(الصفحة 519)
عن علي (عليه السلام): «أنّه لم يغسل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه من بولهما قبل أن يطعما».
و الـظاهر أنّه لا منافاة بينه و بين ما دلّ على وجوب الـصبّ; لانصراف الـغسل إلى ما يتعارف من انفصال الـغسا لـة.
و الـشاهد على عدم الـمنافاة: ما رواه الـصدوق في «معاني الأخبار» من أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى با لـحسن بن علىّ، فوضع في حجره فبال، فقال:
«لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه(1)
.
قال الأصمعيّ: الإزدام الـقطع، يقال للرجل إذا قطع بوله: قد أزدمت بولك.
و لا يبعد أن تكون الـقضيّـة واحدة، بل ورد في مولينا الـحسين (عليه السلام) شبه الـقضيّـة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«مهلاً يا اُمّ الـفضل، فهذا ثوبي يغسل، و قد أوجعت ابني»(2)
مضافاً إلى ظهور كون هذه الـروايات غير قابلـة للركون عليها في إثبات الـحكم.
بقي في هذه الـجهـة أمران:
الأوّل: الـظاهر أنّه لا يعتبر في تطهير بول الـصبيّ الـعصر، بل يكفي مجرّد تحقّق الـصبّ، و الـظاهر تحقّق الإجماع عليه، و لأجله حمل روايـة الـحسين الـمتقدّمـة الـدالّـة بظاهرها على وجوب العصر بعد الصبّ على الصبيّ المتغذّي; نظراً إلى عدم وجوب الـعصر في غير الـمتغذّي إجماعاً.
ولكنّ الـظاهر أنّ الـحمل على الاستحباب أولى; لاقتضاء الـحمل الأوّل الـحكم بوجوب الـتعدّد أيضاً، مع أنّه خلاف ظاهر الـروايـة جدّاً.
و يؤيّد الـحمل على الاستحباب ما قد يقال: من كفايـة الـعصر مع الـصبّ على
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 5.
(الصفحة 520)
تقدير اعتباره أيضاً، و لا يعتبر تأخّر الأوّل عن الـثاني، كما هو ظاهر الـروايـة; من جهـة الـعطف بكلمـة «ثمّ». مع أنّه يحتمل عدم الاستحباب أيضاً; و أنّ الـحكم با لـعصر في الـروايـة قد جرى مجرى الـعادة و الـغلبـة. ولكن هذا الاحتمال بعيد.
وكيف كان: فا لـظاهر عدم وجوب الـعصر فيما قلنا فيه بكفايـة الـصبّ.
ا لـثاني: ظاهر كلمـة «ا لـصبيّ» الـواردة في الـروايات هو الـذكر; فإنّها و إن كانت ربّما تطلق و يراد منها الـجنس الـشامل للاُنثى أيضاً، إلاّ أنّ ظهورها مع الإطلاق في خصوص الـذكر ممّا لا ينبغي أن ينكر، خصوصاً في الـحكم الـمخا لـف للقواعد الـعمومات، كما في مثل الـمقام.
نعم، في روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة قوله (عليه السلام):
«و الـغلام و الـجاريـة في ذلك شرع سواء» و ظاهره الـتساوي بين الـذكر و الاُنثى في هذا الـحكم.
ولكنّه ربّما يقال: بعدم إمكان الاستدلال به; لإجمال الـمشارإليه في قوله:
«في ذلك» لأنّ الـمتقدّم عليه أمران:
أحدهما: قوله:
«يصبّ عليه الـماء».
و ثانيهما: قوله:
«فإن كان قد أكل فاغسله با لـماء غسلاً».
و لم يعلم أنّ الـمماثلـة هل هي بالإضافـة إلى الـصبّ، أم با لـنسبـة إلى الـغسل فيما إذا أكل، و معه يشكّ في الـتحاق بول الـصبيّـة ببول الـصبيّ، فا لـلازم الـرجوع فيه إلى الأدلّـة الـدالّـة على لزوم تعدّد الغسل، فا لـظاهر حينئذ هوما ذهب إليه الأكثر بل المشهور من الاختصاص، خلافاً لظاهر الـصدوقين من الـتعميم، و اختاره في «ا لـحدائق» أيضاً.
(الصفحة 521)
ا لـفرع الـثاني: تطهير الـمتنجّس بغير الـبول من سائر الـنجاسات إن لم يكن آنيـة
و قد اختار في الـمتن الاجتزاء فيه با لـمرّة، كما هو الـمنسوب إلى الأكثر; لإطلاق الأمر با لـغسل في أكثرها، مثل ما ورد في أبوال ما لا يؤكل لحمه من قوله (عليه السلام):
«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(1)
.
و ما ورد في الـكلب من قوله (عليه السلام):
«إذا مسسته فاغسل يدك»(2)
.
و في الـخنزير: قلت: و ما على من قلّب لحم الـخنزير؟
قال:
«يغسل يده»(3)
.
