(الصفحة 536)
و إن كان الـمراد هي الأخصّيـة مع ملاحظـة تعلّقه با لـشيء الـنجس كا لـثوب و نحوه، فمرجعه إلى ما أفاده في «ا لـمستمسك» و قد عرفت ابتنائه على نجاسـة ماء الـغسا لـة مع أنّ مراد الـمستدلّ ـ كما صرّح به في كلامه ـ إثبات دعويه مطلقا و لو مع الـقول بطهارة ماء الـغسا لـة.
وإن كان المراد صورة الـشكّ، كما يدلّ عليه التشبيه بالأعمى في المثال المذكور، و يصرّح به في ذيل كلامه حيث يقول: لابدّ من الـقطع بحصوله ـ أي الـغسل ـ في رفع الـيد عن استصحاب الـنجاسـة، فمضافاً إلى عدم كون الـدليل مسوقاً لإفادة حكم الـشكّ، نقول: إنّه يتمّ على تقدير الـشكّ، و أمّا في غير هذا الـتقدير فلا مجال له أصلاً.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّه لم يقم دليل على اعتبار الانفصال، بناء على طهارة ماء الـغسا لـة، أو على الـقول باختصاص نجاسته بما إذا انفصل عنه، و أمّا إذا كان باقياً في الـمحلّ ـ كما هو الـمفروض في الـمقام ـ فلا يكون نجساً، و قد مرّ تحقيقه في بحث الـغسا لـة فراجع.
ثمّ إنّك عرفت: أنّ الـعصر على تقدير اعتباره، فإنّما هو لأجل كونه مقدّمـة لانفصال الـغسا لـة، فإذا قام مقامه شيء آخر في هذا الـغرض ـ و هو الانفصال ـ فلا يجب الـعصر بوجه، كما إذا داسه برجله، أو غمزه بكفّه أو نحو ذلك.
هذا، ولكن نسب إلى ظاهر الـمشهور وجوب الـعصر تعبّداً، بل عن «ا لـحدائق» نفي خلاف يعرف، و عن «ا لـمعتبر» نسبته إلى علمائنا.
و عمدة ما يمكن الاستدلال له به أمران:
أحدهما: الـمقابلـة بين
«ا لـصبّ» و
«ا لـغسل» في بعض الـنصوص الـمتقدّمـة، فإنّها ظاهرة في الـمغايرة، و مع اشتراكهما في انفصال الـغسا لـة لا مغايرة، فا لـلازم
(الصفحة 537)
الالتزام باعتبار خصوص الـعصر في تحقّق عنوان الـغسل بخلاف الـصبّ.
ثانيهما: ذيل روايـة الـحسين بن أبي ا لـعلاء الـمتقدّمـة، الـواردة في بول الـرضيع حيث قال (عليه السلام):
«تصبّ عليه الـماء قليلاً ثمّ تعصره»(1)
.
و يدفع الأوّل: بما مرّت الإشارة إليه; من أنّ الـمقابلـة إنّما هي لأجل كون مورد الـصبّ ـ و هو الـجسد ـ ينفصل عنه الـغسا لـة غا لـباً بنفسه، من دون حاجـة إلى عنايـة اُخرى، و مورد الـغسل ـ و هو الـثوب ـ يتوقّف الانفصال نوعاً على عنايـة، و أمّا لزوم كون تلك الـعنايـة هو الـعصر متعيّناً، فلا دليل عليه.
و يدفع الـثاني: مضافاً إلى وروده في خصوص بول الـرضيع، بما ذكرنا: من كون الأمر با لـعصر في الـروايـة محمولاً على الاستحباب، و لا يكون بواجب كما تقدّم.
