(الصفحة 491)
بنحو الإطلاق لا يعتبر في مفهومه الـعصر.
و إن أراد أنّ الـعصر داخل في مفهومه مع تعلّقه بما يقبل الـعصر كا لـثياب و نحوها.
ففيه: أنّ هذا لا يسوّغ دعوى مدخليـة الـعصر في الـمفهوم، بل لازمه أنّ إضافـة الـغسل إلى مثل الـثوب، لها دخل في استفادة الـعصر.
مع أنّه أيضاً ممنوع; فإنّ الـعرف لا يرى في الـمثال الـمذكور أنّه لا يجوز أن يكتفي الـعبد في امتثا لـه بإدخال الـثوب في الـماء فحسب، بل يحكم بالاكتفاء.
و يؤيّده: أنّ ملاك الـغسل هي إزا لـة وسخ الـثوب ـ بانتقا لـه بنفسه، أو بعلاج ـ إلى الـماء الـمستولي عليه، و إخراجه من الـماء فضلاً عن عصره، لا مدخليّـة له في تحقّق هذه الـحقيقـة، بل هو أمر أجنبيّ عنها، و من مقدّمات الـتجفيف لا يرتبط با لـغسل.
نعم، في مثل الـفرك و الـدلك ـ من الـمعا لـجات الـحاصلـة في خلال الـغسل عند استيلاء الـماء على الـمحلّ، الـمؤثّرة في نقل الـوسخ إلى الـماء لا الـعصر الـحاصل بعده ـ يمكن أن يقال بمدخليته في ماهيـة الـغسل.
لكن الـظاهر أيضاً خروجها عنها، و كونها من مقدّمات حصول الـمفهوم، لا مقوّمات الـماهيـة، كما أنّ اعتبارها إنّما هو فيما إذا كانت الـنجاسـة عينيّـة متوقّفـة إزا لـتها على مثل هذه الـمعا لـجات، لا ما إذا كانت حكميـة أو ما هو بمنزلتها في عدم احتياج خلوص الـمحلّ منها إلى إعمال هذه الـمعا لـجات.
و قد انقدح ممّا ذكرنا: أنّ الأظهر عدم اعتبار الـعصر، و إن كان الأحوط رعايته.
(الصفحة 492)
و لا فرق بين أنواع الـنّجاسات و أصناف الـمتنجّسات، سوى الإناء الـمتنجّس با لـولوغ، أو بشرب الـخمر، و موت الـجرذ، فإنّ الأحوط تطهيره بهما، كتطهيره با لـقليل. بل الأحوط الأولى تطهير مطلق الإناء الـمتنجّس كا لـتطهير با لـقليل، و إن كان الأرجح كفايـة الـمرّة فيه.
و أمّا غيره، فيطهر ما لا ينفذ فيه الـماء و الـنجاسـة بمجرّد غمسه في الـكرّ أو الـجاري، بعد زوال عين الـنجاسـة، و إزا لـة الـمانع لو كان.
وا لـذي ينفذ فيه و لا يمكن عصره ـ كا لـكوز و الـخشب و الـصابون و نحو ذلك ـ يطهر ظاهره بمجرّد غمسه فيهما، و باطنه بنفوذا لـماء الـمطلق فيه; بحيث يصدق أنّه غسل به و لايكفي نفوذ الـرطوبـة. و تحقّق ذلك في غايـة الإشكال، بل الـظاهر عدم تحقّقه إلاّ نادراً.
و مع الـشكّ في تحقّقه بأن يشكّ في الـنفوذ أو في حصول الـغسل به يحكم ببقاء الـنجاسـة.
نعم، مع الـقطع بهما و الـشكّ في بقاء إطلاق الـماء، يحكم با لـطهارة. هذا بعض الـكلام في كيفيّـة الـتطهير با لـكرّ و الـجاري، و سنذكر بعض ما يتعلق به في طىّ الـمسائل الآتيـة1 .
(1) قد مرّ تطهير ما يقبل الـعصر با لـكرّ و الـجاري. و أمّا تطهير غيره بهما.
فتارة: يكون الـغير هو الإناء الـمتنجّس.
و اُخرى: يكون غيره.
و على الـتقدير الأوّل فتارة: يكون الإناء متنجّساً با لـولوغ أو بشرب الـخمر أو موت الـجرذ.
(الصفحة 493)
و اُخرى: يكون متنجّسا بغيرها، كا لـدم و الـمنيّ و شبههما.
كما أنّه على التقدير الثاني تارة: يكون غير الإناء شيئاً لاينفذ فيه الماء و لاالنجاسة.
و اُخرى يكون شيئاً ينفذ فيه الـماء و الـنجاسـة، ولكن لا يمكن عصره.
فهنا فروض أربعـة:
ا لـفرض الأوّل: تطهير الإناء الـمتنجّس بأحد الاُمور الـثلاثـة الـمذكورة با لـكرّ أو الـجاري.
و قد احتاط فيه في الـمتن ـ وجوباً ـ بتطهيره بهما كتطهيره با لـقليل; من جهـة رعايـة الـتعدّد، و عدم كفايـة الـمرّة.
