(الصفحة 120)
كما أنّه على هذا الـتقدير لا وجه لإفراد الـضمير في قوله (عليه السلام) في الـجملـة الاُولى: «مسح بها عليه» مع الـتثنيـة في هذه الـجملـة.
و من جهـة أنّ ظاهر قوله (عليه السلام): «و إن كان استيقن ...» عدم وجوب إعادة شيء من الـصلاة و الـغسل مع إصابـة الـبلّـة، مع أنّ ظاهر قوله (عليه السلام): «و إن رآه و به بلّـة ...» لزوم إعادة الـصلاة في هذه الـصورة. و الـحمل على صورة الـشكّ بدعوى كون الـمراد بالاستيقان هو إتيان الـصلاة مع الـيقين بوقوعها مع الـغسل ينافي مع فرض الـشكّ في الـجملـة الأخيرة.
فالإنصاف: كون الـصحيحـة في كمال الاضطراب، غايتها الـدلالـة على عدم لزوم الإعادة مع ثبوت الـبلّـة ولو كان الـمُترك بعضاً من الـجانب الأيمن، ولكنّ الإطلاق الـشامل لهذا الـجانب قابل للتقييد، بما يدلّ على الـترتيب كما هو ظاهر، مع أنّ أقصى ما يلزم سقوط الـترتيب في صورة الـجهل، أو الـنسيان الـتي هي الـمفروضـة في الـسؤال; لأنّه ليس الـمراد با لـترك فيه هو الـترك عن عمد، و هذا لاينافي أصل اعتبار الـترتيب، و إن كان الـمشهور لايفرّقون بين صور مخا لـفـة الـترتيب ظاهراً، فتدبّر.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: أنّ الـظاهر بمقتضى الـدليل هو اعتبار الـترتيب بين الـجانبين أيضاً، و مقتضى ذلك دخول الـعورتين و الـسرّة في الـتنصيف الـمذكور.
و احتمال كفايـة غسلهما مرّة واحدة مع أحد الـجانبين; لعدم مساعدة الـعرف على استفادة إرادة الـتنصيف الـحقيقي با لـدقّـة الـحكميـة، من الأمر بغسل الـطرف الأيمن ثمّ الأيسر.
مدفوع: بأنّه على تقدير كونها ذات أبعاض، و كون الأبعاض مختلفـة من جهـة الـجزئيـة للجانب الأيمن و الأيسر، لامحيص عن الـتنصيف.
(الصفحة 121)
لكن حيث إنّ هذا الـمبنى ـ و إن كان ظاهر الأصحاب، و مقتضى الـنصوص، باعتبار عدم الـتعرّض بعد الـرأس لغير الـجانبين ـ قابل للخدشـة، لاحتمال كونها عضواً مستقلاًّ، أو كونها من الـجانب الأيمن أو الأيسر، فالأولى أن يغسل تمامها مع كلّ من الـطرفين.
ثمّ إنّ لزوم استيعاب الـغسل في الأعضاء الـثلاثـة قد مرّ الـبحث فيه في غسل ظاهر الـبشرة، لأنّ لزوم الاستيعاب فيه إذا انطبق على الـغسل الـترتيبي، فلا محا لـة يكون استيعاب الـغسل في الأعضاء الـثلاثـة واجباً.
نعم، لافرق في تحقّقه بين أن يكون بصبّـة واحدة، أو أكثر، كما أنّه لافرق بين الـفرك و الـدلك و نحوهما.
(الصفحة 122)
مسأ لـة 5: لاترتيب في الـعضو، فيجوز غسله من الأسفل إلى الأعلى، و إن كان الأولى الـبدئـة بأعلى الـعضو فالأعلى.
كما أنّه لاكيفيـة مخصوصـة للغسل هنا، بل يكفي مسمّاه، فيجزي رمس الـرأس با لـماء، ثمّ الـجانب الأيمن، ثمّ الأيسر، و يجزيه أيضاً رمس الـبعض، و الـصبّ على آخر.
ولو ارتمس ثلاث ارتماسات ناوياً بكلّ واحد غسل عضو صحّ، بل يتحقّق مسمّاه بتحريك الـعضو في الـماء، على وجه يجري الـماء عليه، فلا يحتاج إلى إخراجه منه، ثمّ غمسه فيه1 .
حول الترتيب في العضو و كيفية الغسل
(1) أمّا عدم الـترتيب في الـعضو، و جواز الـغسل من الأسفل إلى الأعلى، فهو الـمشهور، بل ظاهر محكي «ا لـمهذّب الـبارع» الإجماع عليه.
ولكنّه قد حكي الـخلاف عن الـحلبي، و ظاهر «ا لـغنيـة» و «الإشارة» و «ا لـسرائر» و لعلّ منشأه صحيحتا زرارة الـمتقدّمتين:
إحداهما: ما اشتملت على قوله (عليه السلام): «ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك»، بدعوى ظهورها في تعلّق الـظرف با لـغسل، و أنّ الـمراد لزوم الـبدئـة بالأعلى.
ثانيتهما: ما اشتملت على قوله (عليه السلام): «ثمّ على منكبه الأيمن مرّتين، و على منكبه الأيسر مرّتين»، بدعوى ظهورها في لزوم الـصبّ على الـمنكب، الـذي هو أعلى الـعضو من الـجانبين.
