(الصفحة 49)
و أمّا الـواجب غير الـمعيّن: فيدلّ على عدم الـشرطيـة فيه ـ مضافاً إلى الـتعليل الـواقع في الـموثّقـة الاُولى ـ ترك الاستفصال في الـموثّقـة الـثانيـة.
ولكن في الـتعليل ما عرفت من الإشكال، و في ترك الاستفصال أنّه لايبعد دعوى الانصراف إلى الـمندوب لو لم نقل بانصراف الـسؤال في حدّ ذاته إليه، مع أنّه من الـمعلوم عدم إرادة قضاء شهر رمضان منه، لما عرفت من ثبوت الاشتراط فيه، و عليه فيصير كا لـواجب الـمعيّن خا لـياً عن الـدليل، فيجري فيه حكمه الـذي ذكرناه آنفاً.
و قد نهى في الـمتن عن ترك الاحتياط في الـصوم الـواجب بترك تعمّد الإصباح جنباً فيه، و منشأه قوّة احتمال إلغاء الـخصوصيـة ممّا ورد في شهر رمضان أداءً و قضاءً، و قيام الـدليل على الـعدم في الـمندوب لايقدح في إلغائها بوجه، ولكنّ الـقوّة ممنوعـة، و الـظاهر عدم الاشتراط.
و على تقديره فا لـظاهر أنّ مراد الـمتن من الـواجب هو الـواجب با لـذات.
و أمّا الـواجب با لـعرض ـ كما إذا وجب بنذر و شبهه ـ فا لـظاهر أنّه بحكمه قبل تعلّق الـنذر به، خصوصاً على الـمبنى الـصحيح، و هو عدم صيرورة الـصوم با لـنذر و شبهه واجباً; لأنّ متعلّق الـوجوب هو عنوان الـوفاء با لـنذر، و لايسري الـوجوب منه إلى غيره، و لايصير الـصوم غير الـواجب بسبب الـنذر واجباً، كما مرّ مراراً.
الأمر الـثاني: الـجنابـة في أثناء الـنهار.
و هي تارة تكون عمديـة، و اُخرى غير عمديـة.
أمّا الـعمديـة: فقد صرّح في الـمتن بأنّها تبطل جميع أقسام الـصيام حتّى الـمندوب منها، و الـجماع أحد الاُمور الـتي يجب الإمساك عنها في الـصوم، كما يدلّ عليه الـكتاب و الـسنّـة و تقتضيه الـفتاوى.
(الصفحة 50)
كما أنّ مفطريـة الاستمناء، و حصول الـمنيّ، قد نفي الـخلاف فيها، بل في محكي «ا لـمدارك» و غيره دعوى الإجماع عليه صريحاً، و يدلّ عليها أيضاً نصوص كثيرة.
نعم، قد يظهر الـخلاف أو الـتردّد في وطي دبر الـمرأة، أو الـغلام من غير إنزال، و كذا في وطي الـدابـة، و الـتحقيق في محلّه.
و أمّا غير الـعمديـة: فلا يكون مفسداً للصوم حتّى في شهر رمضان إجماعاً على ما ادّعاه غير واحد، و الـنصوص الـدالّـة عليه كثيرة، و قد جمعها في «الوسائل» في الباب الـخامس و الـثلاثين من أبواب ما يمسك عنه الـصائم، فراجع.
كما أنّه لايجب عليه الـبدار إلى الـغسل بلا نقل خلاف فيه عن أحد، و إن كان ربّما يستشعر وجوبها من بعض الـروايات الـفاقدة لشرائط الـحجّيـة، و تمام الـكلام في محلّه.
(الصفحة 51)
و منها: أنّه يحرم على الـجنب اُمور:
الأوّل: مسّ كتابـة الـقرآن على الـتفصيل الـمتقدّم في الـوضوء، و مسّ اسم اللّه تعا لـى و سائر أسمائه و صفاته الـمختصّـة به، و كذا مسّ أسماء الأنبياء و الأئمّـة (عليهم السلام) على الأحوط.
ا لـثاني: دخول الـمسجد الـحرام و مسجد الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و إن كان بنحو الاجتياز.