ثمّ إنّه لم يبقَ في هذا الـفرع إلاّ بيان كيفيـة تطهير مثل الـصابون و الـحبوب ممّا ينفذ فيه رطوبـة الـنجاسـة، و قد ظهر ممّا ذكرنا في كيفيـة تطهيره با لـكرّ و الـجاري، أنّ الـتطهير با لـقليل مع فرض عدم نفوذ الـماء إلى باطنه، يوجب طهارة ظاهره فقط، و لاسبيل لتطهير الـباطن، و لا دليل على الـتبعيـة في هذه الـموارد.
هذا، ولكنّه ربّما يقال:
تارة ـ كما هو الـمنسوب إلى شهرة الـمتأخّرين ـ بعدم طهارة ظاهره أيضاً.
و اُخرى: بطهارة الـباطن أيضاً مع رسوب الـماء الـقليل فيه.
أمّا الأوّل: فمستنده أنّه يشترط في الـتطهير با لـماء الـقليل، انفصال الـغسا لـة عن الـمغسول، و هذا لا يكون بمتحقّق في مثل الـصابون و الـحبوب من الأجسام غير الـقابلـة للعصر، فيما إذا نفذ الـماء في جوفها; لأنّه لا ينفصل عنه سوى الـمقدار غير
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 3، الـحديث 1.
(الصفحة 538)
ا لـراسب في جوفها، و مع عدم الانفصال يبقى الـمتنجّس على نجاسته; لأنّ الـماء الـكائن في جوفها ماء قليل لاقاه الـمتنجّس و نجّسه، و هو يوحب نجاسـة الـمغسول لا محا لـة.
و اُجيب عنه: بأنّ الـمعتبر من انفصال الـغسا لـة على تقديره، إنّما هو انفصا لـها عن الـموضع الـمتنجّس الـمغسول، لا عن تمام الـجسم، فلو انفصلت عن محلّ الـغسل، و اجتمعت في مكان آخر من الـجسم، يكفي في طهارة خصوص الـموضع الـذي انفصلت عنه، فإذا غسل الـموضع الـمتنجّس من يده مثلاً، و انفصلت الـغسا لـة عنه، و اجتمعت في كفّه، حكم بطهارة ذلك الـموضع لا محا لـة، و عليه يكفي في الـمقام في الـحكم بطهارة الـظاهر، انفصالُ الـغسا لـة عنه و إن صارت مجتمعـة في جوفه.
و أمّا الـثاني: فقد استدلّ له بأمرين:
أحدهما: ما أفاده بعض الأعلام في «شرح الـعروة»: من أنّ غسل كلّ شيء إنّما هو بحسبه، فربّ شيء يكتفى في غسله بصبّ الـماء عليه و انفصال الـغسا لـة عنه، كما في الـبدن و نحوه، وشيء يعتبر فيه عصره، و لايكفي صبّ الـماء عليه، كما في الـثوب مثلاً، و في بواطن الأجسام الـمذكورة يكفي صبّ الـماء على ظواهرها إلى أن يصل الـماء الـطاهر إلى جوفها; لأنّه غسلها.
و يكشف عن ذلك، ملاحظـة عمل الـعرف في تطهيرهم لهذه الأجسام من الـقذارات الـتي يتنفّرون عنها، فإنّهم يكتفون في إزا لـتها و غسلها بصبّ الـماء الـطاهر على ظاهره إلى أن ينفذ في أعماقه، و ليس الـغسل الـمأمور به في الـشرع إلاّ الـغسل الـذي يكون غسلاً عند الـعرف.
و ثانيهما: ما في محكيّ «ا لـمدارك»: من لزوم الـحرج و الـضرر; فإنّ بقائها على
(الصفحة 539)
نجاستها، و عدمَ إمكان تطهيرها، ضرر على ما لـكها; لأنّ الـنجاسـة مانعـة عن الأكل أو الاستعمال فيما يشترط فيه الـطهارة.
