(الصفحة 346)
و الـمحكيّ عن الأكثر، فمنشأه الـشكّ في صدق عنوان الأرض بعد الاحتراق، و احتمال الـخروج عن مسمّاها بمجرّد الـطبخ، و حصول الاستحا لـة بذلك.
و ربّما يستدلّ على الـجواز بخبر الـسكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام)أ نّه سئل عن الـتيمّم با لـجصّ.
فقال:
«نعم».
فقيل: با لـنورة.
فقال:
«نعم».
فقيل: با لـرماد.
فقال:
«لا، إنّه ليس يخرج من الأرض إنّما يخرج من الـشجر».(1)
فإنّ مقتضى الإطلاق و ترك الاستفصال عدم الـفرق بين الـحا لـتين، ولكن ربّما يضعف الـروايـة و عمدة الـدليل على الـجواز عدم تحقّق الاستحا لـة با لـطبخ، و عدم الـخروج عن مسمّى الأرض بالاحتراق، و مع الـشكّ لامانع من الـرجوع إلى الاستصحاب الـحكمي، لأ نّه لايجري الاستصحاب الـموضوعي بعد كون الـشبهـة مفهوميـة راجعـة إلى الـشكّ في سعـة دائرة مفهوم الأرض، بحيث تشمل بعد الاحتراق أيضاً، أو ضيقها بحيث تختصّ بما إذا لم يتحقّق الـطبخ، و في مثلها لامجال للاستصحاب الـموضوعي، كما إذا تردّد عنوان الـيوم بين أن يكون موضوعاً لما يمتدّ إلى ذهاب الـحمرة الـمشرقيـة، أو لما يختصّ بالامتداد إلى الاستتار و سقوط الـشمس، و أمّا الاستصحاب الـحكمي فلا مانع منه بعد عدم جريان الاستصحاب الـموضوعي، كما هو ظاهر.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 8، الـحديث 1.
(الصفحة 347)
و دعوى: كونه من الاستصحاب الـتعليقي الـمشهور بالإشكال، لأنّه إن كان الـمراد با لـجواز هو الـجواز با لـمعنى الـتكليفي الـمحض فهو معلوم لاحاجـة فيه إلى الاستصحاب، و إن كان الـمراد به هو ترتّب الـطهارة عليه فهو معلّق على وجوده، و الاستصحاب تعليقي و الإشكال فيه مشهور.
مدفوعـة: بعدم الـفرق بين هذا الاستصحاب، و بين استصحاب مثل طهارة الـماء و كرّيته، فإنّ الـحكم الـشرعي الـمستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» هو حصول الـطهارة با لـتيمّم بها، ولو كان الـمراد منه أنّه إن تيمّم بها تحصل الـطهارة، و بعبارة اُخرى كان مفاده حكماً تعليقياً، فلا مانع من استصحابه أيضاً لما حقّقناه في محلّه من جريان الاستصحاب في الـتعليقات الـشرعيـة الـواردة في ظواهر الأدلّـة، فعلى أيّ تقدير لامانع من الاستصحاب الـحكمي.
ا لـتيمّم بتراب الـقبر
ا لـثاني: يجوز الـتيمّم بتراب الـقبر و إن تحقّق نبشه، بل و إن تكرّر نبشه، حيث إنّه لامقتضى للمنع منه، و تخصيصه با لـذكر في هذا الـمقام إنّما هو لدفع توهّم كونه مستحيلاً من جسد الـميّت، ولكن من الـواضح أنّ الاستحا لـة منه ـ احتمالاً أو قطعاً ـ لايكاد يقدح في صحّـة الـتيمّم به; لأنّ الـملاك هو الـعنوان الـمستحال إليه.
ا لـتيمّم با لـتراب الـمستعمل
ا لـثا لـث: يجوز الـتيمّم با لـتراب الـمستعمل في الـتيمّم بلا خلاف فيه ظاهراً، بل عن جماعـة دعوى الإجماع عليه لعدم الـمانع منه مع إطلاق الأدلّـة، و الـتخصيص
(الصفحة 348)
با لـذكر إنّما هو للإشارة إلى بطلان ما حكي عن الـشافعي في أصحّ قوليه من الـمنع قياساً على الـماء الـمستعمل في رفع الـحدث الأكبر، و الـوجه فيه بطلان الـقياس، و الـمراد با لـمستعمل على ما ذكره بعض هو الـممسوح به، أو الـمتساقط عن محلّ الـضرب لا الـمضروب، فإنّه ليس بمستعمل عند الـجميع.
وكذا يجوز التيمّم با لتراب ذي اللون، لعدم الـفرق بين أقسام الـتراب من الأبيض و الأسود و الأصفر و الأحمر بإجماع الـعلماء، كما عن «ا لـتذكرة» لإطلاق الـتراب.
ا لـتيمّم با لـرماد
ا لـرابع: لايجوز الـتيمّم با لـرماد و إن كان من الأرض بلا إشكال و لاخلاف في الـجملـة، لعدم كونه أرضاً، و تؤيّده روايـة الـسكوني الـمتقدّمـة.
لكن ربّما يقال: إنّ الـتعليل فيها بعدم خروجه من الأرض و خروجه من الـشجر ربّما يقتضي جوازه برماد الـتراب و الـحجارة، و ليس با لـبعيد; إذ الـظاهر عدم خروج أجزاء الأرض بتأثّرها من الـنار، أو حرارة الـشمس، و صيرورتها رماداً من كونها من أجزاء الأرض حقيقـة.
