(الصفحة 586)
ا لـخفّ من الـعَذِرة، من غير أن يكون لكيفيـة وصولها إلى الـرجل دخل في الـحكم.
و لذا لا يتوهّم أحد فرقاً بين كيفيات الـوصول، و لا بين أن تكون الـعذرة الـتي يطأها برجله مطروحـة على الأرض، أو على الـفراش و نحوه; فإنّ مثل هذه الـخصوصيات، ليست من الـخصوصيات الـموجبـة لتخصيص الـحكم بنظر الـعرف، كما في سائر الـموارد.
مدفوعـة: بما اُفيد من كونها خارجـة عن محلّ الـكلام; لأنّ الـكلام في الـمقام غير راجع إلى الـنجاسـة الـمستندة إلى الـمشي و إن لم تكن ناشئـة من الأرض; إذ قد لا تصل الـنعل أو الـرجل إلى الأرض أصلاً، لحيلولـة الـعذرة مثلاً بينهما، كما اُشير إليه في صحيحـة زرارة حيث قال: «فساخت رجله فيها ...» أولكون الـعذرة الـموطوئـة مطروحـة على خرقـة أو خشبـة أو غيرهما من الأشياء الـموجودة في الـطريق.
فلا يعتبر أن تكون الـنجاسـة ناشئـة من الأرض، و إنّما يعتبر استناد الـنجاسـة إلى الـمشي; سواء كانت الـعذرة واقعـة على الأرض، أم على الـفراش، فمحلّ الـكلام ما إذا استندت الـنجاسـة إلى الـخارج و غير الـمشي، فإن قام دليل على عدم الـفرق، و إلاّ فلابدّ من الاقتصار على الـقدر الـمتيقّن، و الـرجوع في الـمقدار الـزائد إلى الـعموم أو الإطلاق، و هما يقتضيان اعتبار الـغسل با لـماء في تحقّق الـتطهير.
نعم ربّما يقال: بدلالـة صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة الـواردة في الاستنجاء الـمشتملـة على قوله: «و يجوز أن يمسح رجليه، و لايغسلهما» على عدم اختصاص الـحكم بخصوص الـنجاسـة الـحاصلـة من الـمشي على الأرض; فإنّ قوله (عليه السلام): «ويجوز أن يمسح ...» يدلّ بإطلاقه على مطهّريـة الـمسح في كلّ من الـنجاسـة الـناشئـة من الأرض، و الـنجاسةِ الـناشئة من غيرها.
(الصفحة 587)
و الـجواب أوّلاً: أنّه يحتمل أن يكون الـمراد من هذا الـقول، هو الـمسح في الـوضوء; لنفي ما يزعمه الـعامّـة من اعتبار غسل الـرجلين في باب الـوضوء، غايـة الأمر أنّ هذا الـنحو من الـتعبير، قد جرى مجرى الـتقيّـة.
و ثانياً: أنّه لا إطلاق لهذا الـقول; لأنّه في مقام الإيجاب الـجزئي في قبال الـسلب الـكلّي; للقطع بعدم كون الـمسح مطهّراً مطلقاً، كا لـمسح با لـخرقـة أو الـخشب و نحوهما، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه.
ا لـثا لـث: كون الأرض طاهرة، و قد حكي اعتباره عن جماعـة، و ما يمكن الاستدلال به عليه أمران:
الأوّل: أنّ الـمتبادر من قوله (عليه السلام): «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» و كذا من سائر الـروايات; بواسطـة الـمناسبـة الـمغروسـة في الـذهن ـ من اشتراط كون الـمطهّر طاهراً; لأنّ فاقد الـشيء لا يجوز أن يكون معطياً له ـ إنّما هو إرادة خصوص الأرض الـطاهرة.
ا لـثاني: صحيحـة الأحول الـمتقدّمـة، الـمشتملـة على قوله (عليه السلام) في الـرجل يطأ على الـموضع الـذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً.
قال «لا بأس إذا كان خمسـة عشر ذراعاً أو نحو ذلك».
فإنّ الـضمير في «كان» يعود إلى الـمورد الـمفروض في الـسؤال، فا لـمستفاد منه اشتراط الـخصوصيـة، و كون الـطهارة متوقّفـة على كون الأرض نظيفـة. و عدم اعتبار الـحدّ الـمذكور عند الـمشهور، لا يستلزم رفع الـيد عن الـرّوايـة باعتبار الـدلالـة على اعتبار الـطهارة، كما هو ظاهر.
و اُورد على هذا الـدليل: بأنّ عود الـضمير إلى ما كان مفروضاً في الـسؤال،
(الصفحة 588)
لايقتضي كون الـخصوصيـة الـمفروضـة من مقوّمات موضوع الـحكم، فهذه الـروايـة لاتصلح أن تكون مقيّدة لغيرها من الـروايات الـخا لـيـة عن هذا الـقيد.
و عن «ا لـحدائق»: الاستدلال لاعتبار الـطهارة بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» نظراً إلى أنّ الـطهور لغـة هو الـطاهر الـمطهّر، و هو أعمّ من أن يكون مطهّراً من الـحدث و الـخبث.
و الـجواب: أنّ ثبوت الـوصفين للأرض، لا دلالـة له على مدخليـة الـوصف الأوّل في ثبوت الـوصف الـثاني، فإنّ كون الأرض في حدّ ذاتها طاهرة، لا يستلزم مدخليـة وصف الـطهارة الـمجعولـة للأرض في الـمطهّريـة الـمجعولـة لها أيضاً.
