(الصفحة 703)
و أمّا ما تردّد فيه في الـمتن، و استشكل فيرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى الـضابطـة الـمذكورة الـمستفادة من صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة، عدم كونه من مصاديق الإناء; لعدم كونه ممّا يؤكل أو يشرب به ـ أنّه مع الـتردّد و الإشكال لاوجه للزوم الاحتياط; لأنّ مقتضى الـقاعدة فيما إذا كان مفهوم موضوع الـحكم مجملاً مردّداً بين الأقلّ و الأكثر، هو الاقتصار على الـقدر الـمتيقّن، و الـرجوع في الـزائد الـمشكوك فيه إلى الـبرائـة; لكونه شبهـة حكميـة تحريميـة، و هي مجرى أصا لـة الـبرائـة، و من الـمعلوم أنّ الـقدر الـمتيقّن من مفهوم الإناء هي الـظروف الـمعدّة للأكل أو الـشرب، كما عرفت.
(الصفحة 704)مسأ لـة 4: كما يحرم الأكل و الـشرب من آنيـة الـذهب و الـفضّـة; بوضعها على فمه، و أخذ اللقمـة منها مثلاً، كذلك يحرم تفريغ ما فيها في إناء آخر بقصد الأكل و الـشرب.
نعم، لو كان الـتفريغ في إناء آخر بقصد الـتخلّص من الـحرام، لا بأس به، بل و لا يحرم الأكل و الـشرب من ذلك الإناء بعد ذلك.
بل لا يبعد أن يكون الـمحرّم في الـصورة الاُولى أيضاً، نفس الـتفريغ في الآخر بذلك الـقصد، دون الأكل و الـشرب منه، فلو كان الـصابّ منها في إناء آخر بقصد أكل الآخر أو شربه، كان الـصابّ مرتكباً للحرام بصبّه، دون الآكل و الـشارب.
نعم، لو كان الـصبّ بأمره و استدعائه، لايبعد أن يكون كلاهما مرتكباً للحرام: الـمأمور باستعمال الآنيـة، و الآمر بالأمر با لـمنكر; بناءً على حرمته كما لاتبعد1 .
في الـتفريغ في إناء آخر
في هذه الـمسأ لـة فرعان:
ما إذا كان بقصد الأكل و الـشرب
الأوّل: ما إذا فرّغ ما في الإناء من الـذّهب أو الـفضّـة في ظرف آخر; لأجل الأكل و الـشرب و بقصده. و لا إشكال في ثبوت الـحكم با لـحرمـة هنا إنّما الإشكال في متعلّقها; و أنّه هل هو نفس الـتفريغ بذلك الـقصد، أو الأكل و الـشرب الـذي هو الـغايـة من الـتفريغ، أو كلاهما؟ فيه وجوه و احتمالات:
(الصفحة 705)
من أنّه حيث لم يتحقّق هنا الأكل و الـشرب من أحدهما; لأنّ الـمفروض تحقّقه من إناء آخر، فلا مجال لحرمته، بل الـمحرّم هو استعمال أحدهما الـمتحقّق با لـتفريغ; ضرورة أنّه من مصاديق الاستعمال.
و بعبارة اُخرى: قد عرفت أنّ متعلّق الـحرمـة في آنيـة الـذهب و الـفضّـة عنوانان، أحدهما: الأكل و الـشرب منها و ثانيهما: استعما لـها، و الأوّل غير متحقّق، فيلزم أن يكون الـمحرّم هو الـثاني، و قد نفى الـبعد عن هذا الـوجه في الـمتن بعد اختياره ظاهراً الـوجه الآتي.
و من أنّه قد عرفت: أنّ الأكل و الـشرب الـمحرّم في الإناء من أحدهما، لا يلزم أن يكون من دون واسطـة، بل يتحقّق مع ثبوتها أيضاً، و لذا كان الأكل من الـقدور من أحدهما و الـشرب من (ا لـسماور) كذلك محرّمين، مع أنّ الـغا لـب فيهما هو الأكل منهما مع الـواسطـة، و لم تجرِ الـعادة على الأكل من نفس الـقدور و الـشرب من نفس (ا لـسماور).
مضافاً إلى أنّ الـمتعارف في الأكل; هو أخذ اللقمـة، و وضعها في الـفم، فا لـطعام يقع أوّلاً في الـيد، و ثانياً في الـفم، فتحريم الأكل من إناء أحدهما ـ مع ثبوت هذا الـتعارف، و جريان الـعادة ـ لا محا لـة يرجع إلى كون الأكل محرّماً ولو مع الـواسطـة، فإذا فرّغ ما في إناء أحدهما في ظرف آخر بقصد الأكل و الـشرب، يتحقّق الأكل و الـشرب من الإناء الأوّل مع الـواسطـة.
