(الصفحة 701)
نعم، في مقابلها صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة الـمشتملـة على قوله (عليه السلام):
«نعم، و إنّما يكره استعمال ما يشرب به» فإنّها باعتبار الـدلالـة على الـحصر أوّلاً، و استعمال
«ما يشرب به» مكان الآنيـة ثانياً، ظاهرة في أنّ الـمراد بالإناء الـواقع في سائر الـروايات، الـمحكوم بحرمـة الاستعمال ـ الـتي قد عرفت: أنّها الـمراد من الـكراهـة في الـروايـة ـ هو ما يشرب به، ففي الـحقيقـة تكون الـروايـة مفسّرة للإناء الـواقع في غيرها من الـروايات، بضميمـة وضوح عدم كون الـمراد من الـشرب هو الـشرب حتّى في مقابل الأكل أيضاً، بل الـمراد به هو الأعمّ من الأكل.
كما أنّ الـتعبير بكلمـة
«به» مكان فيه أو منه يشعر بل يدلّ على عدم كون الـمراد هو الـشرب فيه أو منه بلاواسطـة; حتّى لايشمل مثل الـقدر و الـصيني و الـسماور الـذي لايتعارف الأكل و الـشرب منه بلاواسطـة; فإنّ مثله يصدق عليه أنّه يشرب به، فتدبّر.
و با لـجملـة: هذه الـصحيحـة ترشدنا إلى معنى الإناء الـمأخوذ في غيرها، بعد الـتصريح بعدم كون الـمرآة الـتي لها حلقـة فضّـة ممّا لايصلح إمساكها، و تدلّ على عدم كون الـمرآة منه، و أنّ الـمراد منه ما يصلح لأن يؤكل أو يشرب به من دون واسطـة، أو معها، فتدلّ على وجود الاضطراب في الـروايـة الـسابقـة; و أنّ ما احتملنا في مقام الاستفادة منها غير تامّ.
و لعلّه إلى ذلك ينظر «ا لـمقاييس» حيث فسّره. «بأنّه ظرف من الـظروف» بناءً على كون مراده منه هو ظرف خاصّ من بين الـظروف، و الـخصوصيـة إنّما هي صلاحيـة لأن يؤكل أو يشرب به.
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكر، كون جميع الـمذكورات في الـمتن ـ أعمّ ممّا كان بنحو
(الصفحة 702)
ا لـجزم و الـفتوى، و ممّا كان بنحو الاحتياط ـ داخلاً في الآنيـة; لكونها صا لـحـة لأن يؤكل أو يشرب به.
نعم، في خصوص كوز (ا لـقليان) يشكل الأمر; فإنّه و إن كان صا لـحاً لأن يشرب به مثل الـماء، إلاّ أنّ الـظاهر خروجه; لكون الـمراد من الـصلاحيـة هي الـمعدّيـة لذلك، و لايكون كوز (ا لـقليان) معدّاً لذلك بلا إشكال، إلاّ في بعض الـبلاد، حيث يكون كوز (ا لـقليان) هو بعينه كوز الـماء من دون فرق، و عليه فيكون دخوله لأجله، لا لأجل كونه كوز (ا لـقليان).
كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا، دخول مثل حلقات الـذهب و الـفضّـة الـتي يتعارف وضع (الاستكان) فيها في بعض الـبلاد مكان (ا لـنعلبكي) و كذا صحائف الـذهب أو الـفضّـة الـتي يؤكل فيها الـطعام; لصدق كون الاُولى ممّا يشرب به، و الـثانيـة ممّا يؤكل به، كما لايخفى.
كما أنّه ظهر عدم كون ما حكم بخروجه عن الآنيـة في الـمتن منها، كرأس (ا لـقليان) و رأس الـشطب، و غيرهما ممّا هو مذكور في الـمتن.
و قد ورد في بعضها الـنصّ على الـجواز، كا لـتعويذ على الـحائض، حيث روى منصور بن حازم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتعويذ يعلّق على الـحائض.
فقال:
«نعم، إذا كان في جلد أو فضّـة أو قصبـة حديد».(1)
و إن كان الـجواز لا دلالـة له على عدم كونه من الآنيـة; لاحتمال كونه منها، و قد وقع مستثنى من الـحكم بعدم جواز الاستعمال، و قد قرّر في محلّه: أنّه في مورد دوران الأمر بين الـتخصيص و الـتخصّص، لا ترجيح للثاني إذا كان الـحكم معلوماً.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 2.