فا لـدليل الـوحيد في هذا الـباب هو الأمر الأوّل، و لا مجال للمناقشـة فيه: بأنّ مطهّريـة الأرض من الاُمور الـتعبّديـة الـمحضـة، و لا ارتكاز للعرف في هذا الـباب أصلاً، و عليه فلا مجال لإعمال الارتكاز الـعرفي فيها، الـمبتني على أنّ الـفاقد لا يمكن أن يكون معطياً. فإنّ هذه الـمناقشـة مدفوعـة: بأنّ هذا الارتكاز يوجب أن يكون للكلام الـملقى إليهم، دلالـة خاصّـة، لا يفهمون من ذلك الـكلام إلاّ ماينطبق على ارتكازهم، فا لـمستفاد عندهم من الـروايات الـدالّـة على مطهّريـة الأرض، هو أنّ المراد منها خصوص الأرض الـطاهرة، و لا مجال للإغماض من هذا الارتكاز و إن كان أصل الـمطهّريـة أمراً تعبّدياً، فتدبّر.
و عليه فلا موقع للاستدلال بإطلاق الـنصّ على عدم اعتبار الـطهارة، كما حكي عن الـشهيد الـثاني (قدس سره).
ا لـرابع: جفاف الأرض كما عن الإسكافي و «جامع الـمقاصد» و «ا لـمسا لـك» و غيرهم.
(الصفحة 589)
و عن «ا لـروضـة» الـتصريح بعدم الـفرق في الأرض بين الـجافّـة و الـرطبـة.
و يدلّ على اعتبار هذا الأمر، قوله (عليه السلام) في روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة: «أ لـيس تمشي بعد ذلك في أرض يابسـة».
و في روايـة الـمعلىّ الـمتقدّمـة أيضاً: «أ لـيس ورائه شيء جافّ».
هذا مضافاً إلى قصور الإطلاقات في نفسها; لانصرافها إلى الـمتعارف و هو الإزا لـة با لـجافّ، و إلى لزوم تنجّس الأرض با لـمماسّـة، الـمؤدّي إلى سرايـة الـنجاسـة إلى ما يراد تطهيره من الـقدم.
و قد نوقش في الاستدلال با لـروايتين تارة: من جهـة الـسند، و اُخرى: من جهـة الـدلالـة:
أمّا الاُولى: فلأنّ في سند إحداهما مفضّل بن عمر، و الـرواي في الاُخرى معلّى بن خنيس، و هما ضعيفان.
و أمّا الـثانيـة: فلأنّه يحتمل قريباً أن يكون الـمراد با لـجافّ ما يقابل الـمتبلّ بما يسيل من الـخنزير، و با لـيابسـة ما يقابل الـنديـة با لـبول، فا لـمقصود وجود قطعـة خا لية عن الـنجاسة الحاصلة للرجل وا لـقدم، لاوجود قطعـة جافّـة كما هو المدّعى.
و يدفع الاُولى: أنّ الـظاهر وثاقـة الـرجلين، و قد صرّح بوثاقـة الأوّل الـشيخ الـمفيد(قدس سره)في «الإرشاد» و الـتحقيق في محلّه.
و يدفع الـثانيـة: كون الاحتمال الـمذكور خلاف الـظاهر; فإنّ الـتعبير با لـجفاف في مقام إرادة عدم وجود الـنجاسـة الـسائلـة من الـخنزير، ممّا لا ينطبق على الـظاهر، و كذا الـتعبير با لـيبوسـة في مقام إرادة عدم وجود الـنداوة الـبوليّـة. فالإنصاف كون الاحتمال مخا لـفاً للظاهر.
(الصفحة 590)
و أمّا سائر الـوجوه، فعلى تقدير جريان الـمناقشـة فيها، لا يقدح بعد ظهور الـروايتين في الاعتبار، و تماميتهما من جهـة الـسند و الـدلالـة، كما عرفت.
ا لـمقام الـرابع: في حدود الـمطهّر و خصوصياته الـموجبـة للتضييق أو الـتوسعـة
قد عرفت: أنّه قد وقع الـتعبير عن عنوان هذا الـمطهّر في بعض الـكتب الـفقهيـة با لـتراب و عرفت أنّ الـمراد به هو الأرض; لوقوع الـتعبير بها في الـنصوص و الـفتاوى، دون الـتراب. و لا فرق في ذلك بين ما إذا كانت الأرض ذات رمل أو حجر أو تراب; لإطلاق الأرض و شمولها لجميع الأقسام.
نعم، فيما إذا كانت هذه الاُمور من الابتداء، فلا إشكال في ذلك، و أمّا إذا كانت با لـعرض كما إذا كانت مفروشـة با لـحجر مثلاً، فا لـظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال فيه أيضاً; لأنّ الـمفروشـة با لـحجر مثلاً يصحّ أن يقال إنّها أرض حقيقـة; لأنّ انتقال الـحجر من مكان إلى آخر و كذا نصبه مثلاً، لا يوجب الـخروج عن عنوان الأرض كما أنّه لا مجال لدعوى انصراف الـنصوص عن مثله، بعد عدم كون الـفرض من الـفروض الـنادرة، و غلبـة وجود مثل ذلك في الـطرق و الأزقّـة الـتي يمرّ الـناس عليها.
ثمّ إنّه ربّما يقال: إنّه على تقدير الـشكّ في صدق الأرض على الـمفروشـة بمثل الـحجر، يجري هنا استصحابان ابتداء، و با لـمعارضـة يتساقطان:
أحدهما: استصحاب الـنجاسـة الـحاصلـة للرجل مثلاً، الـمشكوك زوا لـها با لـمشي أو الـمسح على الأرض الـمفروشـة.
ثانيهما: استصحاب مطهّريـة الأرض، بل استصحاب أرضيـة الأرض، لو لم يناقش
|