(الصفحة 696)
فالإنصاف: دلالـة الـروايـة في نفسها على الـحرمـة; بعد كون الـمراد من الـصلاح في الـسؤال هو الـجواز، و نفيه في الـجواب ظاهر في الـحرمـة.
و منها: ذيل صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة قال: و سأ لـته عن الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، أيركب به؟
قال:
«إن كان مموّهاً لايقدر على نزعه فلا بأس، وإلاّ فلا يركب به».(1)
و الـظاهر أنّ هذا الـسؤال و الـجواب، إن كان واقعاً بعد صدر الـروايـة بلافصل، فمن الـمعلوم أنّ إلقاء الـضابطـة الـكلّيـة في الـصدر، دليل على عدم حرمـة الـركوب في الـذيل، لأنّ مقتضى تلك الـضابطـة كون الـمحرّم خصوص استعمال ما يشرب به، فلا معنى لتحقّقه في غيره، فا لـصدر قرينـة على عدم الـحرمـة في الـذيل.
و إن لم يكن واقعاً بعده، بل كان كلاماً مستقلاًّ مشتملاً على سؤال و جواب، و الـمقارنـة بينه و بين الـصدر قد وقعت في مقام الـنقل أو الـكتابـة، من دون أن يكون بينهما ارتباط، فا لـروايـة ظاهرة في نفسها في الـحرمـة.
نعم، ربّما يمنع ذلك; نظراً إلى أنّ تعليق الـحرمـة على الـتمكّن من الـنزع، ظاهر في عدمها; فإنّه لو كانت الـحرمـة ثابتـة كا لـحرمـة في الآنيـة، لما كانت تزول بعدم الـقدرة على الـنزع، فإنّه لايوجب انتفائها، بل يلزم الـتعويض، أو تعويض الـمركب أو غيرهما، و لم يفرض في الـروايـة الاضطرار إلى الـركوب بهذه الـكيفيـة.
ثمّ إنّه على تقدير الـدلالـة على الـحرمـة، فهي أخصّ من الـمدّعى; لأنّ مفادها الـحرمـة في الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، و لا دلالـة لها على أزيد من ذلك.
و منها: صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سأ لـت أباا لـحسن الـرضا (عليه السلام)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 6.
(الصفحة 697)
عن آنيـة الـذهب و الـفضّـة، فكرههما.
فقلت: قد روى بعض أصحابنا: أنّه كان لأبي ا لـحسن (عليه السلام) مرآة ملبّسـة فضّـة.
فقال:
«لا الـحمد للّه» على نقل «ا لـكافي» أو
«لا و اللّه» على نقل «ا لـتهذيب»
«إنّما كانت لها حلقـة من فضّـة، و هي عندي».
ثمّ قال:
«إنّ الـعباس حين عذر عمل له قضيب ملبّس من فضّـة من نحو ما يعمله الـصبيان، تكون فضّـة نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبوا لـحسن (عليه السلام) فكسر».(1)
فإنّه لو لا حرمـة استعمال الـذهب و الـفضّـة في غير الأواني أيضاً، لم يكن وجه لتشديده (عليه السلام) في الإنكار.
و اُورد عليه: بأنّ استنكاره (عليه السلام) إنّما هو لكذبهم في اخبارهم، كيف؟! فإنّ الـمرآة الـملبّسـة لاتناسب آحاد الـمؤمنين، فضلاً عن الإمام (عليه السلام).
هذا، و الـروايـة لا تخلو من الاضطراب أيضاً; فإنّ ظاهرها أنّ الـسؤال الـثاني، إنّما كان بصورة الاعتراض على كراهـة الإمام (عليه السلام) في مقام الـجواب عن الـسؤال الأوّل، مع أنّه وارد في الآنيـة، و كراهـة الآنيـة لاتستلزم كراهـة الـمرآة الـملبّسـة; فإنّ الـمرآة لاتكون آنيـة بوجه كما سيأتي، فلا وقع للاعتراض، و بذلك تصير الـروايـة مضطربـة.
و منها: الـروايـة الـنبويـة الـمرويـة في كتب الـعامّـة الـحاكيـة لقول الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد أن أخذ بيمينه حريراً، و بشما لـه ذهباً، و رفع بهما يديه:
«إنّ هذين حرام على ذكور اُمّتي» أو مع زيادة
«حلّ لإناثهم».
و الـجواب ـ مضافاً إلى كونها غير ثابتـة من طرقنا، و إلى عدم شمولها للفضّـة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 1.
(الصفحة 698)
ا لـتي هي أيضاً جزء الـمدّعى، و إلى عدم دلالتها على الـحرمـة في الـنساء، مع أنّ الـمدّعى أعمّ كما في الآنيـة ـ أنّ اقتران الـذهب با لـحرير دليل على أنّ الـمراد لبسه، كلبس الـحرير، و من الـمعلوم حرمـة لبسه على الـرجال كما ثبت في محله.
