(الصفحة 495)
فضل الـهرّة و الـشاة ... إلى أن قال: فلم أترك شيئاً إلاّ سأ لـته عنه، فقال:
«لا بأس به» حتّى انتهيت إلى الـكلب.
فقال:
«رجس نجس، لا تتوضّأ بفضله، و أصبب ذلك الـماء، و اغسله با لـتراب أوّل مرّة، ثمّ با لـماء».(1)
و قد نقلها الـمحقّق في محكيّ «ا لـمعتبر» هكذا:
«ثمّ با لـماء مرّتين».
و عليه فمقتضى إطلاقها، أنّه لا فرق في لزوم الـتعدّد و عدم جواز الاكتفاء با لـمرّة، بين الـقليل و غيره، كما أنّ مقتضى إطلاق الـروايـة ـ بناءً على نقل «ا لـوسائل» في موضعين ـ جواز الاكتفاء با لـمرّة مطلقاً، و عليه فيقيّد في الـقليل با لـموثّقـة، كما عرفت في الـصحيحـة الـمتقدّمـة، و يبقى الـجواز في غير الـقليل بحا لـه، و يقع الـكلام حينئذ في ترجيح أحد الـنقلين على الآخر.
قال في «ا لـمدارك» بعد ما رواها خا لـيـة عن لفظ «ا لـمرّتين»: كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث، و نقله الـشيخ (قدس سره) كذلك في مواضع من «ا لـخلاف» و الـعلاّمـة في «ا لـمختلف» إلاّ أنّ الـمصنّف نقله في «ا لـمعتبر» بزيادة لفظ
«ا لـمرّتين» بعد قوله:
«ثمّ با لـماء» و قلّده في ذلك من تأخّر عنه و لا يبعد أن يكون ذلك من قلم الـناسخ.
و مقتضى إطلاق الأمر با لـغسل، الاكتفاء با لـمرّة الـواحدة بعد الـتعفير، إلاّ أنّ ظاهر «ا لـمنتهى» و صريح «ا لـتذكرة» انعقاد الإجماع على تعدّد الـغسل با لـماء، فإن تمّ فهو الـحجّـة، و إلاّ أمكن الإجزاء با لـمرّة; لحصول الامتثال بها.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 1، الـحديث 4، و أبواب الـنجاسات، الـباب 70، الـحديث 1.
(الصفحة 496)
ولكنّه ربما يقال: بترجيح نقل «ا لـمعتبر» إمّا لأنّ استدلال الـمحقّق و غيره بها يمنع من احتمال سهو الـقلم، كما أنّ عدم تعرّض الـمحقّق لاختلاف الأصل الـذي روى عنه مع أصل الـشيخ، يشهد بكونها في «ا لـتهذيبين» كذلك. و احتمال كون روايـة الـمحقّق لها با لـزيادة الـمذكورة، من جهـة الاتّفاق على الـتثليث بعيد.
و إمّا لأنّه عند دوران الأمر بين احتما لـي الـزيادة و الـنقيصـة يتعيّن الأخذ با لـزيادة; لأنّ احتمال الـغفلـة في طرف الـزيادة أضعف و أهون من احتما لـها في طرف الـنقيصـة، لأنّ الـناقل قد يغفل فيترك شيئاً و ينقصه، و أمّا أنّه يغفل فيزيد فهو احتمال ضعيف. و تفرّد الـمحقّق في نقلها هكذا، لا يوجب أن يكون احتمال الـغفلـة و الاشتباه في طرف الـزيادة أقوى و آكد، بعد ما عرفت من استدلاله و غيره بها.
و يؤيّده الإجماع الـمحكيّ في «ا لـمسا لـك» في الـعبارة الـمتقدّمـة; فإنّ ظاهر إطلاق معقده لزوم الـتعدّد حتّى في الـغسل با لـمياه الـمعتصمـة. إلاّ أن يقال: بأنّ الـقدر الـمتيقّن خصوص الـماء الـقليل.
و كيف كان: فبملاحظـة ما ذكرنا يظهر أنّ الأحوط لو لم يكن أقوى هو الـتعدّد. هذا في الـكلب.
و أمّا ولوغ الـخنزير، فقد ورد فيه صحيحـة عليّ بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) حيث قال: و سأ لـته عن خنزير يشرب من إناء، كيف يصنع به؟
قال:
«يغسل سبع مرّات».(1)
و مقتضى إطلاقها أنّه لا فرق في لزوم الـتعدّد بين الـغسل با لـماء الـقليل، و بين الـغسل بغيره من الـمياه الـمعتصمـة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 13، الـحديث 1.
(الصفحة 497)
ولكنّه ربّما يستبعد أصل وجوب الـغسل سبع مرّات; بمنافاتها لما ورد في صدرها حيث قال في الـصدر: سأ لـته عن الـرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغلسه، فذكر و هو في صلاته، كيف يصنع به؟
قال:
«إن كان دخل في صلاته فليمض، فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله».