(الصفحة 703)
و أمّا ما تردّد فيه في الـمتن، و استشكل فيرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى الـضابطـة الـمذكورة الـمستفادة من صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة، عدم كونه من مصاديق الإناء; لعدم كونه ممّا يؤكل أو يشرب به ـ أنّه مع الـتردّد و الإشكال لاوجه للزوم الاحتياط; لأنّ مقتضى الـقاعدة فيما إذا كان مفهوم موضوع الـحكم مجملاً مردّداً بين الأقلّ و الأكثر، هو الاقتصار على الـقدر الـمتيقّن، و الـرجوع في الـزائد الـمشكوك فيه إلى الـبرائـة; لكونه شبهـة حكميـة تحريميـة، و هي مجرى أصا لـة الـبرائـة، و من الـمعلوم أنّ الـقدر الـمتيقّن من مفهوم الإناء هي الـظروف الـمعدّة للأكل أو الـشرب، كما عرفت.
(الصفحة 704)مسأ لـة 4: كما يحرم الأكل و الـشرب من آنيـة الـذهب و الـفضّـة; بوضعها على فمه، و أخذ اللقمـة منها مثلاً، كذلك يحرم تفريغ ما فيها في إناء آخر بقصد الأكل و الـشرب.
نعم، لو كان الـتفريغ في إناء آخر بقصد الـتخلّص من الـحرام، لا بأس به، بل و لا يحرم الأكل و الـشرب من ذلك الإناء بعد ذلك.
بل لا يبعد أن يكون الـمحرّم في الـصورة الاُولى أيضاً، نفس الـتفريغ في الآخر بذلك الـقصد، دون الأكل و الـشرب منه، فلو كان الـصابّ منها في إناء آخر بقصد أكل الآخر أو شربه، كان الـصابّ مرتكباً للحرام بصبّه، دون الآكل و الـشارب.
نعم، لو كان الـصبّ بأمره و استدعائه، لايبعد أن يكون كلاهما مرتكباً للحرام: الـمأمور باستعمال الآنيـة، و الآمر بالأمر با لـمنكر; بناءً على حرمته كما لاتبعد1 .
في الـتفريغ في إناء آخر
في هذه الـمسأ لـة فرعان:
ما إذا كان بقصد الأكل و الـشرب
الأوّل: ما إذا فرّغ ما في الإناء من الـذّهب أو الـفضّـة في ظرف آخر; لأجل الأكل و الـشرب و بقصده. و لا إشكال في ثبوت الـحكم با لـحرمـة هنا إنّما الإشكال في متعلّقها; و أنّه هل هو نفس الـتفريغ بذلك الـقصد، أو الأكل و الـشرب الـذي هو الـغايـة من الـتفريغ، أو كلاهما؟ فيه وجوه و احتمالات:
(الصفحة 705)
من أنّه حيث لم يتحقّق هنا الأكل و الـشرب من أحدهما; لأنّ الـمفروض تحقّقه من إناء آخر، فلا مجال لحرمته، بل الـمحرّم هو استعمال أحدهما الـمتحقّق با لـتفريغ; ضرورة أنّه من مصاديق الاستعمال.
و بعبارة اُخرى: قد عرفت أنّ متعلّق الـحرمـة في آنيـة الـذهب و الـفضّـة عنوانان، أحدهما: الأكل و الـشرب منها و ثانيهما: استعما لـها، و الأوّل غير متحقّق، فيلزم أن يكون الـمحرّم هو الـثاني، و قد نفى الـبعد عن هذا الـوجه في الـمتن بعد اختياره ظاهراً الـوجه الآتي.
و من أنّه قد عرفت: أنّ الأكل و الـشرب الـمحرّم في الإناء من أحدهما، لا يلزم أن يكون من دون واسطـة، بل يتحقّق مع ثبوتها أيضاً، و لذا كان الأكل من الـقدور من أحدهما و الـشرب من (ا لـسماور) كذلك محرّمين، مع أنّ الـغا لـب فيهما هو الأكل منهما مع الـواسطـة، و لم تجرِ الـعادة على الأكل من نفس الـقدور و الـشرب من نفس (ا لـسماور).
مضافاً إلى أنّ الـمتعارف في الأكل; هو أخذ اللقمـة، و وضعها في الـفم، فا لـطعام يقع أوّلاً في الـيد، و ثانياً في الـفم، فتحريم الأكل من إناء أحدهما ـ مع ثبوت هذا الـتعارف، و جريان الـعادة ـ لا محا لـة يرجع إلى كون الأكل محرّماً ولو مع الـواسطـة، فإذا فرّغ ما في إناء أحدهما في ظرف آخر بقصد الأكل و الـشرب، يتحقّق الأكل و الـشرب من الإناء الأوّل مع الـواسطـة.
و دعوى: ثبوت الـفرق بين وساطـة مثل الـيد أو مثل الـكأس; فيما إذا فرّغ ما في الـقدر من أحدهما فيه، و بين وساطـة إناء آخر مع كونه في عرض الإناء الأوّل لا في طوله. و بعبارة اُخرى: فرق بين ما إذا كانت الـواسطـة متعارفـة، وجرت الـعادة بثبوتها،