(الصفحة 692)
كما عن «كشف الـغطاء» و الـمنسوب إلى الـعلاّمـة، و لا للاحتياط فيه كما في «ا لـعروة» و ذلك لأنّ احتمال دخوله في الـمفضّض أو الـجزم به، لايقتضي جريان هذا الـحكم فيه; بعد وضوح اختصاص موضوعه بما إذا كان موضع الـفضّـة مشخّصاً، كما لايخفى.
ا لـثاني: أنّه هل الـحكم بكراهـة الأكل و الـشرب في الإناء الـمفضّض، و وجوب عزل الـفم عن موضع الـفضّـة، يجري في الـمذهّب أيضاً، أم لا؟ و الأوّل محكيّ عن صاحب «ا لـحدائق».
و قد اُورد عليه: بأنّه لايمكن الـمساعدة عليه; لعدم الـدليل، بل الـقاعدة تقتضي الـجواز و إن كان الـذهب أعلى قيمـة من الـفضّـة; لأ نّه لا سبيل لنا إلى ملاكات الأحكام الـشرعيـة. ولو كان الـملاك غلاء الـقيمـة لكان مثل الـزبرجد و الألماس من الأحجار الـكريمـة الـتي هي أعلى قيمـة من الـفضّـة، أولى با لـكراهـة و الـوجوب.
نعم، في روايـة الـفضيل بن يسار قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـسرير فيه الـذهب، أيصلح إمساكه في الـبيت.
فقال:
«إن كان ذهباً فلا، و إن كان ماء الـذهب فلا بأس».(1)
فإنّ الـسرير الـذي فيه الـذهب إذا لم يجز إمساكه في الـبيت، فالإناء الـذي فيه الـذهب بطريق أولى.
و يرد على هذا الـنحو من الاستدلال ـ مضافاً إلى أ نّه من الـواضح عدم حرمـة إمساك الإناء الـذي فيه الـذهب; لأنّ كراهـة الأكل أو الـشرب فيه محلّ كلام، فكيف يحتمل حرمـة إمساكه؟! و إلى جريان الـمناقشـة في الـروايـة سنداً و دلالـة; لعدم
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 1.
(الصفحة 693)
حرمـة إمساك الـسرير الـذي فيه الـذهب بوجه ـ أنّه على تقدير الـتسليم فاستفادة حكم الـمقام لاتنطبق إلاّ على الـقياس، و دعوى الأولويـة ممنوعـة جدّاً، فتدبّر.
حكم الـممتزج منهما
و من الـعناوين الـممتزج، و هو على قسمين:
الأوّل: ا لـممتزج من الـذهب و الـفضّـة معاً، بحيث يكون مركّباً منهما، و لايكون فيه شيء غيرهما.
و قد ذكر في الـمتن: أنّه بحكم أحدهما و إن لم يصدق عليه اسم أحدهما.
و الـوجه فيه فيما إذا صدق عليه اسم أحدهما: هو شمول الأدلّـة اللفظيـة الـواردة في الـباب، و عمومها له; لأنّ الـمفروض صدق أحد الاسمين، و تحقّق واحد من الـعنوانين.
و أمّا إذا لم يصدق عليه اسم أحدهما، فالأدلّـة اللفظيّـة و إن كانت قاصرة عن الـشمول; لعدم تحقّق عنوان موضوعها على ما هو الـمفروض، إلاّ أنّ مقتضى الـفهم الـعرفي و الارتكاز الـعقلائي في مثل الـمقام، هو جريان الـحكم; فإنّ اختلاط أحد الـمحرّمين بالآخر و الامتزاج بينهما، لايوجب سلب حكم الـتحريم، و تغيّر الـنهي عندهم بوجه، فهل يوجب الـخلط بين الـميتـة و الـدم مثلاً، زوالَ حكم الـحرمـة و ارتفاعها و إن لم يصدق على الـمخلوط شيء من الـعنوانين، كما هو ظاهر؟!
و دعوى: أنّه يحتمل أن يكون الـخلوص معتبراً في موضوع الـحكم، و هو غير حاصل في الـممتزج منهما، مدفوعـة بكون هذا الاحتمال غير معتنى به عند الـعقلاء، بعد ملاحظـة الأدلّـة.
(الصفحة 694)
ا لـثاني: الـممتزج منهما أو من أحدهما بغيرهما، كا لـصفر و الـنحاس مثلاً، ففيما إذا لم يتحقّق شيء من الـعنوانين، و لم يصدق أحد الاسمين، لامجال لثبوت الـحكم با لـحرمـة; لدورانه مدار صدقهما على نحو الـحقيقـة، و لايكفي الـتسامح و الـمجاز.
و أمّا مع تحقّق شيء منهما، كما إذا كان الـخليط قليلاً، فا لـظاهر ثبوت الـحرمـة، و لادليل على اعتبار الـخلوص و الـخلوّ من الـخليط، بل الـملاك هو صدق اسم الـموضوع، و الـمفروض تحقّقه.
في الـذهب و الـفضّـة من غير الأواني
بقي الـكلام في حكم غير الأواني إذا كان من الـذهب و الـفضّـة، كا للوح و الـحلّى و غلاف الـسيف و الـسكّين و الـقنديل و نقش الـكتب و الـسقوف و الـجدران بهما.
و في «ا لـجواهر»: «لا أجد فيه ـ أي في الـجواز ـ خلافاً» بل استظهر الـوفاق عليه في بعض الـكتب.
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأصل بعد اختصاص الأخبار الـناهيـة بالآنيـة، كما عرفت، و إلى عمومات الـحلّ ـ خصوص جملـة من الـروايات:
مثل صحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـمرآة، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقـة فضّـة؟
قال:
«نعم، إنّما يكره استعمال ما يشرب به».(1)
وا لمستفاد منها مضافاً إلى الجواز في موردها، اختصاص الحكم با لـكراهـة ـ أى
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 5.
(الصفحة 695)
ا لـحرمـة ـ بالآنيـة الـمستعملـة في الـشرب، و مفهومها الـجواز في غير الآنيـة مطلقاً.
و ما ورد في ذات الـفضول; درع الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنّها كان لها حلق من فضّـة ثلاث(1)
أو أربع.(2)
و ما ورد في ذي الـفقار سيفه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: من أنّه
«نزل به جبرئيل من الـسماء، و كانت حلقته فضّـة».(3)
و غير ذلك من الـروايات الـواردة في موارد خاصّـة الـدالّـة على عدم المنع، فراجع.
نعم، ربّما يقال بحرمـة غير الأواني منهما; نظراً إلى دلالـة جملـة من الأخبار عليها:
منها: خبر الـفضيل بن يسار قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـسرير فيه الـذهب، أيصلح إمساكه في الـبيت؟
فقال:
«إن كان ذهباً فلا، و إن كان ماء الـذهب فلا بأس».(4)
و اُورد على الاستدلال بها: أنّ إمساك الـذهب لم يقم دليل على حرمته حتّى في الآنيـة; لأنّ الـمحرّم إنّما هو استعما لـها في خصوص الأكل و الـشرب، أو مطلقاً، و أمّا الإمساك فلا دليل على حرمته.
ولكن الـظاهر أنّ الـمراد من الإمساك في الـروايـة ليس مجرّد الاقتناء و الـتحفّظ عن الـضياع، بل الإمساك بنحو يتحقّق فيه الاستعمال الـمناسب له; و هو الـنوم عليه، أو الاتّكاء كذلك.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 7.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 3.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 1.
(الصفحة 696)
فالإنصاف: دلالـة الـروايـة في نفسها على الـحرمـة; بعد كون الـمراد من الـصلاح في الـسؤال هو الـجواز، و نفيه في الـجواب ظاهر في الـحرمـة.
و منها: ذيل صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة قال: و سأ لـته عن الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، أيركب به؟
قال:
«إن كان مموّهاً لايقدر على نزعه فلا بأس، وإلاّ فلا يركب به».(1)
و الـظاهر أنّ هذا الـسؤال و الـجواب، إن كان واقعاً بعد صدر الـروايـة بلافصل، فمن الـمعلوم أنّ إلقاء الـضابطـة الـكلّيـة في الـصدر، دليل على عدم حرمـة الـركوب في الـذيل، لأنّ مقتضى تلك الـضابطـة كون الـمحرّم خصوص استعمال ما يشرب به، فلا معنى لتحقّقه في غيره، فا لـصدر قرينـة على عدم الـحرمـة في الـذيل.
و إن لم يكن واقعاً بعده، بل كان كلاماً مستقلاًّ مشتملاً على سؤال و جواب، و الـمقارنـة بينه و بين الـصدر قد وقعت في مقام الـنقل أو الـكتابـة، من دون أن يكون بينهما ارتباط، فا لـروايـة ظاهرة في نفسها في الـحرمـة.
نعم، ربّما يمنع ذلك; نظراً إلى أنّ تعليق الـحرمـة على الـتمكّن من الـنزع، ظاهر في عدمها; فإنّه لو كانت الـحرمـة ثابتـة كا لـحرمـة في الآنيـة، لما كانت تزول بعدم الـقدرة على الـنزع، فإنّه لايوجب انتفائها، بل يلزم الـتعويض، أو تعويض الـمركب أو غيرهما، و لم يفرض في الـروايـة الاضطرار إلى الـركوب بهذه الـكيفيـة.
ثمّ إنّه على تقدير الـدلالـة على الـحرمـة، فهي أخصّ من الـمدّعى; لأنّ مفادها الـحرمـة في الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، و لا دلالـة لها على أزيد من ذلك.
و منها: صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سأ لـت أباا لـحسن الـرضا (عليه السلام)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 6.