و الـجواب عن الأوّل: أنّ عمل الـعرف الـمذكور، إنّما هو في خصوص ما إذا لم تنفذ الـقذارة في أعماق الأجسام الـمذكورة، و أمّا مع نفوذها فيها، فلا خفاء في عدم اكتفائهم بمجرّد غسل الـظاهر و لو مع الـعلم بنفوذ الـماء الـطاهر في الأعماق، فإذا كانت الـفاكهـة مثلاً في الـبا لـوعـة أيّاماً متعدّدة; بحيث نفذت الـقذارة في عمقها، فهل يكتفي الـعرف في تطهيرها بما أفاده؟! من الـواضح خلافه، إذاً فا لـظاهر عدم إمكان تحقّق الـغسل با لـنسبـة إلى الـباطن.
و اُجيب عن الـثاني: بأنّ حديث نفي الـضرر إنّما ينفي الأحكام الـتكليفيـة الـضرريـة، و لا دلالـة على نفي الأحكام الـوضعيـة، الـتي منها الـطهارة و الـنجاسـة.
ولكنّ الـصحيح في الـجواب ـ بعد وضوح عدم اختصاص الـحديث برفع خصوص الأحكام الـتكليفيـة الـضرريـة، و لذا يستدلّون به في إثبات خيار الـغبن الـذي مرجعه إلى نفي اللزوم الـذي هو من الأحكام الـوضعيـة و إن أمكن إرجاعه إلى نفي وجوب الـوفاء با لـعقد الـذي هو مفاد آيـة:
(أَوْفُوْا بِالْعُقُودِ) و الـتحقيق في محلّه ـ أنّ الـحديث لا يرتبط بهذه الاُمور، بل إنّما هو حكم صادر من ناحيـة الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)بما أنّه حاكم، لا بما أنّه رسول و واسطـة في تبليغ الأحكام الإلهيّـة و بيان الـوظائف الـعمليّـة. هذا با لـنسبـة إلى الـضّرر.
و أمّا بالإضافـة إلى الـحرج، فا لـحكم يدور مداره كما في سائر الـموارد.
و قد ظهر ممّا ذكرنا، تماميـة ما اُفيد في الـمتن من الـتفصيل بين الـظاهر و الـباطن في الأجسام الـمذكورة.
(الصفحة 540)
و أمّا الآنيـة، فإن تنجّست بولوغ الـكلب فيما فيها من ماء أو غيره ممّا يتحقّق معه اسم «ا لـولوغ» غسلت ثلاثاً، اُولاهنّ با لـتراب; أي الـتعفير به، و الأحوط اعتبار الـطهارة فيه، و لا يقوم غيره مقامه و لو عند الاضطرار.
و الأحوط في الـغسل با لـتراب، مسحه با لـتراب الـخا لـص أوّلاً، ثمّ غسله بوضع ماء عليه; بحيث لا يخرجه عن اسم الـتراب.
و لايترك الاحتياط بإلحاق مطلق مباشرته با لـفم، كا للطع و نحوه و الـشرب بلاولوغ، و مباشرة لعابه بلا ولوغ به، و لا يلحق به مباشرته بسائر أعضائه على الأقوى، و الاحتياط حسن1 .
تطهير الآنيـة با لـماء الـقليل
في الآنيـة الـمتنجّسـة بولوغ الـكلب
(1) الـكلام في الآنيـة الـمتنجّسـة بولوغ الـكلب يقع في مقامين:
ا لـمقام الأوّل: في حكمها من جهـة الـتطهير و كيفيته
و قد حكي الإجماع على الـتثليث عن «الانتصار» و «ا لـخلاف» و غيرهما، و عن «ا لـمنتهى»: قال علمائنا أجمع إلاّ ابن ا لـجنيد: إنّه يجب غسله ثلاث مرّات، إحداهنّ با لـتراب.
و عن ابن ا لـجنيد: أنّه يغسل سبع مرّات، اُولاهنّ با لـتراب.
و الـمشهور أنّ غسلـة الـتراب اُولاهنّ.
و عن الـمفيد (قدس سره) في «ا لـمقنعـة»: أنّ الإناء يغسل من الـولوغ ثلاثاً، وسطاهنّ با لـتراب، ثمّ يجفّف.