(الصفحة 690)
و كيف كان: فقد ورد في الـمفضّض روايات:
منها: روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«لا تأكل في آنيـة من فضّـة، و لا في آنيـة مفضّضـة».
و منها: صحيحـة معاويـة بن وهب قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن الـشرب في الـقدح فيه ضبّـة من فضّـة.
قال:
«لا بأس إلاّ أن تكره الـفضّـة فينزعها».(1)
و منها: حسنـة عبدا للّه بن سنان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«لا بأس أن يشرب الـرجل في الـقدح الـمفضّض، و اعزل فمك عن موضع الـفضّـة».(2)
فمقتضى الـروايـة الاُولى حرمـة الأكل من الآنيـة الـمفضّضـة، كالآنيـة من فضّـة، و مقتضى الأخيرتين الـجواز، و قاعدة الـجمع تقتضي حمل الـنهي على الـكراهـة، و لا مانع من حمل الـنهي في روايـة واحدة على الـكراهـة في جملـة، و حفظ ظهورها في الـحرمـة في جملـة اُخرى و لايلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد; لأنّ ظهور الـنهي في الـحرمـة معلّق على عدم الـترخيص في فعل الـمنهي عنه، و قد تحقّق الـترخيص في الـمكروه، دون الـجملـة الاُخرى الـمحرّمـة، فتدبّر.
ثمّ إنّ مقتضى روايـة ابن سنان، وجوب عزل الـفم عن موضع الـفضّـة، و قد افتى به الـمشهور.
و عن «ا لـمعتبر» و بعض الـكتب الاُخر: الاستحباب; حملاً للأمر عليه بقرينـة روايـة ابنوهب، نظراً إلى أنّ ترك الاستفصال فيها مع قيام الاحتمال، يفيد الـعموم.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 5.
(الصفحة 691)
هذا، ولكن إفادة الـعموم لا تنافي الـتخصيص; فإنّ روايـة ابن سنان صا لـحـة للتخصيص، فا لـظاهر حينئذ ما أفاده الـمشهور من وجود عزل الـفم عن موضع الـفضّـة.
و يؤيّده بعض الـروايات الاُخر، مثل ما رواه الـصدوق، بإسناده عن ثعلبـة بن ميمون، عن بريد، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): أنّه كره الـشرب في الـفضّـة، و في الـقدح الـمفضّض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض، و الـمشطـة كذلك، فإن لم يجد بدّاً من الـشرب في الـقدح الـمفضّض عدل بفمه عن موضع الـفضّـة.(1)
وا لـظاهر أنّه ليس الـمراد من عدم وجدان الـبدّ هي الـضرورة الـمبيحـة للمحرّم، و إلاّ لم يكن وجه للتعرّض للمفضّض فقط; فإنّ الـضرورة بهذا الـمعنى مبيحـة للفضّـة أيضاً، بل الـمراد أنّه حيث يكون الـشرب في الـقدح الـمفضّض مكروهاً لا محرّماً، و من الـواضح أنّ الـعاقل لايختار الـمفضّض الـمكروه مع وجود غيره و كونه باختياره، فإذا لم يكن باختياره فعلاً ـ و إن كان يمكن تحصيله ـ فا لـلازم أن يعدل بفمه عن موضع الـفضّـة.
بقي في هذه الـجهـة أمران:
الأوّل: أنّ الـظاهر اختصاص وجوب الـعزل بما إذا اشتمل الإناء على قطعـة أو قطعات مشخّصـة من الـفضّـة، و أمّا إذا كان مطلّياً بها; بأن كان ماء الـفضّـة الـذي هو من قبيل الأعراض، و لا وجود له بالاستقلال، فلايأتي فيه هذا الـحكم; لأنّه ليس هناك فضّـة يعزل فمه عن موضعها، و عليه فلاوجه للجزم بذلك; لكونه من أفراد الـمفضّض،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 3.
(الصفحة 692)
كما عن «كشف الـغطاء» و الـمنسوب إلى الـعلاّمـة، و لا للاحتياط فيه كما في «ا لـعروة» و ذلك لأنّ احتمال دخوله في الـمفضّض أو الـجزم به، لايقتضي جريان هذا الـحكم فيه; بعد وضوح اختصاص موضوعه بما إذا كان موضع الـفضّـة مشخّصاً، كما لايخفى.
ا لـثاني: أنّه هل الـحكم بكراهـة الأكل و الـشرب في الإناء الـمفضّض، و وجوب عزل الـفم عن موضع الـفضّـة، يجري في الـمذهّب أيضاً، أم لا؟ و الأوّل محكيّ عن صاحب «ا لـحدائق».
