(الصفحة 341)
فإنّها ظاهرة في أنّ الـطين لايكون بتمامه صعيداً، بل مركّب منه و من الـماء الـطهور، فتدلّ على أنّ الـمراد با لـصعيد هو الـتراب.
و دعوى: أنّ الـسؤال فيها إنّما هو عن الأراضي الـممطورة الـتي يكون فيها الـطين و الأجزاء الـمائيـة الـقليلـة الـتي لاتضرّ بصدق عدم وجدان الـماء، و لا بصدق كون الأرض طينـة، فا لـمراد بقوله:
«صعيد طيّب» هو الـطين، و بقوله:
«ماء طهور» هو الأجزاء الـمائيـة، واضحـة الـمنع.
و الـعمدة في الـجواب ـ مضافاً إلى إرسال الـروايـة ـ أنّ دلالـة روايـة زرارة على كون الـطين صعيداً أظهر من دلالـة الـمرسلـة على نفيه، فتدبّر.
و يمكن أن يقال: بأنّ مراد الـروايـة إبطال ما ربّما يشعر، بل يدلّ عليه سؤال الـسائل من كون الـمراد با لـصعيد هو الـتراب الـذي لايصيبه الـرجل، و لايصيب الـماء أيضاً، و طريق الإبطال أنّ الـطهور بمقتضى الـكتاب إمّا الـماء الـذي وصفه اللّه تعا لـى به فيه، و إمّا الـصعيد الـطيّب الـمذكور في آيتي الـتيمّم، و عدم وجدان الـتراب لايلازم عدم وجدان الـصعيد; لأنّ الـطين صعيد و إن لايكون تراباً، فمراد الإمام (عليه السلام)بيان وجود أحد الـطهورين في الـمقام، لا أنّ الـطين مركّب من الـطهورين، ضرورة أنّ الـتركّب لا دلالـة له على جواز الـتيمّم، و إلاّ لكان الـلازم جواز الـتيمّم با لـماء بطريق أولى، كما لايخفى.
كلّ ذلك مضافاً إلى ما ورد من قوله(عليه السلام):
«ربّ الماء هو ربّ الأرض»، وقوله(عليه السلام):
«و إن فاتك الـماء لم تفتك الأرض»، و الـموثّق الـمتقدّم فيمن مرّت به جنازة، الـدالّ على جواز الـتيمّم بحائط اللبن و غيرها، ممّا يظهر منه عدم اختصاص ما يتيمّم به بخصوص الـتراب، و أنّ ما عليه الـمشهور هو الـصحيح.
(الصفحة 342)
ولكنّه قد استدلّ لمذهب الـخصم ـ بعد إجماع الـسيّد و كذا صاحب «ا لـغنيـة» ـ بروايات:
الاُولى: صحيحـة محمّد بن حمران و جميل بن درّاج، أنّهما سألا أباعبدا للّه (عليه السلام)عن إمام قوم أصابته جنابـة في الـسفر، و ليس معه من الـماء ما يكفيه للغسل، أيتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟
فقال:
«لا، ولكن يتيمّم الـجنب، و يصلّي بهم، فإنّ اللّه عزّوجلّ جعل الـتراب طهوراً كما جعل الـماء طهوراً».(1)
و في روايـة الـشيخ ترك لفظ «بعضهم»، و في روايـة الـكليني ترك قوله: «كما جعل الـماء طهوراً».
و تقريب الاستدلال: أنّها في مقام بيان الامتنان، ولو كان مطلق الأرض طهوراً لكان المناسب للمقام ذكرها مكان التراب، لاقتضاء عموميتها للأنسبية للامتنان، كما هو ظاهر.
و الـجواب: أنّه لم يظهر ورود الـروايـة في مقام الامتنان، فإنّ غايـة مفادها لزوم الـتيمّم في الـفرض الـمذكور في الـسؤال، معلّلاً بأنّ اللّه عزّوجلّ جعل الـتراب طهوراً.
و بعبارة اُخرى: الـروايـة إنّما هي بصدد إبطال لزوم الـتوضّيء مكان الـغسل; لعدم كفايـة الـماء له، و إفادة لزوم الـتيمّم، وليس واقعاً موقع الامتنان مع أنّ هذا الـظهور لايكاد يقاوم الـروايات الـمتقدّمـة الـظاهرة، بل الـصريحـة في الـتعميم.
ا لـثانيـة: صحيحـة رفاعـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«إذا كان الأرض مبتلـة ليس فيها تراب و لاماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّوجلّ».
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 2.
(الصفحة 343)
قال:
«فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو شيء مغبر، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلا بأس أن يتيمّم منه».(1)
و مثلها صحيحـة عبدا للّه بن الـمغيرة مع الـخلوّ عن الـتعليل(2)
. نظراً إلى أنّ فرض عدم الـتراب خاصّـة دليل على عدم جواز الـتيمّم حال الاختيار بغيره، و إلاّ لكان الـلازم فرض عدم الـحجر أيضاً، مع أنّ تخصيص عدم الـبأس عن الـتيمّم با لـطين بما إذا لم يجد غيره أيضاً دليل على عدم كونه من مصاديق الـصعيد في الآيـة الـشريفـة، و إلاّ لكان الـتيمّم به مشروعاً مطلقاً، كما لايخفى.