و في الـكافر من قوله (عليه السلام):
«فإن صافحك بيده فاغسل يدك»(4)
.
و في الـمنيّ من قوله (عليه السلام):
«إن عرفت مكانه فاغسله»(5).
و في الـميتـة من قوله (عليه السلام):
«و إن أخذت منه بعد أن يموت فاغسله».
و في الـمسكر من قوله (عليه السلام):
«إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه»(6).
و غير ذلك من الـروايات الـواردة في هذه الاُمور و غيرها من الـنجاسات، فإنّ
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 12، الـحديث 9.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 13، الـحديث 4.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 14، الـحديث 5.
- (5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 16، الـحديث 1.
- (6) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 38، الـحديث 3.
(الصفحة 522)
الأمر با لـغسل إرشاد إلى الـنجاسـة، و إلى حصول الـطهارة با لـغسل، و مقتضى الإطلاق كفايـة الـغسل مرّة واحدة.
نعم، تمكن الـمناقشـة في بعضها; من جهـة عدم وضوح كونها في مقام الـبيان من هذه الـجهـة، و هو شرط الـتمسّك بالإطلاق. ولكنّ الـظاهر عدم جريان الـمناقشـة في الـجميع.
إنّما الإشكال في نجاسـة لا يكون لدليل الـتطهير منها إطلاق، أو لم يكن في الأدلّـة تعرّض للتطهير منها، بل كان الـتعرّض فيها لمجرّد نجاستها، أو كان دليل نجاستها منحصراً في الإجماع، فإنّه هل يكتفى في أمثال ذلك با لـغسل مرّة واحدة، أو لابدّ فيها من الـتعدّد، كما في الـبول على ما عرفت.
و قد استدلّ على الأوّل بوجوه:
الأوّل: الإجماع الـمركّب، و عدم الـقول با لـفصل بين الـنجاسات في غير بول الآدمي، كما ادّعاه في «ا لـذخيرة» و في محكيّ «ا لـجواهر»: و يساعده الـتتبّع.
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى منع الـصغرى; لذهاب جماعـة من متأخّري الـمتأخّرين إلى اعتبار الـتعدّد فيما لم يقم دليل على كفايـة الـمرّة فيه ـ منع الـكبرى; لوضوح عدم كونه إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي الـمعصوم، بعد احتمال الاستناد إلى أحد الـوجوه الآتيـة، كما لا يخفى.
ا لـثاني: إطلاق ما دلّ على مطهّريـة الـماء، و الـعمدة فيه الـنبوىّ الـذي رواه الـمؤا لـف و الـمخا لـف كما عن «ا لـسرائر»:
«خلق اللّه الـماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه»(1)
.
- (1)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 3، الـحديث 10.
(الصفحة 523)
نظراً إلى إطلاقه بلحاظ الـمطهّر ـ با لـفتح ـ و احتمال عدم وروده في مقام الـبيان، مندفع بالأصل.
و يرد عليه: أنّ الـظاهر كما ذكرنا في أوّل بحث الـمياه، أنّ «ا لـطهور» بمعنى الـطاهر، و ليس فيه معنى الـمطهّريـة أصلاً، حتّى يتمسّك بإطلاقه بلحاظ الـمطهّر ـ با لـفتح ـ و كونه صيغـة مبا لـغـة لا تستلزم اشتما لـه على الـمطهّريـة أيضاً.
و يؤيّده في الـمقام قوله:
«لا ينجّسه شيء ...» الـظاهر في أنّ الـمراد شدّة مرتبـة الـطهارة الـحاصلـة له، و الـتفصيل مذكور هناك.
و على تقدير دلالتها على ثبوت الـمطهّريـة، فلا يستفاد منها كيفيـة الـتطهير; و أنّه هل يتحقّق با لـمرّة، أو يتوقّف على الـتعدّد؟ و هذا لاينافي إطلاقه بلحاظ الـمطهّر ـ با لـفتح ـ فتدبّر.
كلّ ذلك مع إمكان الـمناقشـة في سندها; حيث لم تثبت روايتها من طرقنا، فضلاً عن أن يكون نقلها متسا لـماً عليه بين الـمؤا لـف و الـمخا لـف. هذا مع أنّ في دلالتها جهات اُخر قابلـة للتأمّل.
ا لـثا لـث: إطلاقات الأخبار:
منها: صحيحـة زرارة الـمعروفـة الـواردة في الاستصحاب قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ... .
إلى أن قال:
«تعيد الـصلاة و تغسله ...»(1)
.
نظراً إلى أنّ الـظاهر أنّ الـسؤال فيها إنّما هو عن مطلق الـنجاسـة، لا عن الـدم و الـمنىّ فقط، فإنّ قوله: «أو غيره» و إن كان يحتمل في نفسه أن يراد به غير الـدم من
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 41، الـحديث 1.