(الصفحة 663)
و عليه يكون تقديمها على الاستصحاب مستنداً إلى كونه مخصّصاً لأدلّته، و مضيّقاً لدائرته.
و تظهر ثمرة الـوجهين في أنّه لوكان الـحكم با لـطهارة من باب تقديم الـظاهر، لابدّ من الاقتصار فيه على موارد ثبوت الـظهور، و من الـمعلوم عدم ثبوته في مورد الـجهل با لـنجاسـة رأساً; فإنّه مع الـجهل بها لايكون ظاهر الـحال الـتجنّب و الـتنزّه عنه، كما أنّه لايثبت مع عدم الاعتقاد بنجاسـة ما أصابه; لأنّه لامعنى للاحتراز مع عدم الاعتقاد بها.
و أمّا لوكان الـحكم با لـطهارة غير مستند إلى الـظهور، بل كان حكماً تعبّدياً كقاعدة الـطهاره، فلابدّ من ملاحظـة أنّ دليل هذا الـحكم الـتعبّدي، هل يقتضي ثبوته في مورد الـشكّ مطلقاً; سواء كانت الـشروط الـمذكورة في جملـة من الـكلمات موجودة فيه، أم لا، أو لا يقتضي إلاّ ثبوته مع وجود تلك الـشرائط أو بعضها؟
و الـظاهر هو الأوّل; لأنّك عرفت: أنّ الـعمدة في هذا الأمر هي الـسيرة الـمتّصلـة بزمان الأئمّـة (عليهم السلام) و الـظاهر عدم اختصاصها بصورة وجودها; لأنّهم كانوا يساورون أهل الـخلاف الـموجودين في زمانهم، مع وضوح عدم الـتزامهم بنجاسـة جملـة من الـنجاسات الـثابتـة عندنا; لذهابهم إلى طهارة جلد الـميتـة با لـدبّاغ، و طهارة مخرج الـبول با لـتمسّح على الـغائط، و طهارة الـمنيّ عند بعضهم و هكذا.
و كذلك كانوا يعاشرون عموم الـمسلمين، حتّى الـفسقـة منهم، مع عدم مبالاتهم ـ نوعاً ـ في باب الـنجاسات و الـمتنجّسات، فإنّ شارب الـخمر لا يبا لـي بإصابتها بدنه أو ثوبه، و ليس ذلك مبتنياً على مسأ لـة عدم تنجيس الـمتنجّس; فإنّ الـظاهر الـمعاملـة مع الأشياء الـمأخوذة منهم معاملـة الـطهاره، بحيث يصلّون فيه،
(الصفحة 664)
و لا يجتنبون عنه، فيصلّون في الـفرو الـمشترى منهم من دون تطهير.
فالإنصاف: عموم الـدليل و عدم اختصاصه بصورة وجود الـشرائط الـمذكورة كلاًّ أو بعضاً.
و منه يظهر: أنّ الـحكم با لـطهارة حكم تعبّدي; غير مستند إلى تقديم الـظاهر على الأصل، كما حكي عن شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس سره) حيث ذهب إلى أنّ الـشارع جعل ظهور حال الـمسلم أمارة على الـطهارة، فتكون متقدّمـة على الاستصحاب لامحا لـة، و لازمه اعتبار جملـة من الـشرائط; لعدم تحقّق الـظهور بدونها، كما لايخفى.
(الصفحة 665)حادي عشرها: استبراء الـجلاّل من الـحيوان بما يخرجه عن اسم «ا لـجلل» فإنّه مطهّر لبوله و خرئه.
و لايترك الاحتياط مع زوال اسمه في استبراء الإبل أربعين يوماً، و الـبقر عشرين، و الـغنم عشرة أيّام، و الـبطّـة خمسـة أيّام، و الـدجاجـة ثلاثـة أيّام، بل لايخلو كلّ ذلك من قوّة، و في غيرها يكفي زوال الاسم1 .
ا لـحادي عشر: في مطهّريـة الاستبراء
(1) الـكلام في هذا الأمر يقع في مقامين أيضاً:
الأوّل: في كون استبراء الـجلاّل من الـحيوان مطهّراً له; أي لبوله و خرئه، بناءً على نجاستهما من الـجلاّل. مع عدم مساعدة الأدلّـة عليها، كما أسلفنا الـكلام فيه في مبحث الـنجاسات، فراجع.
و الـدليل عليه: أنّه يوجب زوال حرمـة الأكل، و خروجَه إلى الـحلّيـة، و من الـمعلوم أنّ الـنجاسـة كانت تابعـة للحرمـة; بمعنى أنّ كونه ممّا لا يؤكل اقتضى ثبوت الـنجاسـة للبول و الـخرء، فإذا صار محلّل الأكل بالاستبراء لزوال عنوان «ا لـجلل» الـمأخوذ في موضوع الـحكم با لـحرمـة، و لدلالـة الـروايات الـكثيرة الـواردة في هذا الـباب، فلا يبقى مجال للحكم ببقاء نجاسـة الـبول و الـخرء.
