـة اُخرى في باب الـتكا لـيف الـحرجيـة، و هي أنّه لو سلّم عدم دلالـة دليل نفي الـحرج على بطلان متعلّقات الـتكا لـيف الـنفسيـة الـحرجيـة، لدعوى بقاء الـجواز، بل الـرجحان مع رفع الإلزام، أو دعوى كفايـة ما يقتضي الـطلب و محبوبيـة الـفعل لصحّته، لكن لا يسلّم ذلك فيما إذا كان شرط الـمأمور به أو جزئه حرجياً; لأنّ مرجع نفي الـحرج فيه إلى نفي الـجزئيـة و الـشرطيـة، فيكون الـمأمور به هو الـفاقد لهما، ولو بدل الـشرط أو الـجزء بالآخر يكون الـمأمور به فعلاً هي الـطبيعـة الـمتقيّدة با لـبدل أو الـمشتملـة عليه، فالإتيان به مع الـجزء الـساقط زيادة في الـمأمور به الـفعلي، و الاكتفاء به مع فرض الـتبديل غير مجز عن الـواقع، و مجرّد الاقتضاء لايوجب عدم الـزيادة وجواز الاكتفاء بما فيه الاقتضاء، فا لصلاة الـمشروطة با لـتيمّم أو الـطهارة الـحاصلـة منه هي الـمأمور بها فعلاً، فالآتي بها مع الـوضوء أو الـغسل آت بغير شرطها، و كذا في تبديل الـجزء.
و دعوى حصول الـطهارة الـكاملـة با لـمائيـة غير متّضحـة، و الأكمليـة في تحصيل الـغرض لاتوجب الـوحدة واقعاً; لاحتمال كونهما صنفين أحدهما أفضل من الآخر، مع أنّ في أصل الـدعوى كلاماً لقوّة احتمال أن يكون الـطهور عبارة عن نفس الـوضوء و الـغسل و الـتيمّم، لا الأمر الـحاصل منها، مع أنّه أقرب بظواهر الأدلّـة و كلمات الأصحاب.
فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى دليل نفي الـحرج رفع شرطيـة الـطهارة الـمائيـة، و مقتضى جعل الـتيمّم بدلاً اشتراط الـصلاة به فعلاً، و قضيتهما بطلان الـصلاة مع الاكتفاء با لـمائيـة.