وا لـظاهر عدم تماميـة هذا الـقول; لأنّ الـرماد حقيقـة غير حقيقـة الـتراب و الـحجر عرفاً، و ليس تبدّلهما به تبدّل صفـة مع بقاء الـذات، بل تبدّل حقيقـة بالاُخرى عرفاً و عقلاً. و منه يظهر أنّه مع الـشكّ في الـجواز لايبقى مجال للاستصحاب أصلاً; لعدم اتّحاد الـقضيتين بعد انتفاء الـحقيقـة الأوّليـة، و حدوث الـثانويـة.
و أمّا الـروايـة فقد عرفت ضعفها، فلايبقى مجال لمقتضى الـتعليل فيها، كما لايخفى. و كذا الـتعليل في روايـة الـراوندي: قيل هل يتيمّم با لـرماد؟
(الصفحة 349)
قال:
«لا; لأنّ الـرماد لم يخرج من الأرض».(1)
وكذا في رواية «ا لجعفريات»:
«ولايجوز با لـرماد; لأنّه لم يخرج من الأرض».(2)
مع أنّه ربّما يقال: إنّ الـتعليل لا دلالـة له إلاّ على الـمنع من كلّ ما لم يخرج من الأرض، و أمّا الـجواز بكلّ ما خرج منها فلا، و إلاّ لفهم منه جوازه با لـنباتات، و لكن فيه كلام يأتي في بحث الـمعادن إن شاء اللّه تعا لـى.
ا لـتيمّم با لـمعادن
ا لـخامس: لايجوز الـتيمّم با لـمعادن الـخارجـة من اسم الأرض، و إن كان منها، وكذا با لـنبات و الـشجر بلا إشكال و لاخلاف، إلاّ من ابن أبي عقيل; حيث إنّه حكي عنه أنّه جوّزه بالأرض، و بكلّ ما كان من جنسها كا لـكحل و الـزرنيخ; لأنّه يخرج من الأرض، و إن كان يمكن أن يقال: إنّ مراده من قوله: من جنسها، مالايخرج عن مسمّاها، فيوافق الـمشهور، و إن كان الـمثال و الـتعليل ربّما لايجتمعان مع ذلك.
و كيف كان يدلّ على عدم الـجواز ـ مضافاً إلى الـشهرة الـمحقّقـة و الإجماعات الـمنقولـة ـ ظواهر الأدلّـة الـدالّـة على انحصار ما يتيمّم به في الأرض و الصعيد، و أنّ ما خرج عن مسمّاها، و لاينطبق عليه عنوان الـصعيد و الأرض لايجوز الـتيمّم به، من دون فرق بين ما إذا كان أصله غير الأرض، أو كان أصله منها.
و ممّا ذكرنا ظهر أنّ عنوان الـمعدن لايكون موضوعاً للحكم با لـعدم، بل الـملاك هو الـخروج عن مسمّى الأرض، فلو فرض صدق عنوان الأرض على بعض الـمعادن
- (1)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 2.
- (2)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 3.
(الصفحة 350)
لامانع من الـتيمّم به، كحجر الـرمى و طين الـرأس و الأرمني و شبهها من الـمعادن الـمنطبق عليها عنوان الأرض.
ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على الـجواز بمطلق الـمعادن الـمتكوّنـة من الأرض الـمتحصّلـة منها، و إن لم ينطبق عليه عنوانها فعلاً با لـروايات الـمتقدّمـة الـواردة في الـرماد الـناهيـة عن الـتيمّم به، الـمعلّلـة بعدم الـخروج من الأرض، و قد عرفت الإيراد على الاستدلال بتعليلها.
و لكنّه أجاب عنه الـماتن ـ دام ظلّه ـ في رسا لـة الـتيمّم بما محصّله: أنّه بعد بطلان الـنقض با لـنباتات ـ لأنّها نابتـة من الأرض، لا متبدّلـة منها، و الـمراد من الـخروج من الأرض في الـروايات ليس مثل خروج الـنبات من الأرض، بل كخروج الـرماد من الـشجر ـ أنّ ذلك وارد لو اُريد الاستدلال
بمفهوم الـتعليل بدعوى دلالته على الـحصر و الانتفاء عند الانتفاء، ضرورة أنّ مقتضى إطلاق الـتعليل و إن كان تمام الـموضوعيـة و الـعلّيـة الـتامّـة إلاّ أنّ ذلك لايقتضي انحصار الـعلّـة، فيمكن أن يقوم شيء آخر مقامها في نفي الـجواز.
و أمّا لو اُريد الاستدلال بأنّه إذا كان عدم الـخروج من الأرض ـ الـذي يكون الـمراد به ظاهراً عدم الانقلاب منها ـ علّـة لعدم جواز الـتيمّم با لـرماد، لايمكن أن يكون الـتبدّل و الـخروج من الأرض أيضاً علّـة لعدم الـجواز، فالاستدلال على عدم جوازه با لـمعادن بأنّها خارجـة عن مسمّى الأرض ينافي مفاد الـروايات.
إن قلت: هذا إذا اُريد بقوله (عليه السلام):
«لم يخرج من الأرض» أنّه لم ينقلب منها، و أمّا لو اُريد منه أنّه لم تكن مادّته من الأرض، فلاينافي قول الـفقهاء بتقريب أنّ عدم الـجواز معلول لعلّتين: