(الصفحة 511)
و بالآخرة لا دليل على كون الـزيادة جزء، و على تقديره لا دليل على اعتبارها; لعدم ظهور الـواسطـة الـتي نقل الـمحقّق منه الـروايـة كما لايخفى.
مضافاً إلى ما اُفيد: من أنّه لو سلّم ثبوت الـزيادة لا تصلح للتصرّف في الـنصوص الـمذكورة; لأنّه يؤدّي إلى حمل الـنصوص على صورة وجود الـعين، و هو خلاف الـغا لـب، و إلى حمل الأمر با لـغسلـة الاُولى على الـحكم الـعرفي; لا الـشرعيّ، و على الـتخييري لا الـتعييني; لأنّ الإزا لـة كما تكون با لـغسل، تكون با لـشمس و با لـهواء و با لـمسح بشيء و بغيرها، و كلّ ذلك خلاف الـظاهر، بل خلاف الـسياق مع الأمر با لـغسلـة الـثانيـة كما لا يخفى، و لا يمكن ارتكاب جميع ذلك بمجرّد هذه الـزيادة.
ثانيهما: أنّه يستفاد من الـنصوص الآمرة با لـتعدّد ـ و لو لأجل الـمناسبـة الـمركوزة بين الـحكم و موضوعه ـ أنّ الـغسلـة الاُولى للإزا لـة، و الـثانيـة للتطهير، و مع زوال الـعين بنفسها لا حاجـة إلى الـتعدّد بوجه.
و يدفعه: منع الاستفادة بعد ظهور الـنصوص في اعتبار الـغسلتين، و لزوم الاُولى كا لـثانيـة، و لم يقم دليل على كون الـغرض من الاُولى الإزا لـة; بحيث يقوم مقامها كلّ ما هو موجب للإزا لـة.
مع أنّه على تقديره، لا مجال لرفع الـيد عن ظهور الـنصوص في مدخليـة الـماء في تحقّق الإزا لـة; لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـماء في الـغسلـة الاُولى موجباً لزوال الـمرتبـة الـشديدة من الـنجاسـة الـحاصلـة، و يتوقّف زوا لـها با لـمرتبـة الـناقصـة أيضاً على الـغسلـة الـثانيـة، فمدخليـة لزوم الـماء في زوال الـعين ـ بناءً على ذلك ـ لا دليل على خلافها بعد ظهور الـروايـة فيها.
(الصفحة 512)
و لعلّه لأجل ما ذكر احتاط في الـمتن ـ وجوباً ـ بكون الـغسلتين غير غسلـة الإزا لـة; أي على تقدير تحقّق الإزا لـة با لـغسل، لا بغيره ممّا يقوم مقامه، و يأتي الـبحث فيه.
و أمّا الـتفصيل بين الـثوب و الـبدن الـمحكيّ عن صاحبي «ا لـمدارك» و «ا لـمعا لـم» فمستنده استضعاف نصوص الـتعدّد الـواردة في الـبدن، و الـرجوع إلى الـمطلقات.
و أجاب عنه في «ا لـمستمسك»: بأنّ الـروايات الـواردة في الـبدن هي الـروايات الـمذكورة أخيراً، و ليس في الاُولى ـ يعنى روايـة الـحسين ـ من يتوقّف في روايته إلاّ الـحسين; لعدم توثيق الـشيخ و الـنجاشي صريحاً إيّاه، ولكن حكى ابن داود عن شيخه ابن طاوس في «ا لـبشرى» تزكيته، و هو ظاهر عبارة الـنجاشي حيث قال في ترجمته: و أخواه علي و عبدا لـحميد، روى الـجميع عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) و كان الـحسين أوجههم ... إلى آخره، و قد نصّوا على توثيق عبدا لـحميد أخيه، فيدلّ الـكلام الـمذكور على أنّه أوثق منه. و حمل «الأوجه» على غير هذا الـمعنى خلاف الـظاهر.
و ليس في الـروايـة الـثانيـة ـ يعنى روايـة أبي إسحاق ـ من يتوقّف في روايته إلاّ أبواسحاق الـنحويّ، و هو ثعلبـة بن ميمون الـذي قال الـنجاشي في ترجمته: إنّه كان وجهاً من أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راويـة، و كان حسن الـعمل، كثير الـعبادة و الـزهد ... و نحوه كلام غيره.
و قال في «ا لـكشّي»: ذكر حمدويـة عن محمّد بن عيسى: أنّ ثعلبـة بن ميمون مولى محمّد بن قيس الأنصاري هو ثقـة خيّر فاضل مقدّم معلوم في الـعلماء و الـفقهاء الأجلّـة من هذه الـعصابـة ... .
(الصفحة 513)
و قال الـوحيد (قدس سره): هو من أعاظم الـثقات الـزهّاد و الـعبّاد و الـفقهاء و الـعلماء الأمجاد ... .
و أمّا الـثا لـثـة ـ يعنى روايـة ابن إدريس ـ ففيها ابن إدريس، و حا لـه في الـجلالـة و الـوثاقـة ممّا لا مجال للريب فيه، كما لا مجال للريب في صحّـة روايته عن الاُصول الـمذكورة في «مستطرفاته».
وقد انقدح من ذلك بطلان هذا الـتفصيل أيضاً، و أنّ الـصحيح هو ما اختاره الـمشهور من وجوب الـتعدّد في الـبول، من دون فرق بين الـثوب و الـبدن.
بقي في هذا الـفرع جهات من الـكلام
ا لـجهـة الاُولى: عدم الـفرق بين الـثوب و الـجسد و غيرهما
مقتضى إطلاق الـمتن أنّه لا فرق في الـمتنجّس با لـبول ـ غير الآنيـة ـ بين أن يكون ثوباً و جسداً، و بين أن يكون غيرهما، كا لـفرش و الـحصير و الـجدار و غيرها، فيعتبر في الـجميع تعدّد الـغسل.
ولكن ربّما يقال: بعدم لزوم الـتعدّد في غير الـثوب و الـبدن; لأنّ الـنصوص الآمرة با لـتعدّد واردة فيهما، و لا دليل على إلغاء خصوصيتي الـثوب و الـبدن بعد أنّه يحتمل ـ قويّاً ـ أنّ الـشارع أراد فيهما الـمحافظـة على الـمرتبـة الـشديدة من الـطهارة، و الأحكام الـشرعيـة تختلف باختلاف موضوعاتها مع أنّها قد تجمعها طبيعـة واحدة، فترى أنّ الـشارع حكم بوجوب الـغسل ثلاث مرّات في الإناء، و لم نر من الأصحاب من تعدّى عنه إلى غيره ممّا صنع من مادّته من صفر أو خزف أو غيرهما.
و كذا نرى أنّ الـشارع حكم بطهارة مخرج الـغائط با لـتمسّح بالأحجار مثلاً،
(الصفحة 514)
ولايحكم بطهارة هذا الـموضع إذا تنجّس بغير الـغائط من الـنجاسات بمجرّد إزا لـتها، بل يجب غسله با لـماء.
و لأجل ذلك لا يحصل الـقطع بإلغاء الـخصوصيتين في الـمقام، ففي غيرهما إطلاقات مطهّريـة الـغسل الـمقتضيـة للاكتفاء با لـغسل مرّة واحدة، محكّمـة.
هذا، و الـظاهر عدم الاختصاص; و ذلك لأنّه مضافاً إلى أنّ الـمتفاهم عند الـعرف أنّ ذكر الـثوب و الـبدن في الـنصوص ليس لأجل خصوصيـة فيهما من جهـة الـحكم، بل إنّما هو من جهـة شدّة الابتلاء بهما، و أنّ الـبول الـمصيب إنّما يصيب أحدهما غا لـباً، و لأجله لو لم يكن في الـروايـة إلاّ تعرّض لأحدهما لايستفاد الـعرف حكم الآخر منه أيضاً، و ما تقدّم من تصحيح روايات الـجسد إنّما هو من جهـة أنّه لم يكن حاجـة إلى الإلغاء، بعد وجود رواية صحيحة دالّة على الحكم ـ لايكون هناك إطلاقات دالّـة على مطهّرية الـغسل حتّى نتمسّك بها; لأنّها بأجمعها واردة في الـثوب، كما تظهر با لمراجعة، و ليس لنا إطلاق دالّ على لزوم الـتطهير من الـبول غير وارد في مثل الـثوب، و عليه فمع الـشكّ أيضاً يكون مقتضى الاستصحاب لزوم رعايـة الـتعدّد في غيرهما أيضاً.
ا لـجهـة الـثانيـة: عدم الـفرق بين بول الآدمي و غيره
مقتضى إطلاق الـمتن ـ تبعاً لإطلاق الـنصوص ـ أنّه لا فرق في وجوب الـتعدّد بين بول الآدميّ و غيره من الأبوال الـنجسـة، كما أنّه لا فرق في الآدمي بين الـمسلم و غيره، و في غيره بين نجس الـعين و غيره. نعم، يمكن دعوى كون الـنظر إلى الـنجاسـة الـبوليّـة، و أمّا من حيث إضافته إلى نجس الـعين، فيرجع في تطهيرها إلى ما يرجع إليه في نجاسـة سائر الـنجاسات.
(الصفحة 515)
هذا، ولكن ربّما يقال ـ كما قيل ـ : باختصاص الـنصوص الآمرة با لـتعدّد ببول الآدمي; لأنّهم كانوا يبولون على وجه الأرض، و هي في الأغلب صلبـة، فكان يترشّح منها الـبول إلى أبدانهم و أثوابهم، و من أجل ذلك تصدّوا للسؤال عن حكمه، و حينئذ لاتبعد دعوى الانصراف إلى بول الآدمىّ، و لعلّ هذا هو الـوجه في عدم استفصا لـهم عن كون الـبول ممّا لا يؤكل لحمه أو من غيره، مع طهارة الـبول ممّا يؤكل لحمه.
أقول: الـوجه في عدم الاستفصال، وضوح كون الـمفروض في الـسؤال هو الـبول الـنجس، وهو يختصّ بغير الـمأكول.
نعم، دعوى الانصراف غير بعيدة، و لا يدفعها استبعاد لزوم الـتعدّد في بول الآدمي، وعدم لزومه في بول الـكلب و الـخنزير; لما عرفت من أنّه لا مجال لمثل ذلك في الأحكام الـشرعيـة الـتعبّديـة أصلاً.
نعم، هنا روايـة يمكن أن تتوهّم دلالتها على لزوم الـتعدّد في غير الآدمي في الـجملـة و إن قلنا: باختصاص الـنصوص ـ انصرافاً ـ به، و هي موثّقـة سَماعـة قال: سأ لـته عن أبوال الـسنّور و الـكلب و الـحمار و الـفرس.
قال:
«كأبوال الإنسان»(1)
.
ولكنّها ـ مضافاً إلى اشتما لـها على أبوال الـحمار و الـفرس مع أنّهما طاهران ـ يكون مورد الـسؤال فيها مجرّد الـنجاسـة و عدمها، فا لـتشبيه ببول الإنسان إنّما هو من هذه الـجهـة، لا في جميع الـجهات حتّى يشمل لزوم الـتعدّد في مقام الـتطهير أيضاً.
ثمّ الـظاهر أنّ لزوم الـتعدّد في بول الآدمي، إنّما هو با لـنسبـة إلى غير مخرج
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 7.