و قد اُورد عليه: بأنّه لايمكن الـمساعدة عليه; لعدم الـدليل، بل الـقاعدة تقتضي الـجواز و إن كان الـذهب أعلى قيمـة من الـفضّـة; لأ نّه لا سبيل لنا إلى ملاكات الأحكام الـشرعيـة. ولو كان الـملاك غلاء الـقيمـة لكان مثل الـزبرجد و الألماس من الأحجار الـكريمـة الـتي هي أعلى قيمـة من الـفضّـة، أولى با لـكراهـة و الـوجوب.
نعم، في روايـة الـفضيل بن يسار قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـسرير فيه الـذهب، أيصلح إمساكه في الـبيت.
فقال:
«إن كان ذهباً فلا، و إن كان ماء الـذهب فلا بأس».(1)
فإنّ الـسرير الـذي فيه الـذهب إذا لم يجز إمساكه في الـبيت، فالإناء الـذي فيه الـذهب بطريق أولى.
و يرد على هذا الـنحو من الاستدلال ـ مضافاً إلى أ نّه من الـواضح عدم حرمـة إمساك الإناء الـذي فيه الـذهب; لأنّ كراهـة الأكل أو الـشرب فيه محلّ كلام، فكيف يحتمل حرمـة إمساكه؟! و إلى جريان الـمناقشـة في الـروايـة سنداً و دلالـة; لعدم
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 1.
(الصفحة 693)
حرمـة إمساك الـسرير الـذي فيه الـذهب بوجه ـ أنّه على تقدير الـتسليم فاستفادة حكم الـمقام لاتنطبق إلاّ على الـقياس، و دعوى الأولويـة ممنوعـة جدّاً، فتدبّر.
حكم الـممتزج منهما
و من الـعناوين الـممتزج، و هو على قسمين:
الأوّل: ا لـممتزج من الـذهب و الـفضّـة معاً، بحيث يكون مركّباً منهما، و لايكون فيه شيء غيرهما.
و قد ذكر في الـمتن: أنّه بحكم أحدهما و إن لم يصدق عليه اسم أحدهما.
و الـوجه فيه فيما إذا صدق عليه اسم أحدهما: هو شمول الأدلّـة اللفظيـة الـواردة في الـباب، و عمومها له; لأنّ الـمفروض صدق أحد الاسمين، و تحقّق واحد من الـعنوانين.
و أمّا إذا لم يصدق عليه اسم أحدهما، فالأدلّـة اللفظيّـة و إن كانت قاصرة عن الـشمول; لعدم تحقّق عنوان موضوعها على ما هو الـمفروض، إلاّ أنّ مقتضى الـفهم الـعرفي و الارتكاز الـعقلائي في مثل الـمقام، هو جريان الـحكم; فإنّ اختلاط أحد الـمحرّمين بالآخر و الامتزاج بينهما، لايوجب سلب حكم الـتحريم، و تغيّر الـنهي عندهم بوجه، فهل يوجب الـخلط بين الـميتـة و الـدم مثلاً، زوالَ حكم الـحرمـة و ارتفاعها و إن لم يصدق على الـمخلوط شيء من الـعنوانين، كما هو ظاهر؟!
و دعوى: أنّه يحتمل أن يكون الـخلوص معتبراً في موضوع الـحكم، و هو غير حاصل في الـممتزج منهما، مدفوعـة بكون هذا الاحتمال غير معتنى به عند الـعقلاء، بعد ملاحظـة الأدلّـة.
(الصفحة 694)
ا لـثاني: الـممتزج منهما أو من أحدهما بغيرهما، كا لـصفر و الـنحاس مثلاً، ففيما إذا لم يتحقّق شيء من الـعنوانين، و لم يصدق أحد الاسمين، لامجال لثبوت الـحكم با لـحرمـة; لدورانه مدار صدقهما على نحو الـحقيقـة، و لايكفي الـتسامح و الـمجاز.
و أمّا مع تحقّق شيء منهما، كما إذا كان الـخليط قليلاً، فا لـظاهر ثبوت الـحرمـة، و لادليل على اعتبار الـخلوص و الـخلوّ من الـخليط، بل الـملاك هو صدق اسم الـموضوع، و الـمفروض تحقّقه.
في الـذهب و الـفضّـة من غير الأواني
بقي الـكلام في حكم غير الأواني إذا كان من الـذهب و الـفضّـة، كا للوح و الـحلّى و غلاف الـسيف و الـسكّين و الـقنديل و نقش الـكتب و الـسقوف و الـجدران بهما.
و في «ا لـجواهر»: «لا أجد فيه ـ أي في الـجواز ـ خلافاً» بل استظهر الـوفاق عليه في بعض الـكتب.
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأصل بعد اختصاص الأخبار الـناهيـة بالآنيـة، كما عرفت، و إلى عمومات الـحلّ ـ خصوص جملـة من الـروايات:
مثل صحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـمرآة، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقـة فضّـة؟
قال:
«نعم، إنّما يكره استعمال ما يشرب به».(1)
وا لمستفاد منها مضافاً إلى الجواز في موردها، اختصاص الحكم با لـكراهـة ـ أى
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 5.