ولكنّ الـظاهر عدم دلالـة الـصحيحتين على ذلك أصلاً:
(الصفحة 123)
أمّا الاُولى: فا لـظاهر أنّ الـظرف متعلّق با لـجسد، و الـغرض إفادة الاستيعاب، وا لـتعبير بذلك إنّما هو لتعارف هذا الـنحو من الـتعبير في مقام إفادته، و إلاّ فا لـقرن ـ با لـفتح و الـسكون ـ ليس هو أعلى الـرأس، بل هو في الـحيوان عبارة عن الـزيادة الـعظيمـة، الـتي تنبت في رؤوس بعض أنواعه، و في الإنسان موضعه من رأسه.
فا لـتعبير إنّما يكون دالاًّ على الاستيعاب، لا لأجل اللغـة، بل للعرف، و با لـجملـة فهذه الـروايـة لا دلالـة لها على لزوم الـبدئـة بالأعلى.
و أمّا الـثانيـة: فا لـظاهر أنّ الـصبّ على الـمنكب إنّما هو لما عرفت من أنّ الـتعارف في الـغسل إنّما هو بالابتداء به من الأعلى; لأنّ الـماء يسري إلى ما تحته، ولايسري إلى ما فوقه، مع أنّه ليس الـمراد با لـمنكبين ما هو معناهما لغـة، ضرورة أنّه لايكتفى في الـغسل بصبّ الـماء عليهما بمجرّده، بل الـمراد بهما الـجانبان الأيمن و الأيسر كما عرفت، مع أنّ ذكر كلمـة «مرّتين»، الـدالّـة على التعدّد، قرينـة على كون الأمر بصبّ الـماء على الـمنكبين إنّما هو للاستحباب.
و إن كان يرد على هذا الـكلام عدم تعدّد الأمر با لـنسبـة إلى أصل الـصبّ، و بالإضافـة إلى الـمنكبين و الـتعدّد حتّى يبقى الأوّل على الـوجوب، و يحمل الـثاني على الاستحباب، بقرينـة كون الـتعدّد من الآداب، بل ليس هنا إلاّ أمر واحد، و بعث فارد، و متعلّقه صبّ الـماء على الـمنكبين مرّتين; فإمّا أن يكون مفاده الـوجوب في الـمتعلّق بجميع قيوده، و إمّا أن يكون مفاده الاستحباب كذلك.
إلاّ أن يقال: بأنّه ينحلّ إلى أوامر متعدّدة حسب انحلال الـمتعلّق إلى الـمتعدّد.
و يرد عليه حينئذ: أنّه لامزيـة لحمل الأمر الـثاني على الاستحباب بقرينـة الأمر الـثا لـث، فلِمَ لايبقى على ظاهره من الـوجوب بقرينـة الأمر الأوّل، الـذي لامحيص
(الصفحة 124)
عن الالتزام بدلالته على الـوجوب؟ فتدبّر.
هذا، مضافاً إلى أنّ الـروايـة لا دلالـة لها على لزوم الـبدئـة بالأعلى في الـرأس أصلاً، و إلى أنّ الـمنكب ـ كما مرّ في الـقرن ـ ليس هو أعلى الـجانب، بل بعض أعلاه; لأنّ الـمنكب مجتمع رأس الـكتف و الـعضد.
إلاّ أن يقال: بأنّ الـمنكب كما يستعمل في اللغـة بهذا الـمعنى الـمعروف، كذلك يستعمل فيها بمعنى الـناحيـة و الـجانب، يقال: سرنا في منكب من الأرض، أي في ناحيـة منها، فلامجال لهذا الإشكال.
و كيف كان: فلا يستفاد من هذه الـروايـة أيضاً ذلك، سواء كان الـمراد با لـمنكب معناه الـمعروف، أو كان الـمراد به الـجانب و الـناحيـة.
و أمّا عدم ثبوت كيفيـة مخصوصـة للغسل هنا، فلأنّ الـواجب هو عنوان الـغسل بأيّ نحو تحقّق ولو كان بنحو الـرمس، و الـظاهر الاتّفاق عليه، و الـتعبير با لـصبّ و نحوه في عبارات جماعـة من الـقدماء ـ تبعاً للروايات الـكثيرة الـمعبّرة بذلك ـ ليس لأجل خصوصيـة فيه، بحيث لم يجز الـتعدّي عن عنوانه، كما قد حكي عن الـفاضل الـنراقي في «ا لـمستند»، بل لأجل كونه طريقاً متعارفاً في الـغسل.
و قد ورد هذا الـتعبير في الـنصوص الـبيانيـة في الـوضوء، مع إطلاق الـغسل في الـكتاب و الـسنّـة، و عدم اعتبار الـصبّ فيه إجماعاً.
كما أنّ قولهم في نصوص الـمقام بعد الأمر با لـصبّ: «ما جرى عليه الـماء فقط طهر»، أو «فقد أجزأه»، أو «كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته»، قرينـة على كون الـمراد مجرّد جريان الـماء على الـجسد و مماسّته معه، مع أنّ حمل الـصبّ على الـغسل أولى من حمل الـغسل الـمذكور في مثل صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة على الـصبّ، فتدبّر.
|