(الصفحة 649)
و إن شئت قلت: إنّ رفع الـيد عن الـقاعدة الـمقتضيـة لقبول توبته و ارتفاع نجاسته، بمثل قوله (عليه السلام) في الـروايـة الاُولى:
«فلا توبـة له» مع ملاحظـة ما ذكرنا، مشكل جدّاً.
ثمّ إنّه لو وصلت الـنوبـة إلى الاستصحاب، فلا مجال لاستصحاب الـكفر الـمقتضي لبقائه، بعد وجود ملاك الإسلام، و ثبوت ما يعتبر فيه في الـمرتدّ بعد الـتوبـة، و الـرجوع الـحقيقي عن الارتداد، كما هو الـمفروض.
كما أنّه لا مجال لاستصحاب الـنجاسـة الـتي هي عمدة آثار الـكفر، بعد تغاير الـموضوع و تعدّده; فإنّ الـكافر و الـمسلم موضوعان متغايران عنواناً و حكماً، و إن كان الـشخص واحداً، فلا يجري الاستصحاب الـحكمي بعد تغاير الـموضوع.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق نفي الـتوبـة عنه، نفيها بلحاظ الاُمور الاُخرويـة أيضاً، فيعاقب بارتداده، و لايرتفع عنه الـعقاب بتوبته.
و لاينافيه ما يدلّ على أنّ
«ا لـتائب من الـذنب كمن لا ذنب له» و غيره من أدلّـة الـتوبـة، بناءً على شمول مثل
«ا لـذنب» الـوارد فيها للارتداد; نظراً إلى أنّه ذنب، بل من أعظم الـذنوب، كما يؤيّده بعض الـروايات الـواردة في الـكبائر الـدالّ على أنّ من جملتها بل أوّلها الـشرك با للّه الـعظيم. وجه عدم الـمنافاة: قابليـة تلك الأدلّـة للتخصيص بما ورد في الـفطري ممّا يدلّ على أنّه لا توبـة له.
ولكنّ الـمستفاد من قوله تعا لـى:
(وَ لَيْسَتِ الـتَّوْبَةُ لِلَّذينَ يَعْمَلُونَ الـسَّيِّئآتِ حَتّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنّى تُبْتُ الاْنَ وَ لاَ الَّذينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ اُولئِكَ اَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً اَليماً).(1)
(الصفحة 650)
أنّ الاستحقاق للعذاب إنّما هو من آثار بقاء الـكفر إلى حال الـموت، أو عدم الـتوبـة إلى أن يحضر أحدهم الـموت، فا لـتوبـة قبل حضور الـموت مؤثّرة في رفع الاستحقاق; من دون فرق بين الـفطري و غيره، و عليه فالآيـة تصير قرينـة على عدم ثبوت الإطلاق لدليل نفي الـتوبـة للفطري بحيث يشمل الآثار الاُخرويـة أيضاً.
و يؤيّده ما عن الـباقر (عليه السلام): من أنّه
«من كان مؤمناً فحجّ و عمل في إيمانه، ثمّ أصابته في إيمانه فتنـة فكفر، ثمّ تاب و آمن، يحسب له كلّ عمل صا لـح عمله في إيمانه، و لايبطل منه شيء».
الأمر الـثاني: في أنّه يتبع الـكافر في طهارته بالإسلام فضلاته الـمتّصلـة به; من بصاقه، و عرقه، و شعره، و نخامته، و غير ذلك، فتتّصف با لـطهارة أيضاً تبعاً:
إمّا لأنّ نجاستها كانت تبعاً لنجاسـة بدنه لأنّه لم يدلّ دليل با لـخصوص على نجاسـة هذه الأشياء، بل الـحكم بها إنّما هو لأجل الـتبعيـة، فإذا حكم بطهارة بدنه بسبب الإسلام زا لـت الـنجاسـة الـتبعيـة لامحا لـة.
و إمّا لصدق إضافتها إلى الـمسلم، كما في الـمحكي عن «ا لـجواهر» و غيره.
و اُورد على هذا الـوجه: بأنّ الإضافـة إلى الـمسلم إنّما تجدي في الـطهارة لو كان منشأ الإضافـة الـتكوّن فيه، و هو غير حاصل في الـفرض.
و إمّا لحديث الـجبّ الـشامل بإطلاقه للنجاسـة في هذه الأشياء أيضاً.
و اُورد عليه: بأنّه يختصّ بالآثار الـمستندة إلى الـسبب الـسابق على الإسلام، و بقاء الـنجاسـة و نحوها ليس مستنداً إلى ذلك، بل إلى استعداد ذاته.
و إمّا لعدم معهوديـة أمر من أسلم بتطهير بدنه من الاُمور الـمذكورة، مع عدم خلوّ بدنه عن شيء منها غا لـباً.
(الصفحة 651)
و اُورد عليه: بأنّ هذا الـمقدار لايكفي في رفع الـيد عن استصحاب الـنجاسـة إلاّ أن يكون الـمراد معهوديـة الـعدم.