و دعوى: ثبوت الـفرق بين وساطـة مثل الـيد أو مثل الـكأس; فيما إذا فرّغ ما في الـقدر من أحدهما فيه، و بين وساطـة إناء آخر مع كونه في عرض الإناء الأوّل لا في طوله. و بعبارة اُخرى: فرق بين ما إذا كانت الـواسطـة متعارفـة، وجرت الـعادة بثبوتها،
(الصفحة 706)
و بين ما إذا لم تكن كذلك، كما في الـمفروض في الـمقام.
مندفعـة: بعدم وضوح الـفرق بعد صدق الأكل أو الـشرب منه و استعما لـه فيه، خصوصاً مع ملاحظـة الـتعبير الـوارد في صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة بقوله (عليهم السلام): «إنّما يكره استعمال ما يشرب به» فإنّ صدق استعمال ما يشرب به في هذا الـفرض ظاهر ولو كان الـمراد من الاستعمال هو خصوص الاستعمال في مقام الـشرب، لامطلقاً.
و من أنّه لامانع من اجتماع الـمحرّمين; لثبوت كلا الـعنوانين أحدهما: الاستعمال الـمتحقّق با لـتفريغ، ثانيهما: الأكل أو الـشرب الـصادق في الـمقام كما عرفت.
و هذا من دون فرق بين أن نقول: بحرمـة الـتناول من باب الاستعمال أيضاً; فيما إذا أكل أو شرب من نفس إناء أحدهما، و بين أن لم نقل بذلك:
أمّا على الـفرض الأوّل: فواضح; ضرورة أنّه لو كان الـحكمان ثابتين مع عدم الـتفريغ، فمعه يكون ثبوتهما بطريق أولى; لأنّ صدق الاستعمال على الـتفريغ أوضح من صدقه على الـتناول.
و أمّا على الـفرض الـثاني: فلأنّه قد عرفت أنّ الـمستفاد من الـروايات ـ حسب ما هو الـمتفاهم عند الـعرف منها ـ عدم ثبوت محرّمين في صورة الـتناول، و أمّا هنا فلا مانع من ثبوتهما بعد تحقّق عملين مستقلّين: هما الـتفريغ، و الأكل و الـشرب.
و الـظاهر هو الاحتمال الأوّل; لعدم صدق الأكل و الـشرب من إناء أحدهما في الـمقام; لما عرفت من كون الـواسطـة في عرض ذيها، لا في طولها. و صحيحـة علي بن جعفر إن اُريد بالاستعمال فيها هو الاستعمال في مقام الـشرب، يلزم عدم كون الاستعمال في غير هذا الـمقام محرّماً، مع أنّك عرفت حرمته، فا لـلازم أن يكون الـمراد مطلق
(الصفحة 707)
الاستعمال، و هو متحقّق با لـتفريغ; لأنّه استعمال ما يشرب به، فا لـظاهر حينئذ هو كون الـتفريغ محرّماً، لا الأكلِ أو الـشرب من الإناء الآخر بعده، و لا كليهما.
و تظهر الـثمرة فيما لو كان الـصابّ و الـمفرّغ غير الآكل و الـشارب، فإنّه على تقدير كون الـصبّ و الـتفريغ محرّماً فقط، يكون الـصابّ مرتكباً للحرام، دون الآكل أو الـشارب، إلاّ إذا كان الآكل أو الـشارب آمراً با لـصبّ و الـتفريغ، فإنّه أيضاً يصير مرتكباً للحرام، لا لأجل الأكل أو الـشرب، بل لأجل الأمر با لـمنكر; بناءً على كون الأمر با لـمنكر محرّماً، كما أنّ الـنهي عنه واجب.
و على تقدير كون الأكل أو الـشرب محرّماً، يكون كلاهما مرتكبين للمحرّم: الـصابّ باعتبار الاستعمال، و الآكل مثلاً باعتبار الأكل.
و يمكن أن يكون حرمـة ارتكاب الـصابّ باعتبار الإعانـة على الإثم، فيما لو كان قصده تحقّق الأكل أو الـشرب، كما هو الـمفروض.
و على أيّ: فا لـصبّ حرام; إمّا باعتبار الإعانـةو و إمّا باعتبار كون نفسه استعمالاً محرّماً، و لا مانع من اجتماع الـعنوانين، و تحقّق محرّمين أصلاً، فا لـقضيـة منفصلـة مانعـة الـخلوّ، لا مانعـة الـجمع.
كما أنّه بناء على الاحتمال الـثا لـث أيضاً، يكون كلّ واحد منهما مرتكباً للحرام; لكون كلّ من الاستعمال و الـتفريغ و كذا الأكل أو الـشرب، محرّماً على هذا الـتقدير.
ثمّ إنّه ذكر بعض الـعلماء: أنّه إذا أمر شخص خادمه، فصبّ (ا لـچاي) من (ا لـقورى) من الـذهب و الـفضّـة في الـفنجان (ا لـفرفوري) و أعطاه شخصاً آخر فشرب، فكما أنّ الـخادم و الآمر عاصيان، كذلك لايبعد أن يكون الـشارب عاصياً; لأنّ هذا يعدّ منه استعمالاً لهما.
|