(الصفحة 500)
و ظاهره أنّ الـمسأ لـة كأنّها متسا لـم عليها عند الأصحاب. و ما يمكن الاستدلال به لها اُمور:
أحدها: انصراف دليل اعتبار الـعدد إلى الـغسل با لـماء الـقليل، و عدم شموله للغسل بغيره من الـمياه الـمعتصمـة، فا لـمرجع فيه هي الإطلاقات، و مقتضاها الاكتفاء با لـغسل مرّة واحدة.
و الـجواب عنه: منع الانصراف; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ غلبـة الـوجود لا تكون منشأً للانصراف، بل منشأه هي غلبـة الاستعمال الـمنتفيـة في الـمقام قطعاً ـ تكون غلبـة الـوجود ممنوعـة أيضاً; لأنّ الـحياض الـمعمولـة في هذه الازمنـة و إن لم تكن متداولـة في تلك الـعصور، إلاّ أنّ الـغسل با لـماء الـمعتصم كان رائجاً بينهم لأجل الـسكنى في أطراف الـبحار و الـشطوط، أو الـغدران الـتي كانت الـمياه الـمجتمعـة فيها أضعاف الـكرّ غا لـباً، خصوصاً في مثل الـشتاء.
ثانيها: ما حكاه الـعلاّمـة في «ا لـمختلف»: من أنّه ذكر بعض علماء الـشيعـة أنّه كان با لـمدينـة رجل يدخل على أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام)، و كان في طريقه ماء فيه الـعذرة وا لـجيفـة، و كان يأمر الـغلام أن يحمل كوزاً من ماء يغسل به رجله إذا خاضه.(1)
قال فأبصرني(2)
يوماً أبوجعفر (عليه السلام) فقال:
«إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره، فلاتعد منه غسلاً».(3)
- (1)
أصابه (خ ل).
- (2)
فأبصره (خ د).
- (3)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 9، الـحديث 8.
(الصفحة 501)
و مراده ببعض علماء الـشيعـة ابن أبي عقيل كما قيل.
فإنّ مفاده أنّ مجرّد الإصابـة، يكفي في الـتطهير با لـماء الـكثير، من دون توقّف على تحقّق الـغسل، فضلاً عن تعدّده كما لا يخفى.
و يرد عليه: عدم صلاحيـة الـروايـة للاستدلال بها; لكونها مرسلـة، و لا جابر لإرسا لـها من عمل الأصحاب، بعد عدم وجودها في جوامع الـحديث، و كون الـناقل لها الـعلاّمـة في كتابه الـفقهي.
مضافاً إلى عدم ثبوت كون الـماء كثيراً; لأنّ وجود الـماء الـكذائي أعمّ من كونه كذلك.
نعم، في طهارة الـشيخ الأعظم (قدس سره) اُضيف قوله: «مشيراً إلى غدير الـماء» و الـغدير مشتمل على الـكثير نوعاً، ولكنّه لم يعلم مأخذه مع كون مراده هذا الـخبر، و هو أعرف بما قال. و على أيّ فا لـروايـة غير صا لـحـة للاستدلال.
ثا لـثها: ما أفاده في «ا لـمستمسك»: من أنّه يمكن أن يستفاد عدم اعتبار الـتعدّد ممّا ورد في ماء الـمطر من قوله (عليه السلام):
«كلّ شيء يراه ماء الـمطر فقد طهر» بناءً على عدم الـقول با لـفصل بينه و بين الـكثير و الـجاري للأولويّـة.
و يرد عليه: مضافاً إلى كون الـروايـة مرسلـة ـ أنّ عدم الـقول با لـفصل إن كان مرجعه إلى الإجماع على عدم الـفصل، فا لـجواب: أنّ هذا الإجماع ـ مضافاً إلى كونه إجماعاً منقولاً و هو غير معتبر ـ غير متحقّق; لأنّهم قد فصّلوا بين ماء الـمطر و غيره بعدم اعتبارهم الـعصر في تحقّق الـطهارة با لـمطر، بخلاف غيره من سائر الـمياه.
و إن كان مرجعه إلى الأولويّـة كما هو ظاهر الـعبارة، فا لـجواب: أنّ الأولويّـة الـظنّيـة غير معتبرة، و الـقطعيـة غير متحقّقـة، خصوصاً مع ملاحظـة ما ذكرنا في
(الصفحة 502)
مسأ لـة اعتبار الـعصر من الـتفصيل بين الـمطر و غيره، فهذا الـوجه أيضاً غير تامّ.
رابعها: إطلاق أدلّـة مطهّريـة الـماء من الآيات و الـروايات الـدالّـة على ذلك، و إطلاق ما دلّ على أنّ الـمتنجّس يطهر بمجرّد تحقّق غسله، من دون الـتقييد با لـعدد.
و يدفعه: أنّ هذا الإطلاق إنّما يصحّ الـرجوع إليه فيما إذا لم يكن في مقابله ما يدلّ على اعتبار الـعدد، و إلاّ فلا يبقى مجال للرجوع إليه، هذا من دون فرق بين أن يكون دليل الـعدد وارداً في مورد خاصّ كما في الـموارد الـمتقدّمـة الـتي قام الـدليل على اعتبار الـتعدّد فيها ـ كما في الـولوغ و شرب الـخمر و موت الـجرذ ـ و بين أن يكون دليل الـعدد مطلقاً; و كان مفاده اعتباره في جميع موارد الـتطهير با لـماء، فإنّ إطلاق دليله
مقدّم على إطلاق دليل الـمطلق، كما لا يخفى.