و الـعمدة هو الـوجه الأوّل الـراجع إلى قصور دليل الـنجاسـة عن الاقتضاء لنجاسـة هذه الأشياء، بعد زوال الـكفر و الاتّصاف بالإسلام، و لامجال لاستصحاب الـنجاسـة أصلاً، فمقتضى قاعدة الـطهارة ثبوتها لها.
(الصفحة 652)ثامنها: الـتبعيـة، فإنّ الـكافر إذا أسلم يتبعه ولده في الـطهارة، أباً كان، أو جدّاً، أو اُمّاً. و أمّا تبعيـة الـطفل للسابي الـمسلم إن لم يكن معه أحد آبائه، فمحلّ إشكال، بل عدمها لا يخلو من قوّة.
و يتبع الـميّتَ بعد طهارته آلاتُ تغسيله: من الـخرقـة الـموضوعـة عليه، و ثيابه الـتي غسّل فيها، و يد الـغاسل، و الـخرقـة الـملفوفـة بها حين غسله. و في باقي بدنه و ثيابه إشكال، أحوطه الـعدم، بل الأولى الاحتياط فيما عدا يد الـغاسل1 .
ا لـثامن: في مطهّريـة الـتبعيـة
(1) لابدّ في مطهّريـة الـتبعيـة من ملاحظـة مواردها كلّ واحد مستقلاًّ; و أنّه هل قام الـدليل فيه عليها أم لا؟
فنقول منها: تبعيـة ولد الـكافر إذا أسلم له في الـطهارة; بمعنى صيرورة الـولد طاهراً أيضاً بسبب إسلام من هو ولد له، و قد نفي الـخلاف و الإشكال فيه كما عن «ا لـجواهر». و استدلّ عليه بروايـة حفص بن غياث قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل من أهل الـحرب إذا أسلم في دار الـحرب، فظهر عليهم الـمسلمون بعد ذلك.
فقال:
«إسلامه إسلام لنفسه ولولده الـصغار، و هم أحرار، و ما لـه و متاعه و رقيقه له، فأمّا الـولد الـكبار فهم فيء للمسلمين، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل ذلك ...».(1)
ولكن ربّما يقال: بأنّه ليس الـملاك في الـتبعيـة في هذا الـمورد ـ الـراجعـة إلى تبعيـة الـولد لأشرف الأبوين ـ هذه الـروايـة، لكي يرد عدم شمولها للجدّ و الـجدّة; لاختصاصها بالأب أو الأبوين. مع أنّها ضعيفـة الـسند بقاسم بن محمّد، و علي بن محمّد
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب جهاد الـعدوّ، الـباب 43، الـحديث 1.
(الصفحة 653)
ا لـقاشاني الـضعيف.
بل الـمدرك: أنّه لا دليل على نجاسـة ولد الـكافر غير الإجماع و عدم الـقول با لـفصل بين الـمميّز الـمظهر للكفر و غيره، و لا إجماع على نجاسـة ولد الـكافر إذا أسلم أحد أبويه أو جدّه مثلاً، فدليل الـنجاسـة قاصر الـشمول عن الـمقام رأساً.
و يؤيّد هذا الـقول أنّه لو لم يكن دليل الـنجاسـة قاصراً، و كان مقتضاه ثبوتها في الـمقام أيضاً، أمكن أن يقال: بعدم ثبوت الـتنافي بينه و بين روايـة حفص; لعدم صراحتها في الـطهارة، غايته كون إسلام الـكافر إسلاماً لولده الـصغار من جهـة الـحرّيـة، و عدم كونه فيئاً للمسلمين، لا من جهـة الـطهارة أيضاً فتدبّر.
لكنّ الأمر سهل بعد ما عرفت: من عدم الـخلاف، بل عن «ا لـجواهر» كون الـحكم ـ بنحو الـعموم ـ مفروغاً عنه.
و منها: تبعيـة الـطفل للسابي الـمسلم إذا لم يكن معه أحد آبائه في خصوص الـطهارة، كما هو الـمشهور، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب.
و عن الإسكافي و الـشيخ و الـقاضي و الـشهيد: تبعيته له في الإسلام.
و الـعمدة في الـحكم با لـطهارة في هذا الـمورد أيضاً، قصور دليل الـنجاسـة عن الـشمول له; لوضوح عدم تحقّق الإجماع و عدم الـقول با لـفصل في هذا الـمورد، مع ذهاب الـمشهور إلى الـطهارة.
و أمّا سائر الـوجوه، كقاعدة الـطهارة بعد عدم جريان استصحاب الـنجاسـة; لتغيّر الـموضوع و تبدّله، أو معارضته باستصحاب طهارة الـملاقي الـمقتضيـة للتساقط، و كدليل الـحرج و الـنبوي:
«كلّ مولود يولد على الـفطرة ...» و كا لـسيرة فقابل للمناقشـة.