و يؤيّده: أنّ الـروايـة في بعض الـكتب قد نقلت هكذا:
«حرام لباس الـحرير و الـذهب على ذكور اُمّتي، و اُحلّ لإناثهم» فقد صرّح فيه با للبس.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ أكثر الـروايات الـتي استدلّ بها على الـحرمـة، غير ناهضـة لإثباتها، و ما عداها و إن كانت ظاهرة فيها و صا لـحـة لإثباتها، إلاّ أنّ دلالـة الـروايات الـمتقدّمـة على عدم الـحرمـة ـ خصوصاً صحيحـة علي بن جعفر الـمشتملـة على بيان الـضابطـة، و الـظاهرة في الـحصر على ما عرفت ـ تصير قرينـة على الـتصرّف في هذا الـظهور با لـحمل على الـكراهـة.
و أمّا سائر الـوجوه الـمستدلّ بها على الـتحريم، فهي وجوه اعتباريـة غير صا لـحـة لإثبات الـتحريم في نفسها، و غير مقاومـة للروايات الـمتقدّمـة الـدالّـة على الجواز على تقدير الـصلاحيـة، كما لايخفى.
(الصفحة 699)مسأ لـة 3: الـظاهر أنّ الـمراد بالأواني ما يستعمل في الأكل و الـشرب و الـطبخ و الـغسل و الـعجن، مثل الـكأس و الـكوز و الـقصاع و الـقدور و الـجفان و الأقداح و الـطست و (ا لـسماور) و (ا لـقوري) و الـفنجان، بل و كوز (ا لـقليان) و (ا لـنعلبكي) بل و الـملعقـة على الأحوط، فلا يشمل مثل رأس (ا لـقليان) و رأس الـشطب، و غلاف الـسيف و الـخنجر و الـسّكين و الـصندوق، و ما يصنع بيتاً للتعويذ و (قاب) الـساعـة، و الـقنديل، و الـخلخال و إن كان مجوّفاً، و في شمولها للهاون و الـمجامر و الـمباخر و ظروف الـغا لـيـة و الـمعجون و (ا لـترياك) و نحو ذلك، تردّد و إشكال، فلايترك الاحتياط1 .
في معنى الآنيـة
(1) قد عرفت وقوع لفظ الآناء أو الآنيـة الـتي هي جمع الإناء في موضوع الـحكم بحرمـة الأكل، أو الـشرب، أو مطلق الاستعمال، فا لـلازم تحقيق معناه.
ولكن لاسبيل إليه; لعدم استعما لـه في عرف الـيوم، و لا يعلم مرادفه في سائر اللغات، و الـمراجعـة إلى اللغـة غير مجديـة; لعدم حجّيـة قول اللغوي أوّلاً; لعدم كونه من أهل الـخبرة و الـتشخيص في تمييز الـمعنى الـحقيقي عن غيره، بل شأنه تتبّع موارد الاستعمال و بيانها.
و عدم الـفائدة في الـمراجعـة إليها على تقدير الـحجّيـة ثانياً; للاختلاف الـواقع بين من تصدّى لتعريفه من دون أن يهمله، أو يكتفي بأنّه معروف:
ففي «ا لـمصباح»: «أنّه الـوعاء».
و في «ا لـمفردات»: «أنّه ما يوضع فيه الـشيء».
(الصفحة 700)
و فى محكيّ «مرآة الأنوار و مبادى اللغـة»: «أنّه الـظرف».
و في «ا لـمقاييس»: «أنّه ظرف من الـظروف».
هذا مضافاً إلى وضوح كون مثل الـتفسير با لـوعاء تفسيراً بالأعمّ; لعدم صدق الإناء على مثل الـصندوق و الـقربـة و نحوهما، و صدق الـوعاء عليه قطعاً.
و قد استعمل الـوعاء في كلام الـمؤسّس للأدبيـة; مولى الـموحّدين أميرا لـمؤمنين، عليه أفضل صلوات الـمصلّين، في قوله (عليه السلام):
«يا كميل بن زياد، إنّ هذه الـقلوب أوعيـة، فخيرها أوعاها».
فإنّ هذا الاستعمال و إن كان على سبيل الـمسامحـة و الـعنايـة ظاهراً، إلاّ أنّه لايجوز استعمال الإناء مكان الـوعاء بهذه الـملاحظـة أيضاً، فيشكل الأمر بعد ذلك. و الرجوع إلى الارتكاز إنّما يفيد بالإضافة إلى بعض حدود المعنى لاتمامه; بحيث يتبيّن الـخارج من الـداخل، و ليس في الـروايات الـمتقدّمـة ما يستفاد منه معنى الآنيـة.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ صحيحـة ابن بزيع الـمتقدّمـة، لها دلالـة على بيان معناها في الـجملـة، حيث إنّه بعد الـسؤال عن آنيـة الـذهب و الـفضّـة، و بيان كراهـة الإمام (عليه السلام)إيّاهما كأنّه اعترض عليه (عليه السلام): بأنّه قد روى بعض أصحابنا: أنّه كان لأبيك أبي ا لـحسن (عليه السلام) مرآة ملبّسـة فضّـة.
و نحن و إن جعلنا اشتمال الـروايـة على هذا الاعتراض دليلاً على اضطرابها; لعدم كون الـمرآة آنيـة، إلاّ أنّه يمكن أن يقال: بأنّ نفس هذا الاعتراض دليل على كون الإناء له معنى وسيع; يشمل الـمرآة أيضاً، و أنّ استنكاره (عليه السلام) إنّما هو لأجل ذلك، لا لمجرّد الـكذب في الـروايـة، كما عرفت في الإيراد على الاستدلال بها لحرمـة الـذهب و الـفضّـة من غير الأواني أيضاً.