و الـكلام في هذا الـفرض تارة: في الـولوغ.
و اُخرى: في شرب الـخمر.
و ثا لـثـة: في موت الـجرذ.
تطهير الإناء الـمتنجّس با لـولوغ
أمّا الـولوغ; فقد يكون ولوغ الـكلب، و قد يكون ولوغ الـخنزير:
أمّا ولوغ الـكلب، فقد نسب الـقول با لـتعدّد فيه في الـتطهير با لـكرّ أو الـجاري إلى جماعـة; لإطلاق موثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سئل عن الـكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل؟ و كم مرّة يغسل؟
قال:
«يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الـماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ ذلك الـماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه و قد طهر».
(الصفحة 494)
إلى أن قال:
«اغسل الإناء الـذي تصيب فيه الـجرذ ميّتاً سبع مرّات».(1)
فإنّ مقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين أن يتنجّس بشيء من الأعيان الـنجسـة، و بين أن يكون متنجّساً با لـمتنجّس.
نعم، في صحيحـة محمّد بن مسلم ما يظهر منه الاكتفاء با لـمرّة، حيث روى عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـكلب يشرب من الإناء.
قال:
«اغسل الإناء».
و عن الـسنّور قال:
«لا بأس أن تتوضّأ من فضلها; إنّما هي من الـسباع».(2)
فإنّ ظاهر إطلاق الـجواب جواز الاكتفاء با لـمرّة لتحقّق عنوان الـغسل بها.
إلاّ أن يقال: إنّ محطّ الـسؤال إنّما هي جهـة نجاسـة الـكلب و أنّ شربه من الإناء يوجب تنجّسه أم لا، فلا نظر له إلى كيفيّـة الـتطهير و كمّيـة الـغسل بعد الـفراغ عن الـنجاسـة و تنجّس الإناء، فتدبّر.
ولكنّه ربّما يقال في مقام الـجمع بين الـموثّقـة و الـصحيحـة: إنّ الاُولى تختصّ با لـغسل با لـماء الـقليل; لعدم إمكان جعل الـماء الـكثير في الإناء ثمّ تفريغه، خصوصاً مع الـتصريح بـ «ا لـكوز» الـذي لا يمكن جعل الـماء الـكثير فيه أصلاً، فا لـموثّقـة حينئذ مختصّـة با لـماء الـقليل، و عليه فترفع الـيد عن إطلاق الـصحيحـة ـ الـشامل لغسل الإناء با لـقليل أو بغيره من الـمياه الـمعتصمـة ـ با لـتقييد با لـثانيو الـحكم بأنّ الاكتفاء با لـمرّة إنّما هو فيما إذا اُريد غسله بمثل الـجاري أو الـكرّ.
و هنا روايـة ثا لـثـة: و هي صحيحـة الـبقباق قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 2، الـحديث 3.
(الصفحة 495)
فضل الـهرّة و الـشاة ... إلى أن قال: فلم أترك شيئاً إلاّ سأ لـته عنه، فقال:
«لا بأس به» حتّى انتهيت إلى الـكلب.
فقال:
«رجس نجس، لا تتوضّأ بفضله، و أصبب ذلك الـماء، و اغسله با لـتراب أوّل مرّة، ثمّ با لـماء».(1)
و قد نقلها الـمحقّق في محكيّ «ا لـمعتبر» هكذا:
«ثمّ با لـماء مرّتين».
و عليه فمقتضى إطلاقها، أنّه لا فرق في لزوم الـتعدّد و عدم جواز الاكتفاء با لـمرّة، بين الـقليل و غيره، كما أنّ مقتضى إطلاق الـروايـة ـ بناءً على نقل «ا لـوسائل» في موضعين ـ جواز الاكتفاء با لـمرّة مطلقاً، و عليه فيقيّد في الـقليل با لـموثّقـة، كما عرفت في الـصحيحـة الـمتقدّمـة، و يبقى الـجواز في غير الـقليل بحا لـه، و يقع الـكلام حينئذ في ترجيح أحد الـنقلين على الآخر.
قال في «ا لـمدارك» بعد ما رواها خا لـيـة عن لفظ «ا لـمرّتين»: كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث، و نقله الـشيخ (قدس سره) كذلك في مواضع من «ا لـخلاف» و الـعلاّمـة في «ا لـمختلف» إلاّ أنّ الـمصنّف نقله في «ا لـمعتبر» بزيادة لفظ
«ا لـمرّتين» بعد قوله:
«ثمّ با لـماء» و قلّده في ذلك من تأخّر عنه و لا يبعد أن يكون ذلك من قلم الـناسخ.
و مقتضى إطلاق الأمر با لـغسل، الاكتفاء با لـمرّة الـواحدة بعد الـتعفير، إلاّ أنّ ظاهر «ا لـمنتهى» و صريح «ا لـتذكرة» انعقاد الإجماع على تعدّد الـغسل با لـماء، فإن تمّ فهو الـحجّـة، و إلاّ أمكن الإجزاء با لـمرّة; لحصول الامتثال بها.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 1، الـحديث 4، و أبواب الـنجاسات، الـباب 70، الـحديث 1.