(الصفحة 685)
في نفسه مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً.
فعلى مسلك الـمشهور لايكون الـمفطر محرّماً، فلا تجب كفّارة الـجمع، و على مبنى غيرهم يكون كذلك فتجب.
هذا، ويمكن أن يقال: بعدم ترتّب هذه الثمرة على النزاع المذكور; لأنّ معنى تعلّق الـحرمـة با لـمأكول و الـمشروب ليس تعلّقها بذواتهما، فإنّ الـذوات لا يمكن تعلّق الـتكليف بها، بل معناها تعلّقها بالأكل وا لـشرب الـمتعلّق بها الـذي هو فعل المكلّف.
و عليه فمرجع كون الـمأكول أو الـمشروب محرّماً، إلى كون الأكل أو الـشرب كذلك، فإذا أكل طعاماً محرّماً في إحدى الآنيتين، يكون الأكل بعنوان كونه مضافاً إلى ذاك الـمأكول محرّماً، و بعنوان كونه في إحداهما أيضاً كذلك، و يستحقّ لأجله عقوبتين; لعدم الـمانع من اجتماع محرّمين هما: أكل الـميتـة مثلاً، و الأكل في آنيـة الـذهب كذلك.
فإذا فرض أنّ معنى الإفطار با لـحرام الـذي هو الـموضوع لثبوت كفّارة الـجمع: أن يكون الـمفطر ـ مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً ـ محرّماً، يتحقّق هذا الـمعنى في الأكل من إحدى الآنيتين و إن كان الـمأكول مباحاً; لأنّ الأكل منها مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً، يكون محرّماً، فلا فرق بين الـقولين في لزوم كفّارة الـجمع.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ مقتضى الـروايات; كون الأكل أو الـشرب من إحدى الآنيتين بعنوانهما محرّماً، فا لـتناول منها من دون تحقّق شيء من الـعنوانين، لا يكون محرّماً بهذا الـعنوان. نعم حرمته إنّما هي لأجل كون استعما لـها محرّماً، على ما عرفت.
و أمّا إذا كان الـتناول مقدّمـة لشيء منهما، فهل يتحقّق هنا محرّمان; أحدهما: الـتناول من باب كونه استعمالاً، و الآخر: الأكل أو الـشرب بلحاظ تعلّق الـتحريم با لـعنوانين، أو أنّه لا يتحقّق إلاّ محرّم واحد و هو الـمحرّم الـثاني؟
(الصفحة 686)
ا لـذي يخطر با لـبال في بادي الـنظر هو الأوّل; لتحقّق عنوانين محرّمين، و لا مانع من اجتماعهما في مورد واحد.
ولكن الـظاهر هو الـثاني; لأنّ الـمستفاد من الـروايات الـناهيـة عن الأكل أو الـشرب: أنّه لايتحقّق بشيء منهما إلاّ مخا لـفـة تكليف واحد; و أنّ الآكل أو الـشارب لا يكون مستحقّاً إلاّ لعقوبـة واحدة، خصوصاً بعد ملاحظـة توقّف الأكل نوعاً على الـتناول، و كذا الـشرب، كما لايخفى.
فا لـمتفاهم عرفاً من هذه الـروايات، ليس إلاّ ثبوت تكليف واحد في مورد الأكل أو الـشرب من إحدى الآنيتين، فا لـظاهر ـ بمقتضى هذا الـتفاهم ـ هو الـثاني.
و أمّا في غير الـمأكول و الـمشروب، فا لـظاهر أنّ الـنهي إنّما تعلّق بعنوان الاستعمال على ما استظهرنا من الـنهي الـمتعلّق بعنوان الآنيـة فالاستعمال ـ أي الـعمل الـمتعلّق بها، و الـفعل الـذي له إضافـة إليها ـ حرام، و أمّا ما هو خارج عن هذا الـعنوان فلا دليل على تحريمه، فإذا اغترف منها للوضوء يكون الاغتراف محرّماً، لا الـوضوء; لأنّ الاغتراف استعمال للآنيـة، لا الـوضوء الـمتحقّق عقيبه، و عليه فلا يكون الـوضوء محرّماً، فلا يكون باطلاً.
نعم، قد تقدّم الـكلام في فروع هذا الـفرض في باب الـوضوء، فراجع.
في مطلق الانتفاع بهما
ا لـمقام الـثا لـث: في أنّه بعد عدم اختصاص الـحرمـة في باب الأواني بخصوص استعما لـها في الأكل أو الـشرب، بل عمومها لمطلق الاستعمال، يقع الـكلام في دائرة متعلّق الـتّحريم; و أنّه هل هو أعمّ من الاستعمال أيضاً، بحيث يشمل مطلق الانتفاع ولو
(الصفحة 687)
لم يعدّ استعمالاً، أو يختصّ بالاستعمال.
بل على الـتقدير الأوّل يمكن أن يقال: بأنّه أعمّ من الانتفاع أيضاً، فيشمل مثل الاقتناء و الـحفظ عن الـضياع أيضاً.
فنقول: قد عرفت أنّ الـروايات الـواردة في هذا الـباب على طائفتين:
طائفـة تدلّ على الـنهي عن عنواني الأكل و الـشرب من إحدى الآنيتين.
و طائفـة تدلّ على الـنهي عن نفسهما، و تعلّق الـكراهـة بهما.
أمّا الـطائفـة الاُولى، فقد تقدّم مفادها; و أنّه لايتعدّى عن الـعنوانين، و لا دلالـة لهما على حرمـة غيرهما.
و أمّا الـطائفـة الـثانيـة، فبعد لزوم الـتقدير فيها، و عدم كون الـمقدّر نفس وجود الآنيتين، يحتمل أن يكون الـمقدّر هو خصوص الأكل و الـشرب; بحيث كان مرجعها إلى الـطائفـة الاُولى الـمصرّحـة بالأكل أو الـشرب.
