(الصفحة 581)
و يرد على الـثاني: وضوح كونه مخا لـفاً للظاهر; فإنّ الـظاهر ارتباط الـبعض الـثاني بالأرض، فا لـحمل على بعض الـمتنجّسات في غايـة الـبعد.
مضافاً إلى أ نّه على هذا الـتقدير، لا يكون دخول مورد الـسؤال في الـبعض الـذي يطهّره بعض الأرض، غير معلوم، إلاّ من باب وقوعه تعليلاً له، و هو خلاف الـظاهر جدّاً.
فالإنصاف: أنّ الـتفسير الـثا لـث أظهر، و لا تكون الـروايـة مجملـة من حيث الـتعليل. و مقتضى هذا الـوجه عدم اختصاص الـحكم با لـرجل الـتي هى موردها; لأنّ مدلوله أنّ الأرض الـطاهرة تطهّر الأثر الـمترشّح من الأرض الـقذرة، من دون فرق بين أن يكون الـمتأثّر هو الـرجل، أو الـخفّ، أو غيرهما.
نعم، وقع هذه الـتعليل أيضاً في روايـة رابعـة، و هي حسنـة محمّد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام)، إذ مرّ على عَذِرة يابسـة، فوطأ عليها، فأصابت ثوبه.
فقلت: جعلت فداك، قد وطأت على عذرة، فأصابت ثوبك.
فقال:
«أ لـيس هي يابسـة؟!».
فقلت: بلى.
قال:
«لا بأس; إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً».(1)
و من الـمعلوم: أ نّه لا ارتباط بين مطهّريـة الأرض بعضها بعضاً ـ بأىّ معنى فرض ـ و بين عدم تنجّس الـثوب بسبب إصابـة الـعذرة الـيابسـة له ولكنّ ذلك لا يوجب الإجمال في مفاد الـتعليل في الـروايات الـثلاثـة الـمتقدّمـة الـواردة في الـمقام.
و منها: روايـة حفص بن أبي عيسى قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): إن وطأت على عذرة بخُفيّ، و مسحته حتّى لم أرَ فيه شيئاً، ما تقول في الـصلاة فيه؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 2.
(الصفحة 582)
فقال:
«لا بأس»(1)
.
و هذه الـروايـة واردة في الـخفّ.
و دعوى: أنّ نفي الـبأس عن الـصلاة فيه; لعلّه كان مستنداً إلى أنّ الـخفّ ممّا لا تتمّ الـصلاة فيه وحده، و نجاسته معفواً عنها، كما في غيره ممّا لا تتمّ، مدفوعـة بظهور الـروايـة في حصول الـطهارة للخفّ با لـمسح; بنحو تزول الـعذرة.
و بعبارة اُخرى: ظاهرها مدخليـة الـعمل الـمذكور في الـسؤال في نفي الـبأس الـمذكور في الـجواب، و هو لا يجتمع إلاّ مع حصول الـطهارة، و لو كان منشأ نفي الـبأس هو كونه ممّا لا تتمّ، لما كان الـعمل الـمذكور في الـسؤال له مدخليـة فيه أصلاً; لعدم الـفرق في الـعفو عمّا لا تتمّ بين صورة زوال الـعين با لـمسح على الأرض، و عدمها أصلاً، فا لـمناقشـة من هذه الـجهـة غير تامّـة. نعم الـروايـة ضعيفـة; لجها لـة حفص الـمذكور.
و منها: ما في حديث زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«جرت الـسنّـة في الـغائط بثلاثـة أحجار، أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه، ولا يغسلهما»(2)
.
و هذه متعرّضـة للرجل أيضاً.
و منها: صحيحـة الأحول، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال في الـرجل يطأ على الـموضع الـذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً.
قال:
«لا بأس إذا كان خمسـة عشر ذراعاً أو نحو ذلك»(3)
.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 6.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 10.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 1.
(الصفحة 583)
و هي مطلقـة من جهـة عدم الاستفصال بين وطئ الـموضع برجله الـحافيـة، و بين وطئه متنعّلاً، و هو دليل الـعموم. و يأتي الـبحث في اشتراط الـخمسـة عشر ذراعاً الـمذكور في الـجواب إن شاء اللّه تعا لـى.
و قد ظهر لك ممّا ذكرنا: أنّه يدلّ على عدم الاختصاص با لـرجل، الـتعليل الـوارد في الـروايات الـثلاثـة; بناءً على تفسيره بما عرفت، و كذا صحيحـة الأحول الـمذكورة آنفاً. و إعراض الـمشهور عن ذيلها الـمتضمّن لاعتبار خمسـة عشر ذراعاً، لا يقدح في حجّيتها بالإضافـة إلى إطلاق صدرها; لإمكان الـتفكيك بينهما في الـحجّيـة.
هذا على تقدير عدم صحّـة الـحمل على الاستحباب، أو على كون الـمشي با لـمقدار الـمذكور محقّقاً لزوال الـعين خارجاً، كما يؤيّده كلمـة
«أو نحو ذلك»، فتدبّر.
و على أيّ: فا لـروايـة بالإضافـة إلى إطلاق الـصدر، قابلـة للتمسّك بها.
و كذا يدلّ على عدم الاختصاص الـروايـة الـواردة في الـخفّ; نظراً إلى أنّه لا مجال لاحتمال اختصاص الـحكم با لـخفّ; بحيث لا يشمل الـرجل أيضاً، فيكشف ذلك عن عموميـة الـحكم، و عدم كون ذكر الـرجل في أكثر الـروايات الـمتقدّمـة; لأجل اختصاص الـحكم بها، فكما أنّ الـحكم يتحقّق في مورد الـرجل، كذلك يتحقّق في كلّ ما يوقى به الـقدم، كما في الـمتن.