نظراً إلى دلالته على الاكتفاء بمجرّد الـغسل الـمتحقّق با لـمرّة في ذهاب أثر الـخنزير الـمنتقل منه إلى الـثوب، و هذا ينافي إيجاب الـسبع في الـذيل في الإناء، مع أنّ تطهير الـثوب أصعب من تطهير الإناء.
و يدفعه: مضافاً إلى أنّ هذا الـنحو من الاستبعادات الـعقليـة، لا مجال له في الأحكام الـشرعيـة الـتعبّديـة ـ أنّ الـفرق يمكن أن يكون لأجل اهتمام الـشرع بشأن الإناء الـمعدّ للأكل و الـشرب، بخلاف الـثوب كما لا يخفى.
و كيف كان: فمقتضى إطلاق الـصحيحـة لزوم الـتعدّد في الـغسل با لـماء الـمعتصم أيضاً، و ليس في مقابلها ما يدلّ على الـخلاف إلاّ بعض الإطلاقات الـمحمول على غير الـخنزير من سائر الـنجاسات و الـمتنجّسات، كما أنّه لابدّ من تقييده بغير الـكلب أيضاً على ما عرفت.
تطهير الإناء الـذي شرب فيه الـخمر
و أمّا الإناء الـذي شرب فيه الـخمر، فقد وردت فيه روايتان:
إحداهما: موثّقـة عمّار بن موسى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـدّن يكون فيه الـخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ أو زيتون؟
قال:
«إذا غسل فلا بأس».
(الصفحة 498)
و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أيصلح أن يكون فيه ماء؟
قال:
«إذا غسل فلا بأس».
و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الـخمر.
قال:
«تغسله ثلاث مرّات».
و سأل أيجزيه أن يصبّ فيه الـماء؟
قال:
«لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات».(1)
و لا منافاة بين صدرها و ذيلها، بناءً على كونها بأجمعها روايـة واحدة صادرة في مجلس واحد; لأنّه يحتمل:
أوّلاً: أن يكون الـصدر متعرّضاً لبيان أصل الـنجاسـة و لزوم الـغسل، من دون نظر إلى كيفيـة الـتطهير.
و ثانياً: على تقدير كونه في مقام الـبيان من هذه الـجهـة، لابدّ وأن يقيّد إطلاق الـصدر با لـذيل الـصريح في تعدّد الـغسل.
كما أنّ الـمناقشـة في الـذيل; من جهـة احتمال كون الـتعدّد منحصراً بما إذا اُريد غسله با لـماء الـقليل، و يؤيّده السؤال الأخير من جهـة اشتما لـه على كلمـة «ا لصبّ» الـظاهرة في الـقليل في مثل الـقدح و الإناء، مدفوعـة بأنّ الـسؤال لا دلالـة له على الاختصاص، ومقتضى الإطلاق الواقع قبله، لزوم الـتعدّد في الغسل بغير الـقليل أيضاً.
ثانيتهما: موثّقته الاُخرى عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): عن الإناء يشرب فيه الـنبيذ.
فقال:
«تغسله سبع مرّات، و كذلك الـكلب».(2)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 51، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 30، الـحديث 2.
(الصفحة 499)
و هذه تدلّ على وجوب الـغسل سبع مرّات، ولكن مقتضى الـجمع بينهما هو حمل هذه على الاستحباب، كما هو مقتضى الـفهم الـعرفي في أمثال الـمقام، و يؤيّده اشتمال هذه على الـكلب الـذي لا يلزم فيه الـزائد على الـثلاث كما عرفت.
تطهير الإناء الـمتنجّس بموت الـجرذ
و أمّا موت الـجُرَذ و هو الـكبير من الـفأرة الـبريّـة، فمقتضى ذيل موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة الـواردة في ولوغ الـكلب، وجوب الـغسل سبع مرّات، حيث قال فيه:
«اغسل الإناء الـذي تصيب فيه الـجرذ ميّتاً سبع مرّات».(1)
و اختصاص موردها في الـكلب با لـقليل بلحاظ اشتما لـه على الـحكم بوجوب صبّ الـماء فيه، ثمّ تفريغه و الـصبّ، و الـتفريغ إنّما هما في مورد الـقليل لا يلزم أن يكون الـذيل الـوارد في موت الـجرذ الـمشتمل على كلمـة «ا لـغسل» مختصّاً با لـماء القليل أيضاً، فمقتضى إطلاق الـذيل عدم الـفرق بينه و بين غيره من الـمياه المعتصمة.
تطهير الإناء الـمتنجّس بغير الاُمور الـمذكورة
ا لـفرض الـثاني: تطهير الإناء الـمتنجّس بغير الاُمور الـثلاثـة أو الأربعـة الـمذكورة في الـفرض الأوّل.
قال في محكيّ «ا لـذكرى»: لا ريب في عدم اعتبار الـعدد في الـجاري و الـكثير في غير الـولوغ.
و قال قبل ذلك في الـولوغ: و لا يشترط فيهما الـعدد ... .
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.