و يحتمل أن يكون الـمقدّر هو مطلق الاستعمال، فكلّ ما يصدق عليه أنّه استعمال للآنيـة فهو حرام.
و من الـواضح: أنّه بناءً على هذا الاحتمال، يكون الـمحرّم هو نفس الاستعمال بعنوانه، لا الأفعال الـمترتّبـة عليه، كالأكل و الـشرب و الـوضوء و نحوها; لأنّ الأكل منها ليس استعمالاً لها، بل تناول الـمأكول منها يكون استعمالاً لها.
و يحتمل أن يكون الـمقدّر أعمّ من الاستعمال; و هو مطلق الانتفاع، سواء عدّ استعمالاً أم لا.
و يؤيّده الـروايـة الـمتقدّمـة الـدالّـة على أنّ آنيـة الذهب و الفضّـة، متاع الذين لا يوقنون; لأنّ الـمراد با لـمتاع ـ كما عرفت ـ مطلق ما ينتفع و يتمتّع به.
(الصفحة 688)
و يحتمل أن يكون الـمقدّر كلّ فعل له إضافـة إلى الآنيـة و إن لم يعدّ انتفاعاً بها، فضلاً عن أن يكون استعمالاً لها، كالاقتناء بناءً على عدم كونه انتفاعاً.
هذا، و الـظاهر أنّه لامجال للاحتمال الأوّل; بعد عدم كون جميع الأواني معدّةً للأكل و الـشرب، لأنّ جملـة منها معدّة لغيرهما من الاستعمالات، و عدم كون الـنهي الـمتعلّق با لـمعدّ منها لها ظاهراً في خصوص الأكل و الـشرب، فهذا الاحتمال لامجال له أصلاً.
و أمّا الاحتمال الـثاني فلا دليل عليه; لعدم نهوض دليل على تعيّن خصوص الاستعمال، خصوصاً بعد وجود الـروايـة الـمذكورة الـتي عبّر فيها عنها با لـمتاع و هو أعمّ من الاستعمال، و قد مرّ اعتبار هذه الـروايـة و حجّيتها.
كما أنّ الاحتمال الـرابع لايمكن تتميمه بدليل، و لا يكون الـتفاهم الـعرفي مساعداً عليه.
فالإنصاف: أنّ الاحتمال الـثا لـث هو أظهر الاحتمالات، و لازمه حرمـة وضعها على الـرفوف أو غيرها للتزئين بها; فإنّ الـتزئين انتفاع بالآنيـة، كا لـتزئين بغيرها من الـنقوش و غيرها. و قد ذهب إلى هذا صاحب «ا لـجواهر» (قدس سره) و لافرق في ذلك بين أن يكون الـتزئين بها في مثل الـبيوت، و بين أن يكون في الـمساجد و الـمشاهد.
كما أنّ لازم هذا الـوجه، عدم حرمـة مثل الاقتناء و الـحفظ عن الـضياع; لعدم كون ذلك انتفاعاً بالآنيـة، و لادليل على حرمـة مطلق الـفعل الـمتعلّق بها و لو لم يكن انتفاعاً، و إلاّ فيلزم حرمـة الـنظر إليها أيضاً; لأنّه فعل متعلّق بها، خصوصاً إذا ترتّب عليه اللذّة و الـفرح و الانبساط، و من الـواضح عدم إمكان الالتزام بها.
ثمّ إنّه بناءً على ما ذكرنا: من عدم حرمـة اقتناء الأواني الـمذكورة يكون بيعها و شرائها جائزاً; لاشتما لـها على الـمنفعـة الـمحلّلـة الـمقصودة. و أمّا بناءً على حرمته
(الصفحة 689)
أيضاً، فا لـتحقيق في جواز الـمعاملـة عليها و عدمه في محلّه.
في حكم بعض الانتفاعات
ا لـمقام الـرّابع: في بيان حكم بعض الـعناوين الاُخر.
فنقول:
منها: الـملبّس بأحدهما من الـصفر أو غيره، و الـوجه فيه الـتفصيل، فإنّه إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلاًّ; بحيث كان من قبيل إناء في إناء، بحيث لو نزع الإناء الـصفر مثلاً عمّا لبّس به بقي لباسه إناء مستقلاًّ، فهذا حرام; لكونه حقيقـة إناء ذهب أو فضّـة.
وأمّا إذا لم يكن كذلك، كما إذا كان الذهب أو الـفضّة قطعات منفصلات، لبّس بهما الإناء من الـصفر داخلاً أو خارجاً، فلا إشكال في عدم الـحرمـة حينئذ; لعدم كون الإناء إناء ذهب أو فضّـة، بل هو إناء صفر مشتمل على قطعـة من أحدهما مثلاً، كما لايخفى.
و منها: الـمفضّض و الـمطلّي و الـمموّة بأحد من الـذهب و الـفضّـة، و الـمراد با لـمفضّض إمّا ما كانت الـفضّـة فيه جرماً و مادّة، كما ربّما يدّعى انصرافه إليه، و إمّا ما هو أعمّ منه و ممّا كانت فيه الـفضّـة لوناً و عرضاً.
فعلى الأوّل: يغاير الـمطلّي و الـمموّة.
و على الـثاني: يكون الـمطلّي و الـمموّة من مصاديق الـمفضّض.
كما أنّ الـظاهر أنّ الـمراد با لـمفضّض ما هو أعمّ من الـمذهّب، و الـتعبير به إنّما هو لأجل الـتبعيـة للروايـة; لاشتما لـها على هذا الـتعبير و سيأتي الـبحث فيه إن شاء اللّه تعا لـى.
|