نعم، لا تبعد دعوى الاختصاص بما يتعارف استعما لـه لوقايـة الـرجل، فمثل الـخرقـة الـملفوفـة با لـرجل، أو الـجورب و نحوهما ـ ممّا لم يتعارف استعما لـه كذلك ـ خارج عن هذا الـحكم، خصوصاً إذا لم تجرِ الـعادة الـشخصيـة باستعما لـه أيضاً.
و في شمول الـحكم با لـنسبـة إلى خشبـة الأقطع و ركبتيه، و فخذي الـمقعد، و يدي من يمشي على يديه، و ماجرى مجراها، تأمّل. و كذا با لـنسبـة إلى ما يوقى به هذه
(الصفحة 584)
ا لـمواضع. و أشكل منه إلحاق كلّ ما يستعان به على الـمشي، كما عن بعض.
ا لـمقام الثا لث: في الأمور الدخيلـة في مطهّريـة الأرض قطعاً أو احتمالاً
و هي على ما يستفاد من الـمتن، كثيرة:
الأوّل: تحقّق عنوان الـمسح أو الـمشي بحيث كان زوال الـنجاسـة مسبّباً عنه، و فيما إذا زا لـت الـنجاسـة قبلاً يعتبر أقلّ مسمّى الـمسح أو الـمشي و يدلّ عليه روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة الـتي رواها في «ا لـسرائر» الـمشتملـة على قوله:
«أ لـيس تمشي بعد ذلك في أرض يابسـة؟» فإنّ تفريع عدم الـبأس على الـجواب بـ «بلى» عن هذا الـسؤال، يدلّ على مدخليـة الـمشي فيه; و أنّه لا يتحقّق بدون تحقّق الـمشي في أرض يابسـة.
ولكنّها لا دلالـة لها على الانحصار بخصوص الـمشي، و على تقديرها فيدلّ على كفايـة الـمسح مكان الـمشي، صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة أيضاً الـمشتملـة على قوله(عليه السلام):
«ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها».
و يؤيّده تقييد الـسؤال في روايـة حفص ـ بعد فرض الـوطئ على الـعَذِرة با لـخَفّ ـ بقوله: «و مسحته حتّى لم أر فيه شيئاً» فا لـمستفاد من الـمجموع مدخليـة الـمشي أو الـمسح في مطهّريـة الأرض.
إلاّ أن يقال: إنّ جعل ذهاب الأثر، غايـة للمسح في روايـة زرارة، و كذا جعل عدم رؤيـة شيء من الـعَذرة غايةً للمسح في رواية حفص، يشعر بل يدلّ على أنّه لا مدخلية لنفس عنوان الـمسح بل الـغرض منه ذهاب الأثر، فإذا فرض زوا لـه قبل ذلك فتكفي الـمماسّـة الـمجرّدة من دون مسح.
(الصفحة 585)
و من ذلك يظهر: أنّ الـسؤال في روايـة الـحلبي بقوله (عليه السلام):
«أ لـيس تمشي بعد ذلك ...» لعلّه كان من جهـة مدخليـة الـمشي في زوال الـنداوة الـبوليـة الـملصقـة با لـرجل، لا مدخليته في الـمطهّريـة مطلقاً و لو زا لـت الـنداوة قبل الـمشي.
ولكن مع ذلك، لا تحصل الـطمأنينـة للنفس بعدم مدخليـة شيء من الـعنوانين، بعد كون الظاهر ثبوت الـمدخليـة، فالأحوط مراعاة أحد الأمرين، كما أفاده في المتن.
ا لـثاني: كون الـنجاسـة حاصلـة من الـمشي على الأرض الـنجسـة، و قد احتاط في الـمتن أيضاً في اعتبار هذا الأمر.
و الـوجه فيه ـ مضافاً إلى أنّ مورد الـروايات الـواردة في الـباب الـدالّـة على مطهّريـة الأرض، هي الـنجاسـة الـحاصلـة با لـمشي على الأرض، كا لـعَذِرة الـموجودة فيها الـموطؤئـة، وا لـطريق الـمتنجّس با لـبول الـذي يمرّ عليه، و لا دليل على الـتعميم ـ ما ورد في جملـة من الـروايات من الـتعليل بقوله (عليه السلام):
«إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» بناءً على ما رجّحناه في تفسيره: من أنّ الـمراد من الـبعض الـثاني هي الـنجاسـة الـحاصلـة من الأرض الـتي هي أثرها و لها إضافـة إليها، و على تقدير كون الـنجاسـة حاصلـة من الـخارج، لا يصحّ الـتعبير الـمذكور; لعدم إضافتها و استنادها إلى الأرض بوجه.
و دعوى: أنّ استبعاد مدخليـة مثل هذه الـخصوصيـة في موضوع الـحكم، مانع من أن يقف الـذهن دونها و إن كان اللفظ مشعراً باعتبارها، و لذا لم يفهم الأصحاب من هذه الـروايات الاختصاص، بل لا يتبادر من صحيحـة زرارة، بل و كذا من غيرها; حتّى هذه الأخبار الـمعلّلـة، و الأخبارِ الـتي وقع فيها الـتعبير بلفظ الاشتراط، كقوله:
«إذا وطئ أحدكم الأذى ...» إلاّ أنّ كون الـمسح أو الـمشي على الأرض، طهوراً للرجل أو