و بعبارة اُخرى: كانت الـنجاسـة لأجل الـملازمـة بينها و بين الـحرمـة الـمدلول عليها با لـنصّ، فإذا زا لـت الـحرمـة ارتفعت الـنجاسـة قطعاً.
في مقدار الاستبراء
ا لـثاني: في مقدار الاستبراء الـمتحقّق بمنع الـحيوان عن الـتغذّي با لـعَذِرة، و الاغتذاء با لـعلف الـطاهر، أو مثله.
(الصفحة 666)
مقتضى ما ذكرنا: أنّ الـمقدار الـلازم هو الـمقدار الـذي به يتحقّق زوال عنوان «ا لـجلل» الـموضوع للحكم با لـحرمـة الـملازم للنجاسـة، كما عرفت، فإذا زال هذا الـعنوان يرتفع الـحكم با لـحرمـة، و لايبقى موقع للنجاسـة; لارتفاع الـحرمـة الـملازمـة لها، فمقتضى الـقاعدة أنّ الـلازم في مقدار الاستبراء ما به يتحقّق زوال عنوان «ا لـجلل».
ولكن هنا روايات ظاهرة في اعتبار مدّة خاصّـة، و اختلافها في الـحيوانات:
منها: ما ورد في الإبل، كروايـة مسمع، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الـناقـة الـجلاّلـة لا يؤكل لحمها و لايشرب لبنها حتّى تغذّى أربعين يوماً، و الـبقرة الـجلاّلـة لايؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتّى تغذّى ثلاثين يوماً، و الـشاة الـجلاّلـة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتّى تغذّى عشرة أيّام، و الـبطّـة الـجلاّلـة لا يؤكل لحمها حتّى تربّى خمسـة أيّام، و الـدجاجـة ثلاثـة أيّام».(1)
و مثلها: ما رواه الـسكوني، عن أبي عبدا للّه جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال:
«قال أمير الـمؤمنين (عليه السلام): الـدجاجـة الـجلاّلـة لا يؤكل لحمها حتّى تقيّد ثلاثـة أيّام، و الـبطّـة الـجلاّلـة بخمسـة أيّام، و الـشاة الـجلاّلـة عشرة أيّام، و الـبقرة الـجلاّلـة عشرين يوماً، و الـناقـة الـجلاّلـة أربعين يوماً».(2)
و من الـواضح اتّحاد الـروايتين; بمعنى أنّ الـصادر من الـمولى أميرا لـمؤمنين (عليه السلام)واحد، و لعلّ نقل الإمام أبي عبدا للّه (عليه السلام) عنه كان واحداً، غايـة الأمر أنّ الـسكوني قد سمعه، و مسمعاً أيضاً سمعه، لا أنّه نقله مرّتين و إن كان لا استبعاد فيه أيضاً.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأطعمـة الـمحرّمـة، الـباب 28، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأطعمـة الـمحرّمـة، الـباب 28، الـحديث 1.
(الصفحة 667)
نعم، الاختلاف بينهما واقع في مقدار استبراء الـبقر; حيث إنّ روايـة الـسكوني تدلّ على عشرين، و روايـة مسمع على ثلاثين.
نعم، رواها الـشيخ في «ا لـتهذيب» مطابقـة لروايـة الـسكوني، كما أنّه رواها في «الاستبصار» أربعين يوماً كالإبل الـجلاّلـة، ولكنّه لا دلالـة لهذا الاختلاف على تعدّد الـروايـة، بل هي روايـة واحدة مردّدة من هذه الـجهـة، كما لا يخفى.
و ما رواه بسّام الـصيرفي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في الإبل الـجلاّلـة قال:
«لا يؤكل لحمها و لا تركب أربعين يوماً».(1)
و مرفوعـة يعقوب بن يزيد قال: قال أبوعبدا للّه (عليه السلام):
«الإبل الـجلاّلـة إذا أردت نحرها تحبس الـبعير أربعين يوماً، و الـبقرة ثلاثين يوماً، و الـشاة عشرة أيّام».(2)
و منها: ما ورد في الـبقر; ممّا يدلّ على ثلاثين يوماً، كروايتي يعقوب و مسمع على نقل «الكافي» المتقدّمتين، وقد عرفت دلالة رواية السكوني على عشرين، كرواية مسمع على نقل الشيخ في «ا لتهذيب» كما أنّه على نقله في «الاستبصار» يدلّ على أربعين.
و في روايـة يونس أيضاً اعتبار ثلاثين، حيث روى عن الـرّضا (عليه السلام) في الـسمك الـجلاّل أ نّه سأ لـه عنه.
فقال:
«ينتظر به يوماً و ليلـة ...».
و قال في الـدجاجـة:
«تحبس ثلاثـة أيّام، و الـبطّـة سبعـة أيّام، و الـشاة أربعـة عشر يوماً، و الـبقرة ثلاثين يوماً، و الإبل أربعين يوماً، ثمّ تذبح».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأطعمـة الـمحرّمـة، الـباب 28، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأطعمـة الـمحرّمـة، الـباب 28، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأطعمـة الـمحرّمـة، الـباب 28، الـحديث 5.