خامسها: صحيحـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـثوب يصيبه الـبول.
قال:
«اغسله فى الـمِرْكَن مرّتين، فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة».(1)
بتقريب: أنّ الـجملـة الأخيرة بيان لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الاُولى; حيث أنّ مفادها في ناحيـة الـمفهوم، عدم وجوب الـتعدّد مع الـغسل في غير الـمركن، و مقتضى إطلاقه عدم الـفرق بين الـجاري و الـكرّ و غيرهما من الـمياه الـمعتصمـة، و قد صرّح ببعض هذا الـمفهوم في الـجملـة الأخيرة، و لعلّ الـوجه في الـتصريح به كثرة وجود الـماء الـجاري بالإضافـة إلى غيره.
و اُورد عليه: بأنّه يمكن أن تعكس الـدعوى على الـمدّعي با لـقول: بأنّ الـجملـة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 2، الـحديث 1. قال الـجوهري: الـمِرْكَن: الإجانـة الـتي تغسل فيها الـثياب.
(الصفحة 503)
الاُولى بيان لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الـثانيـة، حيث إنّ مفهومها عدم كفايـة الـمرّة في غير الـماء الـجاري، و متقضى إطلاقه أنّه لا فرق بين الـكثير و الـقليل، و قد صرّح ببعضه في الـجملـة الاُولى، و الـوجه فيه كثرة وجود الـماء الـقليل بالإضافـة إلى الـكرّ. فالاحتمالان متساويان، و الـصحيحـة غير قابلـة للاستدلال بها على أحدهما.
و يدفعه: وضوح كون الـجملـة الـثانيـة بياناً لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الاُولى دون الـعكس; و ذلك بقرينـة الـتفريع «با لـفاء» فإنّه لو كانت الـجملـة الـثانيـة مبتدئـة با لـواو لكان لهذا الاحتمال مجال، و أمّا مع الـتفريع با لـفاء فلاموقع له، كما في قوله تعا لـى:
(وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ...)(1)
فإنّه ظاهر في أنّ قوله
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ) تفريع على الـجملـة الاُولى و تصريح ببعض مفهومه.
نعم، يمكن الإيراد على الاستدلال با لـصحيحـة: بأنّ موردها الـبول، و الـمدعّى أعمّ منه و من سائر الـنجاسات غير الـولوغ و شبهه ممّا تقدّم.
و يمكن دفع الإيراد: بأنّه إذا لم يكن تطهير الـبول محتاجاً إلى الـتعدّد في الـمياه الـمعتصمـة، فغير الـبول لعلّه بطريق أولى; و ذلك لاعتبار الـتعدّد فيه في الـغسل با لـماء الـقليل بلا إشكال دون غيره، كما يأتي الـبحث عنه إن شاء اللّه تعا لـى.
و قد تحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الأدلّـة الـتي اُقيمت على عدم اعتبار الـعدد في تطهير الإناء الـمتنجّس بغير الـولوغ و شبهه، لا تنهض لإثباته.
(الصفحة 504)
نعم، لا يكون هناك ما يدلّ على اعتباره أيضاً، فا لـلازم الـرجوع إلى إطلاق أدلّـة حصول الـطهارة للمتنجّس بمجرّد تحقّق الـغسل.
نعم، لو لم يكن هناك إطلاق، و وصلت الـنوبـة إلى الاُصول الـعملـيـة، لكان مقتضى استصحاب بقاء الـنجاسـة إلى أن يتحقّق الـتعدّد عدم كفايـة الـمرّة في التطهير، كما حكي اعتباره عن «ا لخلاف» و «ا لـمبسوط» و «ا لـمعتبر» وغيرها، و لعلّ وجهه عدم ثبوت الإطلاق لهذه الأدلّـة; لاختصاص موردها بغير الأواني، و عدم كون إطلاق أدلّـة مطهّريـة الـماء قابلاً للتمسّك; لعدم كونه في مقام الـبيان من هذه الـجهـة فتدبّر.
هذا، ولكن قد عرفت إمكان الـقول بتماميـة بعض الأدلّـة الـخمسـة الـمذكورة، كا لـدليل الأخير، و عليه فالأظهر كفايـة الـمرّة و إن كان الأحوط الـتعدّد.
تطهير ما لا ينفذ فيه الـماء غير الإناء
ا لـفرض الـثا لـث: الـمتنجّس الـذي لا يكون إناء، و لا ينفذ فيه الـماء و لا الـنجاسـة.
و قد حكم فيه في الـمتن بحصول الـطهارة له بمجرّد غمسه في الـماء الـجاري أو الـكرّ، بعد زوال عين الـنجاسـة، و إزا لـة الـمانع لو كان.
و مرجعه إلى أنّه لا يعتبر فيه الـعصر; لأنّ الـمفروض عدم نفوذ الـماء فيه، فلا معنى لعصره، و لا يعتبر فيه الـتعدّد أيضاً; لما عرفت من أنّ دليل الـتعدّد إمّا وارد في الـماء الـقليل، و إمّا في مورد الإناء مطلقاً، أو في الـجملـة، و أمّا في غير الإناء ـ مع فرض الـتطهير بغير الـماء الـقليل من الـمياه الـمعتصمـة ـ فلا يكون هنا ما يدلّ على اعتبار