(الصفحة 698)
ا لـتي هي أيضاً جزء الـمدّعى، و إلى عدم دلالتها على الـحرمـة في الـنساء، مع أنّ الـمدّعى أعمّ كما في الآنيـة ـ أنّ اقتران الـذهب با لـحرير دليل على أنّ الـمراد لبسه، كلبس الـحرير، و من الـمعلوم حرمـة لبسه على الـرجال كما ثبت في محله.
و يؤيّده: أنّ الـروايـة في بعض الـكتب قد نقلت هكذا:
«حرام لباس الـحرير و الـذهب على ذكور اُمّتي، و اُحلّ لإناثهم» فقد صرّح فيه با للبس.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ أكثر الـروايات الـتي استدلّ بها على الـحرمـة، غير ناهضـة لإثباتها، و ما عداها و إن كانت ظاهرة فيها و صا لـحـة لإثباتها، إلاّ أنّ دلالـة الـروايات الـمتقدّمـة على عدم الـحرمـة ـ خصوصاً صحيحـة علي بن جعفر الـمشتملـة على بيان الـضابطـة، و الـظاهرة في الـحصر على ما عرفت ـ تصير قرينـة على الـتصرّف في هذا الـظهور با لـحمل على الـكراهـة.
و أمّا سائر الـوجوه الـمستدلّ بها على الـتحريم، فهي وجوه اعتباريـة غير صا لـحـة لإثبات الـتحريم في نفسها، و غير مقاومـة للروايات الـمتقدّمـة الـدالّـة على الجواز على تقدير الـصلاحيـة، كما لايخفى.
(الصفحة 699)مسأ لـة 3: الـظاهر أنّ الـمراد بالأواني ما يستعمل في الأكل و الـشرب و الـطبخ و الـغسل و الـعجن، مثل الـكأس و الـكوز و الـقصاع و الـقدور و الـجفان و الأقداح و الـطست و (ا لـسماور) و (ا لـقوري) و الـفنجان، بل و كوز (ا لـقليان) و (ا لـنعلبكي) بل و الـملعقـة على الأحوط، فلا يشمل مثل رأس (ا لـقليان) و رأس الـشطب، و غلاف الـسيف و الـخنجر و الـسّكين و الـصندوق، و ما يصنع بيتاً للتعويذ و (قاب) الـساعـة، و الـقنديل، و الـخلخال و إن كان مجوّفاً، و في شمولها للهاون و الـمجامر و الـمباخر و ظروف الـغا لـيـة و الـمعجون و (ا لـترياك) و نحو ذلك، تردّد و إشكال، فلايترك الاحتياط1 .
في معنى الآنيـة
(1) قد عرفت وقوع لفظ الآناء أو الآنيـة الـتي هي جمع الإناء في موضوع الـحكم بحرمـة الأكل، أو الـشرب، أو مطلق الاستعمال، فا لـلازم تحقيق معناه.
ولكن لاسبيل إليه; لعدم استعما لـه في عرف الـيوم، و لا يعلم مرادفه في سائر اللغات، و الـمراجعـة إلى اللغـة غير مجديـة; لعدم حجّيـة قول اللغوي أوّلاً; لعدم كونه من أهل الـخبرة و الـتشخيص في تمييز الـمعنى الـحقيقي عن غيره، بل شأنه تتبّع موارد الاستعمال و بيانها.
و عدم الـفائدة في الـمراجعـة إليها على تقدير الـحجّيـة ثانياً; للاختلاف الـواقع بين من تصدّى لتعريفه من دون أن يهمله، أو يكتفي بأنّه معروف:
ففي «ا لـمصباح»: «أنّه الـوعاء».
و في «ا لـمفردات»: «أنّه ما يوضع فيه الـشيء».
(الصفحة 700)
و فى محكيّ «مرآة الأنوار و مبادى اللغـة»: «أنّه الـظرف».
و في «ا لـمقاييس»: «أنّه ظرف من الـظروف».
هذا مضافاً إلى وضوح كون مثل الـتفسير با لـوعاء تفسيراً بالأعمّ; لعدم صدق الإناء على مثل الـصندوق و الـقربـة و نحوهما، و صدق الـوعاء عليه قطعاً.
و قد استعمل الـوعاء في كلام الـمؤسّس للأدبيـة; مولى الـموحّدين أميرا لـمؤمنين، عليه أفضل صلوات الـمصلّين، في قوله (عليه السلام):
«يا كميل بن زياد، إنّ هذه الـقلوب أوعيـة، فخيرها أوعاها».
فإنّ هذا الاستعمال و إن كان على سبيل الـمسامحـة و الـعنايـة ظاهراً، إلاّ أنّه لايجوز استعمال الإناء مكان الـوعاء بهذه الـملاحظـة أيضاً، فيشكل الأمر بعد ذلك. و الرجوع إلى الارتكاز إنّما يفيد بالإضافة إلى بعض حدود المعنى لاتمامه; بحيث يتبيّن الـخارج من الـداخل، و ليس في الـروايات الـمتقدّمـة ما يستفاد منه معنى الآنيـة.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ صحيحـة ابن بزيع الـمتقدّمـة، لها دلالـة على بيان معناها في الـجملـة، حيث إنّه بعد الـسؤال عن آنيـة الـذهب و الـفضّـة، و بيان كراهـة الإمام (عليه السلام)إيّاهما كأنّه اعترض عليه (عليه السلام): بأنّه قد روى بعض أصحابنا: أنّه كان لأبيك أبي ا لـحسن (عليه السلام) مرآة ملبّسـة فضّـة.