ا لـثا لـث: الـمكث في غير الـمسجدين من الـمساجد، بل مطلق الـدخول فيها إن لم يكن مارّاً، بأن يدخل من باب و يخرج من آخر، أو دخل فيها لأجل أخذ شيء منها فإنّه لابأس به، و يلحق بها الـمشاهد الـمشرّفـة على الأحوط، و أحوط من ذلك إلحاقها با لـمسجدين، كما أنّ الأحوط فيها إلحاق الـرواق با لـروضـة الـمشرّفـة.
ا لـرابع: وضع شيء في الـمساجد و إن كان من الـخارج، أو في حال الـعبور.
ا لـخامس: قرائـة سور الـعزائم الأربع ـ و هي إقرأ، و الـنجم، و الم تنزيل، و حم الـسجدة ـ ولو بعض منها حتّى الـبسملـة بقصد إحداها1 .
ما يحرم على الـجنب
(1) قد تقدّم الـبحث في الأمر الأوّل من الاُمور الـمحرّمـة على الـجنب في فصل غايات الـوضوء، و لا حاجـة إلى الإعادة أصلاً.
(الصفحة 52)
دخول الـمسجدين
و أمّا الأمر الـثاني: و هو دخول الـمسجدين، و إن كان بنحو الاجتياز، فقد ادّعي الإجماع على حرمته على الـجنب، كما عن «ا لـغنيـة» و «ا لـمعتبر» و «ا لـمدارك» و عن «ا لـحدائق» نفي الـخلاف فيه.
و يدلّ عليه نصوص كثيرة مستفيضـة، كحسنـة جميل أو صحيحية قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـجنب، يجلس في الـمساجد.
قال:
«لا، ولكن يمرّ فيها كلّها إلاّ الـمسجد الـحرام، و مسجد الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)».(1)
و روايته اُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«للجنب أن يمشي في الـمساجد كلّها، و لايجلس فيها إلاّ الـمسجد الـحرام، و مسجد الـرسول».(2)
و روايـة محمّد بن حمران، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـجنب يجلس في الـمسجد.
قال:
«لا، ولكن يمرّ فيه إلاّ الـمسجد الـحرام، و مسجد الـمدينـة ...» ا لـحديث.(3)
و صحيحـة أبي حمزة قال: قال أبوجعفر (عليه السلام) :
«إذا كان الـرجل نائماً في الـمسجد الـحرام، أو مسجد الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فاحتلم فأصابته جنابـة، فليتيمّم، و لايمرّ في
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 5.
(الصفحة 53)
ا لـمسجد إلاّ متيمّماً، و لابأس أن يمرّ في سائر الـمساجد، و لايجلس في شيء من الـمساجد».(1)
و حسنـة محمّد بن مسلم أو صحيحته قال: قال أبوجعفر (عليه السلام) في حديث الـجنب و الـحائض:
«و يدخلان الـمسجد مجتازين، و لايقعدان فيه، و لايقربان الـمسجدين الـحرمين».(2)
و مقتضى الـروايـة الأخيرة حرمـة مطلق الـكون فيهما، و إن لم يصدق عليه عنوان الاجتياز و الـمرور، فا لـتعبير بالاجتياز في كلمات جماعـة ليس لأنّه أقلّ ما به يتحقّق الـتحريم، بل الـمراد به هو الـقرب الـذي هو كنايـة عن مطلق الـكون، كما في قوله تعا لـى:
(فَلايَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامِ).(3)
ا لـمكث في الـمساجد
و أمّا الأمر الـثا لـث: و هو الـمكث في سائر الـمساجد، بل مطلق الـدخول فيها، فيدلّ على حرمته قوله تعا لـى:
(وَ لاجُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبيل حَتّى تَغْتَسِلُوا)(4)
بمعونـة الأخبار الـواردة في تفسيره، الـدالّـة على أنّ المراد النهي عن إتيان المساجد التي هي مواضع الـصلاة في حال الـجنابـة.
فعن الـطبرسي في «مجمع الـبيان»، عن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسير الآيـة، أنّ معناه:
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 6.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 15، الـحديث 17.
- (3)
التوبـة / 28.
- (4)
ا لـنساء / 43.