و اُجيب عنهما: بأنّه من الـقريب أن يكون فرض عدم الـتراب في الأرض الـتي لها بلّـة لم تصل إلى حدّ الـطين، لأجل أنّ الـبلّـة لم تنفذ إلى باطن الـتراب، فمع وجود الـتراب في الأرض الـمتبلّـة با لـمطر الـقليل مثلاً، يكون الـتيمّم بالأرض الـيابس ممكناً، برفع ظاهر الـتراب وا لتيمّم با لـيابس، فا لـصحيحة سيقت لبيان مراتب التيمّم، بأنّه إن أمكن بالأرض الـيابسـة فهو، و إلاّ بأجفّ موضع منها فالأجفّ إلى أن لايجد إلاّ الـطين فيتيمّم به، كما هو الـمفروض في ذيلها، فلا تكون بصدد بيان تقدّم الـتراب على سائر وجه الأرض، بل بصدد بيان تقدّم اليابس على غيره، والأجفّ على غيره، فهي غير مربوطـة با لمقام، ومع عدم إمكان الالتزام بهذه المراتب لابدّ من الحمل على الـفضيلة.
ا لـثا لـثـة: روايـة معاويـة بن ميسرة الـدالّـة على عدم إعادة الصلاة التي صلاها مع الـتيمّم، معلّلاً بقوله (عليه السلام):
«فإنّ ربّ الـماء هو ربّ الـتراب».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 10.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 13.
(الصفحة 344)
ا لـرابعـة: الأخبار الـدالّـة على استحباب نفض الكفّ بعد الضرب، بتقريب أنّه لو لا أن يكون الـتيمّم محصّلاً للعلوق لم يتوجّه رجحان الـنفض، فإنّه فرع وجود ما ينفض، فيستكشف من ذلك أنّ الـمراد بما يتيمّم به الـتراب.
و الـجواب من الأخيرتين قد ظهر من مطاوى ما ذكرنا، و لايبقى للقائل بالاختصاص إلاّ أمران:
أحدهما: دعوى الـسيّد في «ا لـناصريات» الإجماع على كون الـمراد من الـصعيد هو الـتراب، و كذا دعوى صاحب «ا لـغنيـة» الإجماع عليه.
و الـجواب: أنّ الـتأمّل في كلامهما صدراً و ذيلاً يقضي بعدم كون مرادهما دعوى الإجماع على ذلك، بل على أمر آخر خارج عن هذا الـبحث، فراجعهما و تأمّل فيهما.
و على تقدير كون مرادهما ذلك فلامجال للاتّكال عليها بعد تطابق اللغـة و الـروايات على الـخلاف و ذهاب الـمشهور إلى الـخلاف، مع أنّ الإجماع الـمنقول في نفسه لايكون واجداً لوصف الـحجّيـة، خصوصاً في مثل هذه الـمسأ لـة الـتي لاتكون متمحّضـة في الـشرعيـة، لارتباطها با للغـة، و لاتكون أصا لـة فيها للإجماع أصلاً.
ثانيهما: قاعدة الاشتغال، نظراً إلى أنّ مشروعيـة الـتيمّم بغير الـتراب مشكوكـة، فمقتضى الـقاعدة الـحاكمـة بلزوم تحصيل الـيقين با لـفراغ بعد الـيقين بالاشتغال، الاقتصار على الـتيمّم بخصوص الـتراب.
و الـجواب: أنّ الاستدلال بها ـ على تقدير وصول الـنوبـة إليها، لعدم وجود دلالـة لفظيـة على الـتعميم، و قد عرفت وجودها ـ إنّما يتوقّف على كون الـطهور الـذي لا صلاة إلاّ به عبارة عمّا يحصل من أفعال الـطهارات الـثلاث من الأمر الـمعنوي الـمتحصّل منها، ضرورة أنّه لو كان الـمراد با لـطهور هي نفس تلك الأفعال فا لـشكّ في
(الصفحة 345)
شرطيـة الـتراب مرجعه إلى الـشكّ في تكليف زائد، و الـمرجع فيه أصا لـة الـبرائـة، و قد عرفت أنّه لم يظهر لنا كون الـمراد با لـطهور هو الأمر الـمتحصّل لو لم نقل بظهور الـخلاف، كما مرّ فيما تقدّم.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: أن مقتضى الـتحقيق ما عليه الـمشهور من عدم اختصاص ما يتيمّم به بخصوص الـتراب، بل هو مطلق وجه الأرض، نعم الأحوط الـذي لاينبغي تركه هو الـتراب.
و قد بقي في هذه الـمسأ لـة اُمور:
ا لـتيمّم با لـجصّ و الـنورة
الأوّل: أنّه يجوز الـتيمّم با لـجصّ و الـنورة في الـجملـة، كما عن الـمشهور، و عن «مجمع الـبرهان» أنّه ينبغي أن يكون لانزاع فيه، و الـظاهر أنّ مراده عدم الـنزاع بين الـقائلين بعدم الاختصاص با لـتراب، و أنّه لافرق بينه و بين الـحجر، و إلاّ فا لـنزاع الـسابق يجري فيه.
و الـدليل على الـجواز صدق الأرض عليهما، و انطباق عنوان الـمعدن لايقدح في ذلك; لأنّ الـقادح هو عدم انطباق عنوان الأرض، لا انطباق عنوان آخر مثل الـمعدن، فلا مجال لما عن الـحلّي من الـمنع بلحاظ الـمعدنيـة.
كما أنّه لامجال للتفصيل بين حا لـتي الاختيار و الاضطرار; لأنّهما إن كانا خارجين عن عنوان الأرض، فلايجوز الـتيمّم بهما مطلقاً، و إلاّ فيصحّ كذلك، فا لـتفصيل ممّا ليس إليه سبيل.
و أمّا الـفرق بين حال الاحتراق و الـعدم، كما ربّما يدلّ عليه ظاهر الـمتن