و نحن و إن جعلنا اشتمال الـروايـة على هذا الاعتراض دليلاً على اضطرابها; لعدم كون الـمرآة آنيـة، إلاّ أنّه يمكن أن يقال: بأنّ نفس هذا الاعتراض دليل على كون الإناء له معنى وسيع; يشمل الـمرآة أيضاً، و أنّ استنكاره (عليه السلام) إنّما هو لأجل ذلك، لا لمجرّد الـكذب في الـروايـة، كما عرفت في الإيراد على الاستدلال بها لحرمـة الـذهب و الـفضّـة من غير الأواني أيضاً.
(الصفحة 701)
نعم، في مقابلها صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة الـمشتملـة على قوله (عليه السلام):
«نعم، و إنّما يكره استعمال ما يشرب به» فإنّها باعتبار الـدلالـة على الـحصر أوّلاً، و استعمال
«ما يشرب به» مكان الآنيـة ثانياً، ظاهرة في أنّ الـمراد بالإناء الـواقع في سائر الـروايات، الـمحكوم بحرمـة الاستعمال ـ الـتي قد عرفت: أنّها الـمراد من الـكراهـة في الـروايـة ـ هو ما يشرب به، ففي الـحقيقـة تكون الـروايـة مفسّرة للإناء الـواقع في غيرها من الـروايات، بضميمـة وضوح عدم كون الـمراد من الـشرب هو الـشرب حتّى في مقابل الأكل أيضاً، بل الـمراد به هو الأعمّ من الأكل.
كما أنّ الـتعبير بكلمـة
«به» مكان فيه أو منه يشعر بل يدلّ على عدم كون الـمراد هو الـشرب فيه أو منه بلاواسطـة; حتّى لايشمل مثل الـقدر و الـصيني و الـسماور الـذي لايتعارف الأكل و الـشرب منه بلاواسطـة; فإنّ مثله يصدق عليه أنّه يشرب به، فتدبّر.
و با لـجملـة: هذه الـصحيحـة ترشدنا إلى معنى الإناء الـمأخوذ في غيرها، بعد الـتصريح بعدم كون الـمرآة الـتي لها حلقـة فضّـة ممّا لايصلح إمساكها، و تدلّ على عدم كون الـمرآة منه، و أنّ الـمراد منه ما يصلح لأن يؤكل أو يشرب به من دون واسطـة، أو معها، فتدلّ على وجود الاضطراب في الـروايـة الـسابقـة; و أنّ ما احتملنا في مقام الاستفادة منها غير تامّ.
و لعلّه إلى ذلك ينظر «ا لـمقاييس» حيث فسّره. «بأنّه ظرف من الـظروف» بناءً على كون مراده منه هو ظرف خاصّ من بين الـظروف، و الـخصوصيـة إنّما هي صلاحيـة لأن يؤكل أو يشرب به.
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكر، كون جميع الـمذكورات في الـمتن ـ أعمّ ممّا كان بنحو
(الصفحة 702)
ا لـجزم و الـفتوى، و ممّا كان بنحو الاحتياط ـ داخلاً في الآنيـة; لكونها صا لـحـة لأن يؤكل أو يشرب به.
نعم، في خصوص كوز (ا لـقليان) يشكل الأمر; فإنّه و إن كان صا لـحاً لأن يشرب به مثل الـماء، إلاّ أنّ الـظاهر خروجه; لكون الـمراد من الـصلاحيـة هي الـمعدّيـة لذلك، و لايكون كوز (ا لـقليان) معدّاً لذلك بلا إشكال، إلاّ في بعض الـبلاد، حيث يكون كوز (ا لـقليان) هو بعينه كوز الـماء من دون فرق، و عليه فيكون دخوله لأجله، لا لأجل كونه كوز (ا لـقليان).
كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا، دخول مثل حلقات الـذهب و الـفضّـة الـتي يتعارف وضع (الاستكان) فيها في بعض الـبلاد مكان (ا لـنعلبكي) و كذا صحائف الـذهب أو الـفضّـة الـتي يؤكل فيها الـطعام; لصدق كون الاُولى ممّا يشرب به، و الـثانيـة ممّا يؤكل به، كما لايخفى.
كما أنّه ظهر عدم كون ما حكم بخروجه عن الآنيـة في الـمتن منها، كرأس (ا لـقليان) و رأس الـشطب، و غيرهما ممّا هو مذكور في الـمتن.
و قد ورد في بعضها الـنصّ على الـجواز، كا لـتعويذ على الـحائض، حيث روى منصور بن حازم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتعويذ يعلّق على الـحائض.
فقال:
«نعم، إذا كان في جلد أو فضّـة أو قصبـة حديد».(1)
و إن كان الـجواز لا دلالـة له على عدم كونه من الآنيـة; لاحتمال كونه منها، و قد وقع مستثنى من الـحكم بعدم جواز الاستعمال، و قد قرّر في محلّه: أنّه في مورد دوران الأمر بين الـتخصيص و الـتخصّص، لا ترجيح للثاني إذا كان الـحكم معلوماً.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 2.